واشنطن - افراسيانت - كتب إلين غولدنبرغ، وهو مدير برنامج أمن الشرق الأوسط في مركز الأمن الأميركي الجديد، مقالاً نشرته مجلة فورين بوليسي تحت عنوان "خطة كوشنر للسلام ستكون كارثة مؤكدة".
ويقول غولدنبرغ في مقاله انه وبعد أن عقد الرئيس الأميركي دونالد ترامب اجتماعاً مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون في سنغافورة في وقت سابق من هذا الشهر، حوَّل اهتمامه بعد ذلك إلى ما أسماه "صفقة القرن"، وهي خطة أمريكية جديدة للسلام الإسرائيلي-الفلسطيني، فقد زار جاريد كوشنر، المستشار الأول لترامب وصهره، وجيسون غرينبلات، مبعوث السلام في الشرق الأوسط، المنطقة الأسبوع الماضي للترويج للخطة واستكشاف طرق لمعالجة الوضع الإنساني في غزة مشيرا إلى أنه "في مقابلة مع الصحيفة الفلسطينية القدس في نهاية الجولة، وعد كوشنر بأن الخطة ستكون جاهزة قريباً، وانتقد بشدة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وألمح إلى هدنة محتملة بين حماس وإسرائيل".
يشار الى أن "مركز الأمن الأميركي الجديد (CNAS) " هو مركز أبحاث مقره واشنطن العاصمة أنشئ في عام 2007 ، متخصص في قضايا الأمن القومي للولايات المتحدة وبحسب قوله فإن مهمته هي "تطوير سياسات أمنية ودفاعية وطنية قوية وواقعية ومبدئية تعزز وتحمي المصالح والقيم الأميركية".
ويرى الكاتب أن وضع خطة سلام أميركية جديدة في هذه اللحظة سيكون خطًأ فادحاً من شأنه أن يزيد الأمور سوءاً، ويجب على البيت الأبيض بدلاً من ذلك تأجيل أي خطة سلام قيد التنفيذ والتركيز على استقرار الوضع في غزة كونه "من المستحيل التوسط في صراع أو إطلاق خطة سلام موثوقة بينما يرفض أحد الطرفين حتى التحدث إليك، إذ لم يلتق القادة الفلسطينيون مع كبار المسؤولين الأميركيين خلال الأشهر الستة الماضية منذ أن أعلن ترامب أنه سينقل السفارة الأميركية لدى إسرائيل إلى القدس وفي هذا السياق، فانه لا يهم محتوى الخطة لأن الفلسطينيين سيرفضونها فور صدورها".
وقال الكاتب أنه "لا فائدة من وضع هذه الخطة مرة أخرى، فقد وضعها بالفعل الرئيس الأميركي بيل كلينتون في عام 2001، كما فعل وزير الخارجية جون كيري في نهاية إدارة باراك أوباما".
ويقر الكاتب أنه "من المرجح أن تقترح الإدارة الأميركية خطة أكثر تحيزاً لإسرائيل، حيث يمكن أن تدعو إلى بقاء قوات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية لجيل أو أكثر، وإلى استمرارها في السيطرة على 60% من الضفة الغربية التي تسيطر عليها في الوقت الراهن، بينما تعمل في الوقت ذاته كي تضع الأساس لدولة للفلسطينيين في غزة، ما سيكون مذموماً بالنسبة للفلسطينيين، بينما يجد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو مثل هذه الخطة جذابة للغاية، ومن المرجح أن يقبلها ببعض التحفظات، وهو ما سيعطيه المرونة للتفاوض على بعض الجوانب الأخرى".
ويسلط الكاتب الضوء على ان "هذا النهج سيكون خطيراً من عدة نواح: إذ سيثير حفيظة السياسيين الإسرائيليين اليساريين الوسطيين الذين سيرون أن خطة ترامب غير واقعية، ولكنهم مع ذلك، لن يكونوا في موقف يسمح لهم بمعارضة الاقتراح الأميركي لأنه سيعود بنفع كبير على إسرائيل، ونظراً إلى أن الفلسطينيين لن يوافقوا أبداً على أي مقترح متحيز لإسرائيل، فان الفجوة ستتسع بين الجانبين".
ويلفت الكاتب إلى أن "الاحتمال الأكثر خطورة هو أنه إذا رفض الفلسطينيون أياً من هذه الخطط -خاصة تلك التي تقبلها إسرائيل- فان ذلك قد يمكن الحكومة الإسرائيلية من ان تزعم مجدداً بأنه /لا يوجد شريك لها في الجانب الفلسطيني/ وان تبدأ في ضم أجزاء كبيرة أخرى من الضفة الغربية، وهي خطوة يدعو إليها علناً الآن عدد من السياسيين في إسرائيل، ومن شأنها أن تجعل حل الدولتين مستحيلاً. وفي ظل الحكومة الإسرائيلية اليمينية الحالية والبيت الأبيض المنحاز بشدة إلى الجانب الإسرائيلي، فان حركة الاستيطان الإسرائيلي لن تجد فرصة أفضل من ذلك".
ويقول الكاتب أنه من الواضح أن "إدارة ترامب بدأت تركز على بعض الدول العربية، خاصة السعودية، لإجبار الفلسطينيين على قبول خطتها، وهذا من منطلق أن الدول العربية قد انتقلت من التركيز على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى محاربة إيران، غير أن السعوديين قد واجهوا متاعب عندما حاولوا تغيير موقفهم بشأن القضية الفلسطينية. ففي الخريف الماضي، ظهرت تقارير بأن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وبناء على طلب من كوشنر، استدعى (الرئيس الفلسطيني) عباس إلى الرياض في محاولة للضغط عليه لقبول أفكار إدارة ترامب، ولم تنجح المحاولة وعندما عُرفت القصة، وأثارت ردود فعل شديدة في وسائل الإعلام العربية".
واوضح أن دارة ترامب استثمرت الكثير من الجهد مع السعوديين، ولكنها لم تبذل ما يكفي للتعاون مع بعض الدول العربية الرئيسة الأخرى مثل الأردن ومصر اللتين كانتا أكثر انخراطاً من أي دولة أخرى في القضية الفلسطينية على مدى السنوات الـ25 الماضية ولديهما نفوذ أكبر بكثير على عباس بسبب سيطرتهما على الحدود التي تحيط بغزة والضفة الغربية "ورغم ذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت الدول العربية ستفعل أي شيء مختلف عما فعلته لسنوات".
وبدلاً من التركيز على خطة سلام طويلة الأجل تمتلك فرصة ضئيلة للنجاح، بحسب الكاتب، فانه "ينبغي على الإدارة الأميركية أن تركز على حالة الطوارئ الراهنة في قطاع غزة، حيث لا يحصل السكان إلا على أربع ساعات من الكهرباء يومياً، وحيث تعد أكثر من 90% من المياه غير صالحة للشرب، ويزداد الوضع الداخلي سوءاً ويمكن أن يؤدي إلى حرب أخرى بين إسرائيل وحماس. ويبدو أن إدارة ترامب تركز نوعاً ما على هذه المسألة، وقد عقدت اجتماعاً دولياً حول غزة في واشنطن في آذار الماضي، حيث أفادت التقارير بأنها (إدارة ترامب) اقترحت على دول الخليج "الاستثمار في مشاريع في شبه جزيرة سيناء من شأنها أن تساعد الاقتصاد في غزة".
ورفضت السلطة الفلسطينية على الفور خطة الولايات المتحدة لغزة، وقالت بأنها تمهد الطريق لفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية "كما أنه من غير المرجح أن يتحمس المصريون لهذه الخطة، خشية أنه وفي حال اصبحت غزة معتمدة اقتصادياً بشكل متزايد على مصر، فإنها ستصبح مشكلة مصر بدلاً من إسرائيل".
ويرى الكاتب بدلا من ذلك أنه يجب على إدارة ترامب أن تلتزم بمبادرتين فوريتين: أولاً، يجب أن تفرج عن الـ 300 مليون دولار التي تحجبها الولايات المتحدة حالياً عن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي تُعتبر الآن طوق النجاة الوحيد لغزة، وثانياً فانه "ينبغي على الولايات المتحدة أن تدعم المبادرة التي يدفعها الدبلوماسي البلغاري ومنسق الأمم المتحدة الخاص للشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، الذي يحاول بناء آلية دولية بديلة لا تعتمد على السلطة الفلسطينية ولا على حماس لإيصال المساعدات إلى غزة، من شأنها (الالية الدولية) الاستثمار في البنية التحتية الرئيسية للكهرباء والمياه. ويتجاوز اقتراح ملادينوف السياسة الفلسطينية الداخلية، ولكن لا سبيل لنجاح هذه الخطة دون استعداد مصر وإسرائيل للسماح للمجتمع الدولي بنقل الإمدادات إلى قطاع غزة. كما تحتاج هذه الخطة إلى دعم مالي من مانحين آخرين، وخاصة دول الخليج".
ويمكن للولايات المتحدة هنا أداء دور بناء في الضغط على الأطراف لدعم خطة ملادينوف، الذي يعد الشخص المناسب للإشراف عليها بالنظر إلى أن جميع الأطراف تثق به عموماً وتعتبره وسيطاً نزيهاً.