افراسيانت - السفير - "القمة الخليجية ـ الأميركية" لا تبدو على قدر التوقّعات ولا على قدر الزخم الإعلامي الذي أعقب الإعلان عنها، وسبق اعتذار الملك السعودي سلمان عن عدم المشاركة فيها. ستخرج القمة بصورة تذكارية في «كامب ديفيد» اليوم، ربما تكون الأخيرة، للقادة الخليجيين ونوابهم قبل نهاية ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي سيبعث برسائل طمأنة إلى أصدقائه في مجلس التعاون الخليجي على شكل صفقات تسليح، لكن من دون التوقيع على أيّ معاهدات دفاعية استراتيجية أو حتى إمكانية تقديم أيّ تعهّدات مكتوبة.
ينتظر أوباما في ختام ولايته الثانية إنجاز الاتفاق النووي مع إيران في حزيران المقبل، والإبقاء، في الوقت ذاته، على حلفاء الولايات المتحدة القدامى في المنطقة. غير أن اللقاء الذي جمع في المكتب البيضاوي، يوم أمس، الرئيس الأميركي بولي العهد السعودي محمد بن نايف وولي ولي العهد محمد بن سلمان جاء كمحاولة لتأكيد متانة العلاقات بين البلدين، في وقتٍ غابت فيه المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة «5+1» عن اللقاء الثلاثي، بحسب ما أعلنه اوباما شخصيا، على أن تكون محور محادثات القمة التي يعقدها الرئيس الاميركي مع الخليجيين في «كامب ديفيد»، والتي يغيب عنها أربعة من القادة دول مجلس التعاون.
الرئيس الأميركي شدّد، خلال اللقاء، على التعاون في مكافحة الإرهاب الذي وصفه بأنه «أساسي لاستقرار المنطقة وأيضاً لأمن الأميركيين»، مؤكداً الدور المحوري الذي اضطلعت به الرياض في مكافحة تنظيم «داعش».
ويعتبر بروس ريدل، مستشار الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، أنّ غياب الملك سلمان الذي يشكل «رسالة واضحة ومتعمدة» من السعودية إلى الإدارة الأميركية، يحمل على عدم توقّع أيّ تقدم كبير. ويوضح أنّ «السعوديين لم يكونوا متحمسين لهذه القمة منذ البداية.. كلما اقترب موعدها، زاد شعورهم بأنّها لن تؤدي إلى مقترحات ملموسة فعلاً».
واختصر جون ألترمان من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» هذا الواقع بالقول إنّ «الولايات المتحدة تركّز على التهديد النووي الذي تمثّله إيران.. لكن من وجهة نظر دول الخليج، فإنّ البرنامج النووي هو واحد فقط من الأوجه المتعددة للتهديد الإيراني».
وتأتي القمة بعد ساعات على دخول هدنة إنسانية حيز التنفيذ في اليمن، ما استدعى من أوباما الوقوف عند هذا النقطة، داعياً إلى «البناء على وقف إطلاق النار» لتحريك العملية التي تسمح بتشكيل حكومة تتمتّع بصفة تمثيلية في اليمن، من دون التطرّق إلى «الشرعية» التي شُنّت الحرب دفاعاً عنها، وفقاً لبيانات «التحالف» السعودي.
أما ولي العهد السعودي محمد بن نايف، فأكّد أن بلاده تولي أهمية كبيرة «للعلاقات الإستراتيجية والتاريخية» مع واشنطن، فيما قال أوباما إن الصداقة التي «تربط الولايات المتحدة والسعودية استثنائية، وعلاقة تعود إلى عهد فرانكلين روزفلت والملك عبد العزيز».
كما استقبل محمد بن نايف في مقر إقامته في الولايات المتحدة رئيس جهاز الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) جون برينان، ورئيس جهاز التحقيقات الفيدرالية الأميركية (إف بي آي) جيمس جاكسون، وجرى خلال اللقاءين المنفصلين «استعراض الموضوعات الأمنية وبحث الموضوعات ذات الاهتمام المشترك»، وفقاً لوكالة الأنباء السعودية – «واس» التي لم تورد مزيداً من التفاصيل.
وكانت بعض الدول الخليجية تطمح إلى توقيع معاهدة دفاع مشتركة رسميّة مع الولايات المتحدة، إلا أنّ مسؤولين أميركيين أبلغوا القادة الخليجيين أنّ الرئيس الأميركي لن يوافق على مثل هذا الإجراء، حتى أنّ مسؤولين آخرين ذهبوا إلى حدّ التأكيد أنّه لن يتم تقديم أي تعهدات مكتوبة من أيّ نوع.
ويقول مسؤولون أميركيون إنّ أوباما سيعرض تطمينات ستأخذ في الغالب شكل بيان مشترك، وإعلانات أكثر تواضعاً لتحقيق تكامل أنظمة الدفاع الصاروخي الباليستية وزيادة المناورات العسكرية المشتركة وتيسير إمدادات الأسلحة.
ومن خلال مقاومة سعي دول الخليج إلى الحصول على ضمانات أمنية رسمية جديدة، يراهن أوباما على أنّ التحالف المتين يمكنه، رغم القلق الذي ينتابه، أن يتجاوز الخلافات الحالية، خصوصاً في ضوء الاعتماد الخليجي القائم، منذ سنوات بعيدة، على المظلة العسكرية الأميركية.
وما يعزز وضع أوباما هو الاستقلال الأميركي المتزايد في مجال الطاقة، والذي جعل نفط الخليج ذا أهمية أقل بالنسبة إلى الاقتصاد الأميركي.
لكن دول الخليج قد لا تجد أمامها سوى التمسك بواشنطن حتى إذا أرسل أوباما رسائل ضمنية مفادها أنّ هذه الدول تحتاج إلى الولايات المتحدة أكثر مما تحتاج واشنطن إليها.
وكان وزير الخارجية الأميركي جون كيري قد دعا إلى ترتيبات دفاعية أوضح بين دول الخليج والولايات المتحدة والحلف الأطلسي من أجل مكافحة الإرهاب. وقال قبل اجتماع لوزراء خارجية دول الحلف في انطاليا جنوب غرب تركيا «أعتقد أن جميع الدول الأعضاء (في الحلف) على قناعة بأن وضع ... ترتيبات دفاعية أوضح مع دول مجلس التعاون الخليجي وغيرها من الدول الصديقة وبين الولايات المتحدة، سيكون أساسياً لمساعدتها على التصدي للإرهاب». وأضاف أنّ هذا النوع من الاتفاقات يمكن أن يساعد على مكافحة «بعض الأنشطة التي تجري في المنطقة والتي تزعزع جميع هذه الدول».