اندفاعة إيرانية ـ سورية لتدمير "داعش" في الحسكة .. معركتا الموصل والشرق السوري تتداخلان
افراسيانت - محمد بلوط - السفير - مع دخول الجيش العراقي وحلفائه تكريت، يكتمل القوس حول الموصل، بعدما كسر العراقيون والإيرانيون حصار آمرلي، وأنهوا جيب جرف الصخر، واستعادوا تباعاً بيجي وشمال سامراء والعلم والدور، وباتوا يدفعون أمامهم في الطريق نحو الموصل، تجمعات تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»-»داعش» باتجاه شمال شرق وغرب العراق، إلى الحسكة في الشمال الشرقي السوري.
لكن الثلاثين ألف جندي ومقاتل من الحشد الشعبي، والكوادر الإيرانية من «فيلق القدس»، في تكريت لا يزالون بعيدين جداً عن معركة الموصل. ليس ذلك في العراق فحسب، بل في سوريا أيضاً، فالانتصار في تكريت، وإغلاق المنطقة الوسطى العراقية أمام «داعش»، لا يمهد وحده لأي انتصار في الموصل.
وخلال الأيام الماضية أبدى الإيرانيون خاصة، ديناميكية كبيرة في التحضير للمعركة، على نطاق لا يمكن الإحاطة به، لو استمرت تجزئة المشهد الميداني، بين العراق، حيث أصبح دورهم علنياً ومعترفاً به أميركياً، وبين الشرق السوري الذي سيوحد القتال الإيراني ـ العراقي ـ السوري ضد «داعش»، وبتسليم أميركي.
والأرجح أن اندفاعة إيرانية ـ عراقية ـ سورية نحو الشرق السوري، في إطار معركة الموصل، تبدو أكثر من مجرد فرضية، على ضوء المعطيات العسكرية والسياسية والتحولات الجارية إزاء «داعش» إقليمياً، ورسوخ أولوية استئصاله أميركياً.
ويحصد مطلع الصيف كموعد للعملية شبه إجماع لدى أركان العمليات الأميركية، والإيرانية، والعراقية، على ما يقوله المختصون. ويقول مسؤول كردي إن الإيرانيين بدأوا تعزيز وجودهم في الحسكة منذ أسابيع، إذ عاد المئات من المقاتلين السوريين، الذين يشرف عليهم ضباط لبنانيون وإيرانيون، إلى المنطقة، بعد أن تلقوا تدريبات دامت أشهراً في إيران. ويعتقد المسؤول الكردي أن الإيرانيين يعملون على إحباط أي مشروع كردي في المنطقة، بعد إعادة صياغة التحالفات العشائرية، لا سيما مع شمر والجبور في الحسكة، والشعيطات في دير الزور، والإسهام في معركة الموصل، عبر قطع خط الانسحاب لـ «الدولة الإسلامية» المتحصن في الموصل، وضرب خطوط إمداده.
ويرجح عسكرياً احتمال ضم الشرق السوري إلى ساحة عمليات «فيلق القدس»، لاعتبار أول: ذلك أن الحسكة ودير الزور تمثلان القاعدة الخلفية لـ «داعش» التي ينبغي تحطيمها وحيث يحشد فيها معظم غنائمه من الجيش العراقي، لحرمانه من معقله الأخير الذي سينسحب إليه من الموصل، وينشر قواته على طول خط الشرق السوري، من الشمال في الحسكة نزولاً نحو دير الزور جنوباً. وبالإمكان إدراج العمليات الجوية للتحالف ضد الإرهاب في الحسكة، والتي تكثفت خلال الشهرين الماضيين خاصة، لتحقيق هذه الأهداف، في إطار التحضير لمعركة الموصل، فضلا عن منح الأكراد المزيد من هامش المناورة، سياسياً وعسكرياً في تلك المنطقة، ومطاردة أرتال «داعش» بعد هزيمتها في عين العرب (كوباني).
أما الاعتبار الثاني فهو تحول «فيلق القدس»، الذي يقوده الجنرال قاسم سليماني، إلى رأس الحربة في القوات البرية التي تعمل على هزيمة «جيش» أبو بكر البغدادي، منذ استعادة المبادرة في العراق، وكسر حصار آمرلي، واستعادة جرف الصخر، قبل ثلاثة أشهر، ورفض الولايات المتحدة والتحالف ضد الإرهاب إرسال قوات برية إلى العراق، ورفض الأتراك أي عمل عسكري بري ضد «داعش» في سوريا.
وليس وصف قائد الأركان الأميركي الجنرال مارتن ديمبسي لدور «فيلق القدس» في معركة تكريت، تفويضاً للإيرانيين في العراق أو غيره، لكنه تسليم بالأمر الواقع، وأنهم وحلفاءهم في المنطقة، من عراقيين وسوريين، أصبحوا القوة الرئيسة التي يمكنها وحدها هزم «داعش». وفي السياق ذاته يأتي تصريح وزير الخارجية الأميركي جون كيري بدعوته الى فتح كل الحدود لمواجهة «داعش». وقال، في جلسة استماع أمام لجنة في الكونغرس، إن «واشنطن تنظر في اقتراح تفويض مناسب للحرب ضد داعش يتضمن رفع الحدود الجغرافية في الحرب على التنظيم».
وقد يتسع ذلك التسليم مع التقدم المنتظر في الملف الإيراني - الأميركي، الذي سيترجم بالتسليم بأهمية ذلك الدور لمواجهة «الدولة الإسلامية». وينسحب ذلك التسليم على ميدان أوسع، يضم إلى العراق، سوريا، واليمن، وجزءاً من لبنان. وجلي أن أحداً لم يعد يعتقد بجدية انتظار تكوين قوة سنية «معتدلة» في سوريا، أو عشائرية في العراق، ليس لان الوقت يلعب لمصلحة «داعش» فقط، بل لان تجارب إنشاء قوة «معتدلة» في سوريا منذ سنوات، تواجه «الدولة الإسلامية» والنظام، أحبطتها القوى الخليجية وتركيا نفسها التي دعت إليها، وراهنت على «جبهة النصرة» و «القاعدة»، الذي خرج «داعش» من رحمه. وقامت «النصرة» بتصفية «جبهة ثوار سوريا» المعتدلة، وإرسال قائدها جمال معروف إلى فندق في إنطاكيا، والاستيلاء على مخازن أسلحته الأميركية. ولم تحتج «النصرة» إلا لساعات قليلة لتصفية «حركة حزم» المعتدلة الأخرى في معقلها حارم و «الفوج 46»، بينما أمضت المخابرات الأميركية أشهراً على تجميع 1200 مقاتل، وتدريبهم في تركيا، على اصطياد دبابات الجيش السوري، بصواريخ «تاو» التي أصبحت بعهدة زعيم «النصرة» أبو محمد الجولاني، وخدمة إمارته المقبلة في أرياف ادلب.
كما أن الكتلة الوهابية الخليجية، وجزءا من عشائر العراق، لا يزال يعتبر «داعش» قوة دفاع سني ضد الصعود الشيعي في المنطقة، فيما يتطلب دمج سنة العراق بشكل أوسع في الحرب على التنظيم التكفيري أكثر من بناء حرس وطني (سني)، ومصالحة لا تبدو قريبة المنال.
وجاءت عملية تكريت لتقلل من شأن العامل الأميركي، وتضيّق من هامش مناورته السياسية، وقدرته على ممارسة ضغوط على العراقيين والسوريين. إذ بينت بوضوح انه بالإمكان مواجهة «داعش» من دون الاستعانة بالتغطية الجوية الأميركية، فضلاً عن رسوخ الاعتقاد أن غارات التحالف قليلة الأثر عسكرياً، إذ لم تنجح في منع «الدولة الإسلامية» من تسيير أرتاله في الشرق السوري، رغم كثافة الغارات. ولم تظهر فعالية الغارات الأميركية في قتال «داعش» إلا بتجريف عين العرب وحرثها بالقصف. ويفكر الأكراد، على ما يقول مسؤول كردي، في الإبقاء عليها كرمز للمقاومة الكردية لهمجية «داعش»، أو بناء مدينة تجاورها، لاستحالة إعادة إعمارها.
ومن دون استكمال تدمير خطوط الإمداد في الشرق السوري، لن تتقدم معركة الموصل. إذ يسابق الجيش السوري الأكراد في نشر قواته في قرى الحسكة التي تساقطت بالعشرات، مع اضطرار «داعش» للانسحاب منها وإعادة تجميع قواته حول الموصل. وللمرة الأولى أرسل التنظيم أكثر من ألفي مقاتل سوري، من المنطقة، لتعزيز خطوط الدفاع عن الموصل، وهو عمل غير مسبوق لدى البغدادي الذي لا يثق في العراق، إلا بالبعثيين السابقين من أركان قيادته، وبمقاتلي العشائر.
وخلال الأسابيع الماضية، أظهر القائد العسكري العام لـ «داعش» عمر الشيشاني مرونة جنوده في التعاطي مع سيطرة الأميركيين على الجو. إذ لا تزال أرتال «داعش» تتحرك في المنطقة، وعلى مسافات بعيدة، بين قواعدها في جنوب شرق الحسكة، القريبة من العراق، وبين شمالها المحاذي لتركيا، في رأس العين، أو في تل تمر. فمنذ أسبوعين، جاءت قوافل الشيشاني لتهاجم تل تمر الاشورية، وتقطع خطوط اتصال «وحدات حماية الشعب» الكردية. وهاجمت قوات، جاءت من الشدادي شرقاً إلى رأس العين شمالاً، ريف ثالث أكبر مدن الحسكة، وحاولت تعويض خساراتها في عين العرب، وتل حميس، وتل براك، بالاستيلاء على تل خنزير وتل غزال وخربة البطانة قرب رأس العين.
وللتعويض عن خساراته أيضا، واحتمال الاضطرار للجوء إلى معاقل أخرى، بدأ «داعش» بالتسلل إلى الجنوب السوري، عبر إعلان حركات «جهادية» متواضعة بيعة ملتبسة له، وعبر تصريح «حركة المثنى»، التي يقودها العقيد صابر سفر، قبول بيعات من شاء، في نطاق سيطرتها لـ «داعش». وكان أكبر ألوية المنطقة، «شهداء اليرموك» الذي يقوده أبو علي البريدي، قد عقد حلفاً قبل أشهر، في الرقة مع أبو بكر البغدادي.