افراسيانت - السفير - حاولت الولايات المتحدة رسم إطار أكثر وضوحا لموقفها من الأزمة السورية، بتثبيت خيارين عبّّر عنهما المتحدث باسم خارجيتها جون كيربي، أمس الأول هو استبعاد الحل العسكري والإصرار على «حل سياسي لا يشمل» الرئيس السوري بشار الأسد، يبدو أنه يسير بالتزامن مع مسار ترسمه واشنطن لمحاربة «داعش»، بالإصرار أيضا على عدم إشراك القوات السورية في عمليات «التحالف» الذي تقوده.
إلا أن خرقاً جديداً برز على مستوى مسار المعالجة السياسية للأزمة السورية، هو الأول من نوعه منذ اللقاء الثلاثي الذي جمع وزراء خارجية الولايات المتحدة وروسيا والسعودية في الدوحة، مطلع شهر آب الحالي، حيث أعلنت واشنطن عن بدء المبعوث الأميركي الخاص الجديد إلى سوريا مايكل راتني زيارة إلى موسكو والرياض وجنيف في وقت لاحق من هذا الأسبوع.
ولفت الإعلان الأميركي إلى أن جولة راتني تستهدف إجراء مباحثات سعياً إلى إيجاد «حل سياسي» للأزمة السورية. وقال مسؤول رفيع المستوى في الخارجية الأميركية إن راتني الذي عين مبعوثاً جديداً إلى سوريا في نهاية تموز الماضي، سيسافر إلى العواصم الثلاث في الفترة ما بين 28 من الشهر الحالي حتى الثاني من أيلول المقبل.
وبحسب الإعلان الأميركي فإن مبعوث واشنطن «سيجتمع في 28 من آب (الحالي) مع مسؤولين روس كبار، وفي 29 منه مع مسؤولين سعوديين كبار في الرياض لمواصلة المناقشات بشأن الجهود من أجل عملية انتقال سياسي حقيقي وإنهاء الأزمة المدمرة في سوريا». كما يلتقي راتني في جنيف ستيفان دي ميستورا مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا.
وكان المسار الأميركي العملي على خط إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، قد بدأ مع ترحيب واشنطن بمبادرات روسيا، الحليف القوي للأسد، والأمم المتحدة، لإيجاد حل ديبلوماسي للأزمة. إلا أن المواقف الأميركية ما زالت تحتفظ بالإصرار على أن أي انتقال للسلطة في سوريا يجب أن يكون في إطار ما يسمى إعلان «جنيف» الذي يدعو إلى نقل السلطة إلى حكومة انتقالية.
وفي هذا السياق قال المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي، أمس، إن بلاده تدفع «باتجاه التغيير السياسي في سوريا، وأن ضربات التحالف تستهدف داعش فقط وهما قضيتان مختلفتان»، محددا أولويات بلاده في التعاطي مع الأزمة السورية، عبر هذين المسارين، ومشدداً في الوقت نفسه على أن واشنطن «لا تقبل بانضمام نظام الأسد وجيشه إلى التحالف الدولي لضرب داعش في سوريا».
وعبر كيربي عمّا أسماه «قناعة» بلاده «بأن تغيير النظام السوري لن يتم عبر الطرق العسكرية»، لافتاً إلى أن «هذا موقف واضح» للرئيس الأميركي باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري، مبشراً في الوقت نفسه بطول مدة الحرب الأميركية على «داعش» بالقول إن «الحرب على داعش تحتاج إلى بضع سنوات أخرى وهذا مبني على حقائق واقعية في الميدان».
وتستند الولايات المتحدة في مسألة قتال تنظيم «داعش» مؤخراً الى محاولة بناء منظومة قتالية مشتركة بين «التحالف الدولي» وتركيا، بعدما عاندت أنقرة لفترة طويلة مسألة الاشتراك في عمليات عسكرية ضد «داعش»، في ظل اتهامات طالتها بتسهيل عبور مسلحي التنظيم المتشدد إلى الأراضي السورية.
وبعد الحديث الذي تم تداوله عن إنشاء «منطقة آمنة» أو «عازلة» في الشمال السوري ضمن إطار التعاون العسكري الأميركي التركي المتفق عليه خلال الايام الماضية، قال كيربي إن الاتفاق مع تركيا تم «على استخدام القاعدة العسكرية وانخراطها في التحالف ضد داعش ولا اتفاق خارج هذا الإطار».
بدوره اعتبر البيت الأبيض، أمس، ان «هناك مسؤولية على عاتق كل الدول لوقف تدفق المقاتلين المتشددين عبر أراضيها»، مؤكداً أن واشنطن طالبت «حلفاءها»، و «من بينهم تركيا بالانخراط عملياً في القتال ضد داعش».
وكانت وزارة الدفاع الاميركية، قد ذكرت، أمس الأول، أن الولايات المتحدة اختتمت مباحثاتها مع تركيا بخصوص اشتراك أنقرة في العمليات الجوية ضد تنظيم «داعش»، وأن البلدين «أنهيا التفاصيل الفنية لاشتراك تركيا الكامل في عمليات محاربة داعش»، مع الاشارة إلى أن الدور التركي «سيشمل الانخراط الكامل في عمليات التحالف الجوية».
وفيما يسير الحراك الديبلوماسي الدولي بخطى وثيقة، تستمر المعارك في الميدان السوري. وبعد أيام قليلة من تقدم الجيش السوري والفصائل التي تؤازره في منطقة سهل الغاب، تراجعت القوات التي كانت متمركزة عن عدة محاور بعد هجوم عنيف شنه مسلحو «جيش الفتح» الذي تقوده «جبهة النصرة»، أبرزها المشيك، الزيارة وتل واسط والتنمية.
وذكر مصدر ميداني لـ «السفير» أن الهجوم نفذه المسلحون على عدة محاور، وسط استخدام مكثف للصواريخ الحرارية، فيما ذكرت مصادر «جهادية» أن الهجوم تم بعد إعادة تنظيم «كتيبة التاو» في «جبهة النصرة»، والتي تمكن الجيش السوري من قتل عدد من عناصرها خلال سلسلة الغارات العنيفة التي شنها الأسبوع الماضي.
ويعيد هذا الهجوم الجديد قوات الجيش السوري إلى مواقع متأخرة في المعركة المستمرة في منطقة سهل الغاب بريف حماه.
وفي ريف إدلب، تمكنت حامية مطار أبو ضهور العسكري من التصدي لهجوم عنيف شنه مسلحو تنظيم «جبهة النصرة»، وذلك بعدما تمكن انتحاريان من الوصول بعربتيهما المفخختين إلى بوابة المطار الرئيسية وتفجيرهما، حيث وقعت اشتباكات عنيفة عند بوابة المطار وفي جهته الشرقية، تمكن خلالها الجيش السوري من تدمير عدة آليات لـ «النصرة»، و أفشل الهجوم الذي يعتبر الأعنف حتى الآن على المطار المحاصر.
كذلك قام مسلحو «أحرار الشام» باستهداف قريتي الفوعة وكفريا المحاصرتين في ريف إدلب بعدة قذائف متفجرة من دون ورود أنباء عن ضحايا من المدنيين.
وفي ريف حلب الشمالي، ذكر مصدر عسكري لـ «السفير» أن قوات الجيش السوري والفصائل التي تؤازره تمكنت من إفشال هجوم مسلحي «غرفة عمليات فتح حلب» الذين تقودهم حركة «أحرار الشام» في الريف الشمالي القريب من المدينة.
وأوضح المصدر أن المسلحين هاجموا مواقع الجيش السوري في قرى دوير الزيتون وباشكوي ومزارع الملاح، حيث تمكنوا من السيطرة عى نقاط للجيش السوري في قرية باشكوي، بعد قصف عنيف ومكثف طال هذه المواقع، الأمر الذي أجبر القوات المتمركزة على التراجع إلى نقاط خلفية، قبل أن تعود القوات وتستعيد جميع المواقع عبر عملية عسكرية سريعة أعادت خطوط التماس والسيطرة إلى سابق عهدها. ولم تكد قوات الجيش السوري تستعيد مواقعها في باشكوي، حتى قامت الفصائل المسلحة باستهداف قريتي نبل والزهراء المحاصرتين بعدة صواريخ متفجرة، الأمر الذي اعتبره مصدر ميداني «رداً على فشل الهجوم ومحاولة انتقام من المدنيين»، وتسببت القذائف بمقتل فتاة في السابعة عشرة من عمرها، وإصابة عدد آخر من المدنيين، وفق مصادر أهلية.
وفي سياق متصل، أكدت مصادر معارضة أن زعيم تجميع «صقور الغاب»، وهي إحدى القوى المنضوية في «جيش الفتح» جميل رعدون قد قتل جراء انفجار عبوة مزروعة بسيارته في مدينة هاتاي في تركيا.
وقال مصدر معارض أن رعدون يعتبر من ابرز عناصر الارتباط بين غرفة العمليات التي تدير المعارك شمال سوريا من تركيا والفصائل المقاتلة على الأرض، وتعتبر من أكثر الفصائل استعمالا لصواريخ «تاو» الأميركية في معارك ريف إدلب.