اعتصام شعبي في 9 أيلول.. ووزير البيئة: لست الحلقة الأضعف .. وفي الجولة الثالثة: «الحراك» يباغت السلطة
افراسيانت - السفير - لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الخامس والستين بعد الأربعمئة على التوالي.
قبيل ساعات قليلة من انتهاء مهلة الـ72 ساعة التي منحها الحراك المدني للحكومة من أجل تنفيذ مطالبه، من دون ظهور أي مؤشر الى إمكانية الاستجابة لها.. باغت هذا الحراك وزير البيئة محمد المشنوق، ومعه كل السلطة، باقتحام مقرّ الوزارة في وسط بيروت، حيث نفّذ عدد من شبان وشابات حملة «طلعت ريحتكم» اعتصاماً للمطالبة باستقالة المشنوق، فضّته القوى الأمنية بعنف ما أدى الى إصابة بعض المعتصمين.
وإذا كانت خطوة المعتصمين بالدخول الى قلب وزارة البيئة قد شكّلت موضع نقاش لامس حدود التباين بين بعض مكونات الحراك التي لم تكن جميعها في جو قرار «طلعت ريحتكم» باقتحام الوزارة، إلا أن الأكيد هو أن الطريقة التي تعاملت بها القوى الأمنية مع اعتصام بدا سلمياً وحضارياً، لا تتناسب مع الفعل الشبابي، وإن يكن يُصنّف في اللغة القانونية الجامدة احتلالا لمقر رسمي.
وأبعد من النقاش حول صوابية مبدأ الاعتصام في داخل وزارة البيئة او عدمها، فإن أهم ما كشف عنه تحرك الأمس هو ان انتفاضة 22 و29آب، ليست مجرد زوبعة في فنجان، أو»هواية ثورية» يمارسها المتحمسون في نهاية الاسبوع، بل هي تعبير عن مسار مستمر ومتجدد، لن تنفع محاولات احتوائه او تشويهه، من دون أن ينفي ذلك ان هناك ملاحظات مشروعة على بعض آليات الحراك، يُفترض بالقيمين عليه ان يأخذوا بها، حرصاً عليه ومنعاً لحرْفه عن وجهته الأصلية.
ربما، كان قرار الدخول الى وزارة البيئة متهوّراً حسبما يرى اهل السلطة، وربما كان يحتاج الى تدقيق أكبر كما يعتقد بعض المتحفظين من أهل الحراك، وربما كان ضروريا كما يجزم صقور «طلعت ريحتكم»، لكن في كل الحالات، لا يجوز الاستغراق كثيرا في الحدث بحد ذاته على حساب مقدماته المتراكمة.
ما جرى أمس في وزارة البيئة ابعد من مسؤولية الوزير محمد المشنوق او قيادة الحراك المدني. انه نتاج طبيعي لـ «الفساد المستدام» في الدولة، وللإمعان في تعطيل المؤسسات الدستورية، ولتجويف الدستور والقانون من أي محتوى، ولإجهاض الانتخابات النيابية، ولضرب فرص التغيير بالوسائل الديموقراطية.
امام هذا الاختناق، كان لا بد من ان ينفجر الاحتقان في مكان ما، فكانت البداية في ساحة رياض الصلح، ثم الرسالة في ساحة الشهداء، ثم المفاجأة في مقر وزارة البيئة، وصولا الى التظاهرة الكبرى التي دعت اليها «لجنة المتابعة لتحرك 29 آب» في 9 أيلول، بالترافق مع انعقاد طاولة الحوار.
ليس مستبعداً ان تكون قوى خارجية وداخلية قد دخلت على خط الحراك لخطفه او لاستثماره في اتجاه يتضارب مع النيات السليمة التي تحرك غالبية المنتفضين في الشارع، لكن هذا «التسلل» المريب عبر «أحصنة طروادة»، لا يجب ان يدفع الى إدانة الانتفاضة المدنية برمتها، بل ينبغي ان يكون حافزا لحمايتها وتحصينها، عبر رفدها بأوسع مشاركة ممكنة من الشرائح الشعبية «النظيفة»، في حين ان الانكفاء يفسح المجال امام تمدد مساحة الانتهازيين والمشبوهين.
ولعل نجاح حملات الحراك في التوافق على تشكيل «لجنة متابعة» مشتركة، سيساهم في رفع منسوب التنظيم وتحسين شروط القيادة، بحيث تتحول هذه اللجنة الى الناطق الرسمي باسم الحراك، والاطار الجامع لكل روافده، بدل «اللامركزية» في اتخاذ القرار، والتي تركت سلبيات على بعض جوانب إدارة المواجهة مع السلطة، كما حصل بالأمس، حين فوجئت حملات مشاركة في الحراك المدني بقرار اقتحام وزارة البيئة، ولكنها تجنبت تظهير أي اعتراض علني عليه، بل دعمته في العلن، حرصا على وحدة جسم الحراك.
وكانت «لجنة المتابعة لتحرك 29 آب» قد دعت «المواطنات والمواطنين في جميع المحافظات والأقضية الى المشاركة في الحراك العام، والنزول الى الساحات العامة للضغط على السلطات المركزية والمحلية، كجزء من الحراك العام».
وأوضحت أنه سيصار الى توسيع تحركات المناطق من خلال اعتصامات في الشمال (طرابلس وعكار) الخميس المقبل، وفي الجنوب (صور، عدلون، ابل السقي) وفي النبطية الجمعة المقبل.
ودعت اللجنة الى اعتصام حاشد في بيروت يوم 9 أيلول، على ان تُعلن عن مكانه وزمانه لاحقا، «احتجاجا على انعقاد طاولة الحوار، حوار المحاصصة والفساد والتسويف والمماطلة».
وأكدت «ان هدفنا يبقى بناء دولة مدنية وديموقراطية، قائمة على المساواة والعدالة الاجتماعية، وتبقى من أولوياتنا ضمان الكهرباء في جميع المناطق 24/24 ساعة، بتّ ملفات الرواتب والأجور بطريقة تضمن حياة كريمة للمواطنين، ضمان استقلال القضاء والحريّات العامة وعلى رأسها حرية التظاهر والتغطية الصحيّة الشاملة وإنصاف جميع الفئات الإجتماعية المغبونة».
وزير البيئة: لن أستقيل
وليلاً، قال الوزير محمد المشنوق لـ «السفير» إن المعتصمين في وزارته «ظنّوا أنني الحلقة الأضعف التي يمكن التصويب عليها، ولكنهم أخطأوا في التقدير». وأضاف: طيلة فترة الاعتصام بالقرب من مكتبي لم تخطر على بالي فكرة ان أغادر وسط حراسة أمنية كما اقترح علي البعض، كما لم تخطر على بالي، ولو للحظة فكرة الاستقالة، لان استقالتي لا تفيد في معالجة أزمة النفايات، وأصلا لا يمكن ان أقدّم مثل هذه الخدمة لحراك من هذا النوع.
وتابع: وسط كل هذا الضغط الذي تعرضت له، كنت اشعر بالسكينة الداخلية والمصالحة مع الذات، لانني لست متورطا في اي ارتكاب، بل انا واجهت القوى السياسية جميعها بسبب تنصلها من مسؤولياتها في ملف النفايات مسايرة لمزاج هذا الشارع او ذاك، وما تحملته من هذه القوى لا يستطيع أحد ان يتحمله.
وأوضح ان مكتبه «قدم زجاجات المياه وبعض أكواب «النسكافيه» والسندويشات لعدد من المعتصمين الذين يوجد بينهم من هو نقي ومن هو خبيث»، مؤكدا انه سيظل يداوم في مكتبه كالمعتاد.
وزير الداخلية: أخطاء محدودة
أما وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي يعقد بعد ظهر اليوم مؤتمرا صحافيا، فقال لـ «السفير» إن تدافعا «حصل خلال فض الاعتصام في مبنى وزارة البيئة، بعدما أعطينا المعتصمين كل الفرص للخروج طوعا». وأشار الى ان بعض العناصر الأمنية ارتكبت أخطاء محدودة جدا أثناء إجبار المعتصمين على إخلاء المبنى، نافيا ان تكون قد وقعت إصابات قوية في صفوفهم، وتقارير الصليب الاحمر اللبناني تؤكد ذلك.
وعلم ان اتصالات جرت خلال نهار أمس بين وزير الداخلية وعدد كبير من القيادات السياسية، من بينها الرئيس نبيه بري والرئيسين سعد الحريري وفؤاد السنيورة والنائب وليد جنبلاط وقائد الجيش العماد جان قهوجي، جرى خلالها التشديد على ضرورة التهدئة وضبط النفس من جهة وحماية المؤسسات والمقار الرسمية من جهة أخرى.
استعدادات للحوار
في هذا الوقت، يواصل الرئيس نبيه بري التحضير لطاولة الحوار في مجلس النواب، والتي حدد موعدها في 9 أيلول. وعلم ان نوابا من «كتلة التنمية والتحرير»، وبناء على تكليف من بري، بدأوا أمس بابلاغ الدعوات الى قادة الكتل النيابية الذين كانت ردودهم إيجابية ومشجعة، على ان تكتمل الصورة تبعا للجواب الذي ستعطيه «القوات اللبنانية»، السبت المقبل.
وفي المعلومات، ان بري اتصل بالرئيس سعد الحريري وتمنى عليه ان يشارك شخصيا في طاولة الحوار، فوعده بدراسة الامر، على ان يكلف من يمثله في حال تعذر حضوره.
وقال بري امام زواره امس، إن طاولة الحوار ستتحول الى ورشة عمل دائمة، بحيث يمكن عقد جلستين صباحية ومسائية، يوميا، إذا وافق المشاركون على ذلك، مشددا على ضرورة تسريع وتيرة الحوار، في ظل الظروف الصعبة التي تواجه لبنان.
ولكن بري لفت الانتباه الى ان مبادرته الحوارية اختمرت قبل بدء الحراك الشعبي، وبالتالي فهي ليست رد فعل عليه كما يوحي البعض. وأوضح انه قبل انطلاق الحوار بقرابة عشرة ايام استمزج آراء المعنيين والمؤثرين على مستويي الداخل والخارج في نيته الدعوة الى الحوار، فلمس تشجيعا. وأضاف: عندما يلحظ المرء غيوما سوداء في الافق، فمن الطبيعي ان يتوقع هطول المطر الذي يمكن ان يكون موحلا او حاملا للخير، وأنا لا ارى سوى مؤشرات الوحل، فكان لا بد من استعجال الحوار.
وأشار الى ان حظوظ نجاح المبادرة او فشلها هي صفر او مئة بالمئة، «لكن ما نتفق عليه سيُنفذ حُكما، لان كل قرار يُتخذ سينفذ في مجلس النواب الذي تتمثل كتله الاساسية في الحوار».
وشدد على ان جدول الاعمال الذي طرحه يتضمن البنود المعلنة حصرا، وليست هناك إمكانية لإضافة أي بند عليه، لافتا الانتباه الى ان الجدول أخذ بعين الاعتبار المطالب او الهواجس الحيوية لجميع الأطراف.
وتعليقا على المطالبة باستقالة وزير البيئة، اعتبر بري ان «الوزير محمد المشنوق هو نظيف ولا تحوم حوله أي شبهة فساد، وبالتالي فان مطالبته بالاستقالة ليست في محلها، علما ان قراره بالتنحي عن اللجنة الوزارية المختصة بملف النفايات كان جريئا»