افراسيانت - السفير - ليست هذه المرة الأولى التي يظهر فيها الجنرال قاسم سليماني في الميدان العراقي. إلا أن تفاصيل قدوم قائد «فيلق القدس» الى جبهة القتال ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» كانت مختلفة هذه المرّة، سواء في الطابع العلني لهذه الزيارة الميدانية، او في توقيتها، حيث تزامنت مع اطلاق رئيس الوزراء العراقي معركة «لبيك يا رسول الله» لتحرير تكريت من «داعش»، وكذلك مع وصول المفاوضات النووية بين الجمهورية الاسلامية والولايات المتحدة الى نقطة مفصلية، دفعت التشويش الاسرائيلي الى اعلى ذبذباته، مع وصول بنيامين نتنياهو الى الولايات المتحدة، حيث يتوقع ان يتطرق الى هذا الملف في كلمته المرتقبة اليوم امام الكونغرس الاميركي.
وبحسب ما نشرت وسائل الإعلام الايرانية، فإن سليماني متواجد في الميدان العراقي منذ يومين، وقد نشرت له بالأمس صور مع قيادات «معركة تكريت»، التي انطلقت رسمياً يوم امس، بعد حشد ما يقرب من 30 ألفاً من جنود الجيش العراقي و «الحشد الشعبي».
وتأتي زيارة سليماني لتسجل نقطة اضافية في السباق الاميركي ـ الايراني على الجبهة العراقية لصالح الجمهورية الإسلامية، بعد الخصب الإعلامي الذي رافق إطلاق الولايات المتحدة لـ «التحالف الدولي» في الصيف الماضي.
وطوال الاشهر الماضية، لم تخف ايران توجسها من التدخل الاميركي الجديد في بلاد الرافدين ومصداقيته، خصوصاً ان مئات الضربات الجوية التي تنفذها مقاتلات «التحالف الدولي» لم تفلح حتى الآن في ضرب منظومة القيادة والتحكم لـ «داعش»، في مقابل نجاح من يوصفون بـ «حلفاء سليماني»، وهي التسمية التي يطلقها الإعلام الغربي على قوات «الحشد الشعبي»، في تحقيق مكاسب ميدانية مهمة، كان اهمها تحرير محافظة ديالى من التنظيم المتشدد، والاستعداد بفعالية لـ «معركة تكريت»، التي طال انتظارها، ومن ثم «معركة الموصل» التي ما زالت موضع تجاذب بين الولايات المتحدة والعراق.
وبعد «معركة ديالى»، تأتي معركة «لبيك يا رسول الله» لتحرير تكريت، لتظهر الصراع الخفي بين الولايات المتحدة وايران في الميدان العراقي، مع تقدم وحدات «الحشد الشعبي» على أكثر من جبهة في قتال «داعش»، تزامناً مع اتهام طائرات «التحالف» بتقديم دعم ميداني لمسلحي التنظيم التكفيري، الذي يتهم البعض واشنطن بأنها باتت تستخدمه كأداة للحد من النفوذ الإيراني في العراق.
معركة «لبيك يا رسول الله» التي انطلقت في تكريت في منتصف ليل امس الاول، ترافقت مع حملة إعلامية ضخمة، وحضور سياسي عراقي غير مسبوق، تمثل خصوصاً بزيارة قام بها رئيس الوزراء حيدر العبادي الى تكريت، في خطوة رمزية كبيرة، تكللت بإعلان وكالة «فارس» الإيرانية عن وصول سليماني بدوره إلى الجبهة العراقية.
وبحسب الوكالة الإيرانية فإن الجنرال الايراني وصل الى الجبهة العراقية في نهاية الأسبوع الماضي، «لتقديم الاستشارات للقادة العراقيين»، وفقاً لما نقلته عن مصادر ميدانية.
ولفتت «فارس»، التي نشرت صوراً لسليماني، الى ان قائد «فيلق القدس» استقبل لدى وصوله إلى تكريت من قبل قادة الجيش العراقي و «الحشد الشعبي» والمقاتلين العراقيين، بينما ذكر أحد المصادر أن «عمليات تحرير تكريت بدأت برمز (لبيك يا رسول الله) من قبل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي»، مشيراً إلى أن «قائد عصائب أهل الحق الشيخ قيس الخزعلي يشارك أيضاً في العمليات».
وخلال الأشهر الماضية، اشرف سليماني على عدد من العمليات العسكرية التي انتهت بفك الطوق عن بغداد شمالا، وتشكيل منطلق تكتيكي ملائم لتقدم القوات العراقية باتجاه تكريت، لتبدو العملية الجارية في مسقط رأس الرئيس الراحل صدام حسين، وأحد أبرز معاقل تنظيم «داعش»، ثمرة سلسلة معارك خاضها «الحشد الشعبي» في عدد من المناطق، ومن بينها الضلوعية والمقدادية وجلولاء، وجرف الصخر، وآمرلي.
وتكتسب تكريت أهمية كبرى لناحية موقعها الإستراتيجي كعقدة وسط البلاد، وهي كانت تشكل عقبة في وجه تقدم القوات العراقية و «الحشد الشعبي» نحو الموصل، كما أن رمزيتها كمسقط رأس صدام حسين لطالما وضعتها في خانة التصنيفات السياسية الداخلية، إلا أن مشاركة العشائر العراقية في المعركة بعدد يقارب ثلاثة آلاف مقاتل قد يساهم في رفع الغطاء المذهبي والسياسي عمّن التحق من أبنائها بتنظيم «داعش»، وهو ما أشار إليه رئيس الحكومة، أمس الأول، في كلمته من سامراء لدى دعوته الـ «المغرر بهم» إلى العودة لحضن الدولة.
وبدا أن العبادي قد سعى، من خلال تشديده على اهمية الدور الذي يقوم به ابناء العشائر في القتال ضد «داعش»، الى الرد على التحذيرات الغربية من الارتدادات المذهبية لـ «معركة تكريت».
واعتبر العبادي، في كلمة وجهها أمام مجلس النواب يوم امس، أن «المعركة مع تنظيم داعش الإرهابي ليس فيها حياد»، وتابع قائلاً «من يكون محايداً يقف في الصف الآخر»، وشدد على أن «المعركة فاصلة، ويجب أن نتحد مع شعبنا ونحقق طموحاته في الأمن والأمان، للقضاء على داعش».
وحققت القوات المشاركة في العملية تقدما لافتاً خلال اليومين الماضيين.
وذكرت تقارير إعلامية أن التقدم باتجاه المدينة تم عبر خمسة محاور منها الدور والعلم وتكريت، مع النجاح في تطهير أكاديمية شرطة صلاح الدين، التي تبعد مسافة كيلومترين إلى الجنوب من المدينة، في وقت أكد الأمين العام لمنظمة «بدر» هادي العامري أن العشائر العراقية ساندت قوات الجيش و «الحشد الشعبي» في العمليات.
وذكرت مصادر ميدانية أن «طائرات بدون طيار حلقت في سماء تكريت منذ عدة أيام وأنجزت مهمات استطلاعية وقتالية، حيث قامت باستهداف منطقة القادسية في شرق تكريت، كما استهدفت بعض مواضع الارهابيين ودمرتها».
ويعد الهجوم الأكبر الذي تنفذه القوات العراقية منذ استولى مقاتلو «داعش» على مساحات كبيرة شمال البلاد وغربها في حزيران العام 2014.
ونقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» أن عدد القوات المشاركة فيه يقدر بثلاثين ألفاً، ولم يرافقه على عكس المناطق الأخرى أي تصريح أو إشارة أميركية إليه، بينما غابت أخبار مشاركة طيران «التحالف الدولي» في العملية، وهو ما ما عزاه المتحدث باسم وزارة الدفاع الاميركية ستيف وارن بعدم تلقي الولايات المتحدة وحلفائها اي طلب من العراق لشن غارات دعماً للقوات الحكومية في معركة تحرير تكريت.
وستكون التطورات الميدانية في «معركة تكريت» الفيصل في إمكانية اطلاق «معركة الموصل»، علماً بأن الحساسية الطائفية التي تشكل الذريعة الأساسية لعدم مشاركة «الحشد الشعبي» في عمليات الموصل قد تسقط عند ما تحمله تكريت من رمزية لطالما تم التصويب عليها في هذا المجال.
وتسعى واشنطن إلى الانفراد بـ «معركة الموصل» عبر ضخ الدعاية حول موعدها ومشاركة قواتها فيها، في ما يشبه محاولة لعقد مقايضة ميدانية مناطقية مع فصائل «الحشد الشعبي».
(«السفير»)