افراسيانت - سعى الرئيس الاميركي باراك اوباما الى تقديم مقاربة جديدة للأوضاع في منطقة الشرق الاوسط، وتحديداً في ما يتعلق بالعلاقات الإيرانية ـ العربية، في ما بدا محاولة لتسويق الاتفاق النووي مع الجمهورية الاسلامية، بعد تفاهمات لوزان الاسبوع الماضي، وبدء العد العكسي لتوقيع الاتفاق النهائي في نهاية حزيران المقبل.
وفي خطاب غير مألوف، منذ انتخابه رئيساً للولايات المتحدة في العام 2008، وجّه اوباما رسالة تحذير مباشرة إلى دول مجلس التعاون الخليجي، معتبراً أن أكبر خطر يتهدد الحكام الخليجيين، ليس التعرض لهجوم محتمل من إيران، وإنما حالة الغضب داخل بلادهم، بما في ذلك سخط الشبان العاطلين والإحساس بعدم وجود مخرج سياسي لمظالمهم.
وتحدث اوباما، للمرة الاولى، عن «حوار صعب» ينتظره مع قادة الدول الخليجية، الذين سيلتقي بهم خلال الاسابيع المقبلة في كامب ديفيد، وتحديداً في الملف النووي الايراني، الذي وصفه بأنه «أفضل الخيارات المتاحة»، والملف السوري، الذي تساءل عن الدور الذي يقوم العرب في معالجته، فضلاً عن ملفي الأمن والإرهاب، ملمحاً الى مسؤولية الحكام العرب عن دفع الشبان نحو الانضمام الى «داعش».
وبالرغم من ان المقاربة التي قدمها الرئيس الاميركي بدت جديدة، مقارنة بأسلافه، إلا أنها لم تشذ عن ثوابت السياسة الخارجية الاميركية الموروثة، حيث أعاد اوباما تقديم أوراق اعتماده ليهود أميركا وإسرائيل، برغم الهجوم المتواصل من قبل رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو على الاتفاق النووي. وبالإضافة الى عرضه توقيع معاهدة دفاع مشترك مع إسرائيل، أبدى الرئيس الأميركي استعداده للتعهد بالوقوف إلى جانبها إذا ما تعرضت إلى أي هجوم.
ومع ذلك، فإنّ اوباما سكب ماءً بارداً على طلب نتنياهو بأن يستند الاتفاق النووي بين القوى العالمية وإيران إلى اعتراف طهران بإسرائيل. وقال، في مقابلة مع الراديو العام الوطني (ان بي آر) إن «فكرة ان نربط عدم حصول إيران على اسلحة نووية في اتفاق قابل للتأكد منه باعتراف إيران بإسرائيل يشبه فعلاً قول إننا لن نوقع اتفاقاً حتى تتغير طبيعة النظام الإيراني تماماً». وأضاف «يعني هذا، فيما أظن، سوء تقدير بصورة جوهرية».
وقال أوباما، في مقابلة متلفزة مع الصحافي اليهودي توماس فريدمان، استمرت 46 دقيقة، ونشرت صحيفة «نيويورك تايمز» مقتطفات منها أمس الأول، أنه سيجري «حواراً صعباً» مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، سيعد خلاله بتقديم دعم أميركي قوي ضد الأعداء الخارجيين، لكنه سيقول لهم إنه يتعين عليهم معالجة التحديات السياسية الداخلية.
وأشار أوباما إلى أنه سيبلغ قادة دول مجلس التعاون الخليجي، خلال القمة التي ستعقد في كامب ديفيد خلال الربيع، بأنه يتعين عليها أن تكون أكثر فعالية في معالجة الأزمات الإقليمية. وقال «أعتقد أنه عند التفكير فيما يحدث في سوريا على سبيل المثال، فهناك رغبة كبيرة لدخول الولايات المتحدة هناك والقيام بشيء. لكن السؤال هو: لماذا لا نرى عرباً يحاربون الانتهاكات الفظيعة التي ترتكب ضد حقوق الإنسان أو يقاتلون ضد ما يفعله (الرئيس السوري بشار) الأسد؟».
وأوضح أنه يريد أن يناقش مع الحلفاء في الخليج كيفية بناء قدرات دفاعية أكثر كفاءة، وطمأنتهم على دعم الولايات المتحدة لهم في مواجهة أي هجوم من الخارج. وقال «هذا ربما يخفف بعضاً من مخاوفهم، ويسمح لهم بإجراء حوار مثمر بشكل أكبر مع الإيرانيين».
لكن أوباما أشار إلى أن أكبر خطر يتهددهم ليس التعرض لهجوم محتمل من إيران وإنما السخط داخل بلادهم، بما في ذلك سخط الشبان الغاضبين والعاطلين، والإحساس بعدم وجود مخرج سياسي لمظالمهم. وأضاف «لذلك، ومع تقديم دعم عسكري، ينبغي على الولايات المتحدة أن تتساءل كيف يمكننا تعزيز الحياة السياسية في هذه البلاد حتى يشعر الشبان السنة أن لديهم شيئاً آخر يختارونه غير (تنظيم الدولة الإسلامية). هذا حوار صعب نجريه لكن ينبغي علينا المضي فيه».
إلى ذلك، كررت الحكومة السعودية، أمس، ما كان أبلغه الملك سلمان إلى أوباما. وعبرت، في بيان بعد اجتماع برئاسة سلمان في الرياض، عن أملها في «أن يتم الوصول إلى اتفاق نهائي ملزم يؤدي إلى تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم».
وجددت الحكومة دعم الرياض «للحلول السلمية القائمة على ضمان حق دول المنطقة في الاستخدام السلمي للطاقة النووية وفق معايير وإجراءات الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتحت إشرافها، وبما ينسجم مع قرار جامعة الدول العربية الرامي إلى جعل منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي منطقة خالية من كل أسلحة الدمار الشامل، بما فيها السلاح النووي». وأكدت أن «تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة يتطلب الالتزام بمبادئ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية واحترام سيادتها».
أوباما وإسرائيل
وعمد أوباما إلى إعادة احتضان إسرائيل، وأبدى، بالإضافة إلى عرضه توقيع معاهدة دفاع مشترك معها، استعداده للتعهد بالوقوف إلى جانبها إذا ما تعرضت إلى أي هجوم، قائلاً «إنكم إذا ما تورطتم مع إسرائيل، فإن أميركا ستكون هناك».
وكان واضحاً، في المقابلة المتلفزة أن أوباما يخاطب كلا من الإسرائيليين واليهود في أميركا، فضلا عن صنَّاع الرأي والموقف هناك.
وخفف أوباما من حدة كلامه ضد نتنياهو، معلناً أنه «يحترم» الرجل لكنه لا يخفي خلافاته مع اقتراحاته التي يراها ببساطة: غير واقعية. ويعترف أن ما تحقق في لوزان «ربما ليس مثالياً»، لكنه الأفضل بين الخيارات المتوفرة: الحل العسكري أو إبقاء نظام العقوبات.
لكن كل تطمينات أوباما لم تقنع قادة إسرائيل. وقال وزير الاستخبارات يوفال شتاينتس، المقرب من نتنياهو، إن تطمينات الرئيس الأميركي بشأن امن إسرائيل غير كافية، وانه يجب تعديل اتفاق الإطار مع إيران بشكل جذري، وأن خيار استخدام القوة يبقى «على الطاولة» بالنسبة لإسرائيل. ومن مطالب تل أبيب وقف طهران الأبحاث عن أجهزة الطرد المركزي الحديثة وتطويرها، وخفض عدد أجهزة الطرد المركزي التي ستستمر إيران في تشغيلها وإغلاق موقع «فوردو» للتخصيب ونقل مخزون اليورانيوم الضعيف التخصيب المنتج إلى خارج البلد، والسماح للمفتشين الدوليين الذين سيحرصون على تطبيق الاتفاق «بزيارة أي موقع في أي وقت» ومطالبة إيران بالكشف عن كل أنشطتها النووية السابقة.
وقال شتاينتس «إذا استخدمت إيران، الدولة الأولى في دعم المجموعات الإرهابية، تدفق الأموال جراء رفع العقوبات الدولية عنها لتسليح أعداء إسرائيل، مثل حزب الله في لبنان أو حماس في غزة، من الجيد أن تساعدنا الولايات المتحدة، لكن ذلك لا يكفي».
وكان نتنياهو وصف، في مقابلات مع قنوات تلفزة أميركية أمس الأول، الاتفاق النووي «بالسيئ جداً، لأنه يبقي بنية تحتية نووية كبيرة لإيران، التي تريد القضاء على إسرائيل وغزو الشرق الأوسط».
وأضاف «إذا كان بلد يتوعد بالقضاء علينا ويعمل كل يوم بالطرق التقليدية وغير التقليدية لتحقيق ذلك، وإذا ابرم هذا البلد اتفاقاً يمهد الطريق لحصوله على العديد من الأسلحة النووية، فإن ذلك يشكل خطراً على وجودنا». وتابع «سأقول لكم ما الذي سيحدث أيضاً. اعتقد انه سيشعل سباق تسلح مع الدول السنية».
«السفير»