افراسيانت - سعدى علوه - السفير - يعلق أحد ضباط قوى الأمن السابقين على تجهيزات التواصل الإلكترونية التي عُثر عليها في «المبنى ب» في سجن رومية، بعد نقل الموقوفين الإسلاميين منه إلى «المبنى د»، بالقول «ربما يمكن للأجهزة الأمنية أن تستفيد من هذه التجهيزات لسد النقص الكبير الذي تعاني منه». وسخر الرجل، الذي خدم سنوات طويلة في السلك العسكري، من «الحظوة» التي نعم بها الإسلاميون في رومية طوال السنوات السابقة، ما مكنهم من «التحكم بالبلاد والعباد»، ومن افتقار السجن الأكبر في لبنان إلى التحديث منذ بداية السبعينيات، ليضيف «ولكنهم قد يضطرون للطلب من الإسلاميين تدريب العناصر الأمنية على كيفية استخدامها».
حرقة الضابط السابق نفسها هي التي دفعته للقول «ما دخلت السياسة بيتاً إلا أفسدته»، ليعلق فساد ما حدث في رومية على التدخلات السياسية التي «كانت تعيق عمل رجال الأمن». ولكن هل انتهت «حكاية المبنى ب» أمس، لتختتم معها الأسطورة التي وسمت أجمل المناطق المتربعة على إحدى تلال جبل لبنان باسم سجنها وما يحدث فيه؟
دخل توصيف «الموقوفين الإسلاميين» القاموس الأمني في لبنان بعد أحداث جرود الضنية في العام ألفين، ثم أُدرج تحت الخانة نفسها موقوفو «خلية مجدل عنجر» أيام الوزير الياس المر.
ومع خروج معظم موقوفي الضنية تزامناً مع العفو عن سمير جعجع وانتخابات العام 2005 وتحالفاتها، تغذى الجناح المقابل للغرف التي أوقف فيها الضباط الأربعة والتي بلغ عددها 12 غرفة في المبنى الذي شيّد خصيصاً لأجلهم، بالوافدين الجدد من موقوفي «فتح الإسلام» بعد حرب مخيم نهر البارد في العام 2007 التي سقط فيها نحو 170 شهيداً من الجيش اللبناني.
لكن تقسيمات سجن رومية الجغرافية الموضوعة منذ بداية السبعينيات، لم تجد مكانها على الخريطة الأمنية اللبنانية، إلا مع نقل الموقوفين الإسلاميين من «مبنى الضباط» إلى المبنى «ب»، وهو واحد من ستة أقسام يتألف منها السجن.
حصل ذلك بعدما لم تعد الزنازين الثماني في «مبنى الضباط» تتسع لأعداد الموقوفين من «فتح الإسلام» بعد حرب «البارد». لكن «المبنى ب» نفسه سرعان ما تحول إلى «الإمارة ب» مع وصول عديد الموقوفين الإسلاميين، على اختلاف انتماءاتهم ومشاربهم و «جبهاتهم»، إلى نحو ثلاثمئة موقوف. هناك شيدوا في الطابق الثالث قاعدتهم وغرفة عملياتهم الإلكترونية الحديثة والتخطيطية، مستخدمين أحدث وسائل التواصل عبر تجهيزات يفتقر إليها معظم القاطنين خارج «نعيم» سجن رومية. التجهيزات وثقتها الصور التي أخذت لما يفترض أنها «زنازين المبنى ب»، وهي أشبه، ربما، بتجهيزات أحدث شركات الاتصال أو مكاتب أجهزة المخابرات في العالم. وهناك حصلت مبايعات البعض مؤخراً لـ «جبهة النصرة» التي حجزت مكانها إلى جانب «فتح الإسلام» و «القاعدة» و «جند الشام»... والموقوفين في أحداث عبرا مع الأسير، وغيرهم من الإسلاميين. وينتمي هؤلاء لجنسيات لبنانية وعربية وأجنبية.
وإلى جانب عمليات الفرار المنظمة التي نجح بعضها وأخفق بعضها الآخر، والتحاق بعض الفارين من رومية بالقتال في سوريا والتأكد من مقتل بعضهم هناك، وثبوت تورط العديد من العناصر الأمنية في إدخال تجهيزات ومواد قيل إنها استخدمت في تصنيع مواد متفجرة أو أسلحة وأدوات تستعمل في عمليات الهرب، تحدثت التقارير بشأن ما يحدث في «المبنى ب»عن إدارة الموقوفين لشبكة أمنية ـ تنظيمية، لها امتداداتها في سجون لبنانية أخرى وفي مناطق لبنانية. ووثقت التقارير حصول التواصل عبر «الانترنت» وإنشاء قاعدة معلومات مشتركة، وبواسطة عشرات الهواتف الخلوية الذكية، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، وليس أقلها «السكايب» بالصوت والصورة، في لبنان وعبر العالم، من أفغانستان إلى العراق وباكستان وسوريا والشيشان ودول الخليج وغيرها... ويسأل البعض من ضباط أمنيين سابقين وحاليين عن السبب الذي كان يمنع قطع شبكات التواصل تلك، أو التشويش عليها برغم محاولات عديدة جرت لذلك.
وشملت امتيازات الإسلاميين في «إمارتهم» أمنهم، حيث كانوا يمتلكون مفاتيح الأبواب التي تخص غرفهم ومبناهم، ويتدخلون في التشكيلات الأمنية التي تطال «منطقتهم». يصدرون الفتاوى من داخل الزنازين وينشطون وسط أنصارهم بطريقة ربما أسهل مما لو كانوا خارج السجون. يصدرون الأحكام العقابية بحق كل من يخالفهم، وأثيرت شكوك حول حالات وفاة في قسمهم ليقال إنها أحكام بالإعدام. كانوا يتواصلون مع الإعلام وبعض الشخصيات الرسمية والأمنية النافذة، كلما شاؤوا ذلك. جاءتهم الوجبات الساخنة من الخارج، وتمتعوا بنظام خاص للمواجهات مع زوارهم، ودفعت خصوصيتهم الأمنية وأعدادهم الدولة إلى إقامة محكمة خاصة بهم في سجن رومية نفسه.
يعود ضابط الأمن السابق ليتوقف عند وضع الإسلاميين وتجميعهم في مكان واحد في سجن رومية «هل ظنوا أنها الطريقة الأفضل لضبطهم.. فحصل العكس؟»، ليسأل إن كانت تجربة «المبنى ب» ستكون درساً لكيفية التعامل مع هذه «الكتلة الملتهبة» بعدما نقلوا إلى «المبنى د»، أم أن الأمر لن يتعدى تغيير المكان؟ سؤال يدفعه لطرحه عدم تفتيش الموقوفين بدقة قبل نقلهم من «ب» إلى «د»، فـ «هل نقلوا معهم ملفاتهم وما يحتاجونه لمتابعة جهادهم؟»، كما قال.