افراسيانت - السفير - محمد نور الدين - ما جرى في المؤتمر العام الخامس لـ «حزب العدالة والتنمية» التركي، الذي انعقد قبل أسبوع، لا يمت بصلة إلى روح التجديد التي تأسس على قاعدتها الحزب في العام 2001.
كان الرهان الكبير حينها كيف يمكن لحزب طالع من رحم «حزب الفضيلة»، ومن خط نجم الدين أربكان، أن ينجح في التمايز عنه، وأن ينجح حيث أخفق أربكان.
لقد امتاز «حزب العدالة والتنمية» على امتداد سنواته العشر الأولى في أن يضخ دماء جديدة في السياسة والاقتصاد والسياسة الخارجية، وهو ما جعله يحظى بتأييد شرائح واسعة من الناس، متعدّدة الانتماءات، وجعلته ينجح في معظم الانتخابات التي خاضها على امتداد تاريخه الطويل وينشر تجربته خارج البلاد.
الناظر إلى مؤتمر الحزب الخامس قبل أيام يدرك الفارق بين ثرى الحاضر وثريا الماضي. بل إن الناظر إلى مؤتمر الحزب العام الماضي، وفي التوقيت نفسه تقريباً يدرك أن «حزب العدالة والتنمية» بات، منذ مؤتمر العام الماضي، كياناً لا يمت بصلة إلى مرحلتي التأسيس والصعود.
خرج رجب طيب أردوغان في صيف 2014 من زعامة الحزب إلى رئاسة الجمهورية، وكانت هذه الخطوة مثار نقاش في مدى تأثيرها السلبي على حضور الحزب وقوته بغياب مؤسسه وزعيمه، وما إذا كانت الخطوة ستكون شبيهة بخروج طورغوت اوزال من رئاسة «حزب الوطن الأم» في العام 1989 إلى رئاسة الجمهورية، وما إن مرت سنتان حتى كان الحزب يخسر السلطة في انتخابات العام 1991. وبعد سنوات عشر كان الحزب يضمحل نهائياً.
مؤتمر «حزب العدالة والتنمية» في العام الماضي كان نسخة عن تعيين يلديريم آقبولوت خليفة لأوزال في رئاسة «حزب الوطن الأم» والحكومة. انعقد المؤتمر لكي يعين أردوغان بالانتخاب وزير الخارجية احمد داود اوغلو زعيماً للحزب والحكومة، من دون أي معارضة معلنة على الأقل. لكن كان الحدث حينها استبعاد عبد الله غول عن العودة إلى الحزب. كان هذا مؤشراً على النهج الذي سيواصل أردوغان استكماله في ما بعد، وهو إفراغ الحزب من كل الشخصيات الوازنة التي يمكن أن تشكل تهديداً لزعامته. وثبّت أردوغان هذا النهج، بحيث منع ترشح كل من مَرت عليه ثلاث ولايات متتابعة، وهو ما أتاح استبعاد عدد كبير من القيادات المؤسسة للحزب، ومنها بولنت أرينتش وعلي باباجان وبشير آتالاي وغيرها.
خرج الحزب من انتخابات 7 حزيران الماضي مهيض الجناح، إذ فقد الغالبية المطلقة في البرلمان، وتراجعت أصواته تسعة في المئة. وكان منتظراً أن يقوم الحزب بمراجعة لنهجه الذي أدى إلى خسارته الانتخابات والسلطة، رغم أنه بقي الحزب الأول في البرلمان. غير أن ما جرى خلال الشهرين الماضيين كان التركيز على إجراء انتخابات نيابية مبكرة وسريعة تم إقرارها في الأول من تشرين الثاني المقبل.
وذهب الحزب إلى مؤتمر عام، هو الخامس، الأسبوع الماضي لم يكن أحد يتوقع أن تجري الأمور فيه إلى هذه الدرجة من التبعية والتسليم لرئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان.
ومع أن الحزب أقر إلغاء شرط الثلاث ولايات لعدم الترشح، ما يتيح ترشح أرينتش وباباجان وغيرهما للبرلمان الجديد، غير أن المؤشر لم يكن هنا. بل إن تركيبة اللجنة المركزية للحزب حيث مركز اتخاذ القرار كانت المؤشر. ليس فقط اعترض أردوغان على القائمة التي قدّمها داود أوغلو بل وضع أسماء لم يكن يريدها داود أوغلو، وشطب أسماء كان اقترحها داود اوغلو، وفي النهاية لم يبق لداود اوغلو من اللائحة المكوّنة من خمسين اسماً سوى القليل الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.
أكثر من ذلك، خلت اللائحة من أسماء وازنة مثل بولنت أرينتش وعلي باباجان، ما يعني أيضاً أن السياسات الاقتصادية كما رأى البعض لن تنسجم بالكامل مع النظام الرأسمالي العالمي.
خرج المؤتمر العام الخامس لـ «حزب العدالة والتنمية» بنتيجة واحدة، وهي تأكيد قاعدة أن الحزب هو أردوغان وأردوغان هو الحزب. وهو ما يجعل احمد داود اوغلو وكيلاً له في رئاستي الحزب والحكومة، خصوصاً بعد تشكيل اللجنة المركزية الجديدة.
بذلك يرأس داود اوغلو حزباً ليس له، وكل ما يطلبه على ما يبدو «صورة» هي كل ما تبقى منه ومن «العدالة والتنمية»، فلا يتبقى سوى ... الدائم في قصره السلجوقي.
السؤال الآن هو ما إذا كان «حزب العدالة والتنمية» قادراً على أن يذهب بهذه التشكيلة بمدربه القديم إلى مباراة الأول من تشرين الثاني المقبل.
من العلامات السلبية أن صورة أردوغان هو الحزب مستمرة وبشكل أقوى بكثير من قبل. وهذا يطرح إشكالات عديدة أمام قدرة أن يستمر الحزب من دون أردوغان لاحقاً، وثانياً أمام أن الحزب فقد هويته بتحكم أردوغان به، وهو ما يخالف الدستور بشكل كامل.
الحزب الذي أخفق في الانتخابات الماضية قبل ثلاثة أشهر يذهب الآن بالقيادة نفسها إلى الانتخابات. قد يحسّن الحزب موقعه نقطة أو اثنتين أو أكثر، لكن المسألة الأساسية هي كيف يجدّد شبابه بعدما ترهّل فكره وترهّلت قياداته. الجواب سيبدو مستحيلاً، في ظل ما انتهى إليه المؤتمر الأخير. يبقى أن الحزب يعدّ الوقت فقط في انتظار الاحتضار.
في آخر استطلاعات الرأي لشركات ذات مصداقية، وآخرها شركة «متروبول»، أن «حزب العدالة والتنمية» سيحسن وضعه بمقدار نصف نقطة واحدة فقط، لينال 41.4 في المئة بعدما نال 40.9 في المئة في الانتخابات الماضية، وسيزيد عدد نوابه مقعداً واحداً فقط. «حزب الشعب الجمهوري» سيرتفع نقطتين ليحصل على 27.3 في المئة، وسينال «حزب الحركة القومية» 15.3 في المئة، و «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي 13 في المئة. أما «حزب السعادة» فسينال 1.7 في المئة.
نتائج لن تغيّر شيئاً من انتخابات حزيران الماضي. حتى تحالف «حزب العدالة والتنمية» مع «حزب السعادة»، كما يتم التداول حالياً، قد لا توفر للحزب العدد الكافي من النواب لينال 276 نائباً.
بعد شهر ونيّف يواجه «حزب العدالة والتنمية» تحدّياً مهماً، وهو ما إذا كان بإمكانه العودة منفرداً إلى السلطة. وليس من دليل أوضح على تجوّف الحزب من الداخل الانتقادات اليومية التي يخرج بها، مؤسسوه من غول وأرينتش وعائشة بوهويرلر للحال التي وصل إليها من جهة واللجوء إلى خيارات دموية لم تكن في قاموسه مثل جر البلاد إلى حمام الدم والنار بالحرب التي يخوضها ضد الأكراد، والإمعان في تقييد الحريات الصحافية من جهة أخرى. هذا فضلاً عن الانهيار الاقتصادي غير المسبوق، والمغامرات الخارجية التي يريد من خلال مقامرته في سوريا أن يعوّض بعض ما فاته. حتى بعض ما كان له مع روسيا يفقده، مع إعلان موسكو وقف مدّ مشروع أنابيب الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر تركيا وانتقاد أردوغان للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتعزيز وجود روسيا العسكري في سوريا في ازدواجية موقف، حيث تواصل تركيا، في المقابل، مدّ المعارضة السورية بالإرهابيين من كل العالم وتهجير السوريين وإغراقهم في البحار والسماح لأميركا باستخدام قاعدة «إنجيرليك».