افراسيانت - محمد بلوط - السفير - بعد أربعة أيام من المفاوضات الطويلة في فندق «بوريفاج» في لوزان السويسرية، النووي الإيراني أمام امتحان التمديد مجدداً. الوقت المكرس رسمياً حتى نهاية يوم غد للتوصل إلى اتفاق، قد يكون تحول إلى فخ في حده الأقصى، أو إلى سيف مصلت على رؤوس المتفاوضين الإيرانيين والأميركيين، الذين يجدون أنفسهم بعد أسبوع من التفاؤل أمام احتمال اللجوء إلى تمديد لا بد منه، للتوصل إلى الاتفاق المنتظر.
الإشارات الممددة للمفاوضات تكاثرت في الساعات الأخيرة. أولاً، علي أكبر صالحي، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، وأحد أمهر المفاوضين الإيرانيين، استعاد تصريحات ترفع منسوب التوقعات بثبات الاتجاه نحو الاتفاق على إطار سياسي، قائلاً لمن شاء أن 90 في المئة من الخلافات التقنية حول البرنامج النووي، قد حلت.
وبقوله إنه «ينبغي انتظار نتائج المفاوضات في اليومين المقبلين»، يفتح صالحي قوسين اعتراضيين في إصراره على التقدم التقني، واكتشاف أنه ليس كافياً للتقدم في قضايا الإطار السياسي، لا سيما التفاهم على المسألة الجوهرية: رفع العقوبات، آلياتها، وروزنامتها.
ويرتدي كلام صالحي أهمية كبيرة، نظراً إلى اعتباره مفاوضاً محورياً، مع نظيره الأميركي إرنست مونيز، زميله في الدراسة في معهد ماساشوستيس الأميركي. وجلي أن زميلي الدراسة لعبا دوراً أساسياً في تحقيق تقدم كبير في الملفات التقنية.
محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، ثانياً، اتخذ من تأخر وصول وزراء خارجيات الصين وألمانيا وفرنسا وروسيا وبريطانيا إلى لوزان مساء اليوم، أو غداً، مؤشراً إضافياً لتأخر الاتفاق، واللجوء إلى تمديد المفاوضات، التي ينبغي أن تختتم رسمياً، بحسب ما نص عليه الاتفاق المرحلي، قبل انطواء شهر آذار.
سلّم ظريف بتباعد المواقف، وقال: «أعتقد أن وجود الوزراء لن يكون ضرورياً في هذه الجلسة، لأنه يفترض بجميع وزراء خارجية الأطراف المتفاوضة الحضور حين يتم التوصل إلى حلول ونقترب من اتفاق».
وإذا كان التمديد خياراً متاحاً، إلا أن الأميركيين، يكررون، كما قال الوزير جون كيري، أنه مستبعد، «لأن ما يمكن إنجازه في نيسان وأيار، يمكننا أن نتوافق عليه الآن». كما أن الرئيس الأميركي باراك أوباما سيشعر أن الوقت يلعب ضده في رهانه على تحقيق إنجاز ديبلوماسي كبير، قبل انتهاء ولايته، خصوصاً أن الكونغرس يهدد في الأيام المقبلة بفرض المزيد من العقوبات على الإيرانيين لحثهم على مغادرة المفاوضات، فيما لا تتوقف الأخبار السيئة.
ولن يكون سهلاً على الرئيس الأميركي إدارة المفاوضات على جبهة من الأعداء تضم المنتصر في الانتخابات الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، إلى العرب الخليجيين الخائفين الذين يلوحون للمرة الأولى في تاريخهم، بالسباق النووي، فيما لم تحركهم ترسانة نووية إسرائيلية، منذ نصف قرن.
وجلي أن عوامل شك جديدة عادت لتظهر على طاولة المفاوضين في الساعات الأخيرة. إذ يمنح الإيرانيون أهمية كبيرة لضمانات سياسية من الإدارة الأميركية، تعطل قدرة الكونغرس على العودة عن الاتفاق مستقبلاً، كما لجهة انتصار التطرف الاسرائيلي في الانتخابات الاخيرة. ولا يعد كافياً في هذا السياق، مسارعة وزارة الخارجية الأميركية إلى القول إن فوز بنيامين نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية، «لن يعيق جهود الولايات المتحدة من أجل التوصل إلى اتفاق مع إيران».
يقول مسؤول أميركي في لوزان إن «كل عناصر الاتفاق متوفرة، منذ أشهر، للتوصل إلى اتفاق مع الإيرانيين، لكن الأمر يحتاج إلى إرادة سياسية». لكن الطرفين دخلا في نقاش حول الضمانات والضمانات المضادة. وقد تكون المزايدة ورفع الأثمان في الساعات الأخيرة أمراً منتظراً، في أي مفاوضات، خصوصاً كالمفاوضات النووية.
لكن تهديدات الكونغرس، والعرقلة الفرنسية كما انعكست في وصف مسؤول فرنسي في لوزان للتفاؤل الإيراني والتقدم بنسبة 90 في المئة بأنه مجرد أقاويل، كلها أسباب تدفع الإيرانيين إلى المطالبة قبل نفاد مهلة المفاوضات، بقرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع يتزامن مع إبرام الاتفاق في لوزان أو غيرها.
مطالبة الإيرانيين برفع العقوبات التي فرضتها الدول الكبرى باسم الأمم المتحدة، وإلغاء ستة قرارات أممية تلعب دوراً كبيراً في تعطيل الاقتصاد الايراني، تشكل عقدة المفاوضات بأسرها وجبهة الصدام. تمنع رزمة العقوبات الأممية إيران من تصدير نفطها نحو أفضل زبائنها، الهند والصين واليابان، خصوصاً القرار 1929، الواقع هو نفسه تحت الفصل السابع.
قرار تحت الفصل السابع هو ضمانة الإيرانيين للقبول بالاتفاق التقني، وتحويله إلى اتفاق سياسي بعد التفاهم على التفاصيل التي تبدو في متناول اليد، خصوصاً أن الإيرانيين يعرفون أن برنامجهم أصبح واقعاً مقبولاً أو مفروضاً، لا يمكن العودة عنه.
أما العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وأخطر ما فيها سد نظام التحويلات المصرفية أمام إيران، فيمكن النظر فيها لاحقاً. لكن تصويت مجلس الأمن والخمس الكبار، وهم أنفسهم الذين يفاوضون إيران في لوزان، سيقوض القاعدة السياسية والأخلاقية لتلك العقوبات، ويضع الولايات المتحدة والأوروبيين أمام تناقضاتهم إذا ما وافقوا على رفع العقوبات جماعياً باسم «الأسرة الدولية»، واستمروا بفرضها أحادياً.
وفي المقابل، يتنوع التشدد الغربي، إذ لا يشارك الفرنسيون في المفاوضات إلا من أجل وضع المزيد من العقبات. يطالب الفرنسيون بعدم القبول بالتزامن برفع العقوبات عن إيران مع قرار أممي.
ويرى مسؤول فرنسي أن وكالة الطاقة الدولية هي صاحبة القرار، وأنه ينبغي انتظار عامين بعد التوقيع كي تقول الوكالة في التزام إيران بتعهداتها أم لا، قبل رفع العقوبات.
يتهم الفرنسيون إيران بأنها تريد كل شيء، رفع العقوبات والاحتفاظ ببرنامجها النووي في آن واحد، في مقابل لا شيء. أما الأميركيون، فالأرجح أنهم يقسمون رفع العقوبات إلى قرارين دوليين، الأول يرحب بإبرام الاتفاق، فيما يرفع الثاني العقوبات من دون تحديد موعد له خلال المفاوضات التي تستمر، لأن البديل منها ومن الاتفاق هو العودة إلى أجواء الخيار العسكري، وإسقاط احتمالات الانفراج في الملفات الإقليمية في العراق وسوريا ولبنان، التي تركزت المحادثات حولها، على ما قاله محمد جواد ظريف بعد لقائه وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا وألمانيا، في بروكسل قبل يومين.
نشر هذا المقال في جريدة السفير بتاريخ 2015-03-19