ارتباك بشأن العلاقة مع دمشق.. ودعم للجيش اللبناني .. رهان أوروبي: التسوية السورية عبر الكل .. وإسرائيل
افراسيانت - وسيم ابراهيم - ضمن مطولات الشرح، حضرت إسرائيل. إنها المدعو الجديد، علناً هذه المرة، على طاولة التسوية السورية. بات الحل السياسي ملحاً الآن، ليس للمآسي السورية المتواصلة، بل لوقف إفرازات الحرب المستمرة لمغذيات الإرهاب.
إيران حاضرة أيضا، هذا ليس جديداً، لكن الدعوة الأوروبية باتت صريحة للمّ شمل كل من يمكنه إطفاء نيران الحرب.
كل الإقليم مدعو. دول الجوار، دول الخليج. محرك المحاولة هذه المرة هم الأوروبيون، الذين تعهدوا بتكثيف نشاطهم الديبلوماسي إلى أقصى حد. الهدف هو بناء إجماع انطلاقاً من مصلحة مشتركة لجميع الأطراف، عنوانها الأساسي مكافحة الإرهاب ومنع تقسيم سوريا.
من قدموا هذه الخلاصات كانوا مجموعة من كبار مسؤولي الخارجية الأوروبية. شرحوا الخطوط العامة للإستراتيجية الأوروبـية التي نشرت مؤخرا، في ثلاثين صفحــة، بعنوان «الإستراتيجـية الأوروبـية الإقليمية حول سوريا والعراق وتهديد داعش».
جاءت هذه الخطوة كإعادة توجيه لسياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية، بعدما رفع زعماء دوله تحذيراتهـم من مسـتوى التهـديد الإرهابي. الهدف هو إعادة ترتيب الأولويـات، والتحول إلى رؤيتها من منظور «مكافحـة الإرهاب» بالدرجة الأولى. زعماء الاتحـاد الأوروبـي أكدوا هذا المنـحى في بـيان قمـتهم الأخيرة، مشددين على أن «مكافحـة الإرهاب سـتوضع في صدارة السـياسة الخارجية الأوروبية».
وجاء نشر الإستراتيجية بعد أشهر من اجتماعات على كل المستويات، من الخبراء التقنيين إلى أصحاب القرار السياسي. وعجّل الإعلان عنها الاستنفار الأمني في عواصم أوروبية، لا سيما بعد هجمات باريس. وأصبحت معالجة الأزمات المفتوحة وحروبها، في سوريا والعراق، أولوية أوروبية، ليس لجهة فداحة تلك الحروب في حد ذاتها، بل لأثرها المباشر على الأمن الأوروبي، حيث إن أعداد «الجهاديين» تتزايد، أما المتعاطفون مع تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» وأخواته في أوروبا، فيشكلون هاجسَ خطرٍ دائمٍ.
وشرح مسؤولون في الخارجية الأوروبية نقاط الإستراتيجية خلال اجتماع مع عدد محدود من وسائل الإعلام، كانت «السفير» بينها. وقالوا إن الاتحاد الأوروبي «سيعزز انخراطه الديبلوماسي مع دول المنطقة» لمحاولة إنشاء أرضية تفاهمات تشكل قاعدة لحلول سياسية. وشددوا على أنه من دون تلك الحلول ستبقى أي خطط لمكافحة الإرهاب عاجزة، فمن جهة تشكل المعارك الدموية المتواصلة أكبر مغناطيس لـ «الجهاديين»، ومن جهة أخرى تشكل المناطق خارج السيطرة، المتروكة للفوضى، الأوكسجين الذي تعيش عبره المنظمات الإرهابية، وعلى رأسها «داعش» و «جبهة النصرة».
وخلال عرض مسؤول رفيع المستوى في الخارجية الأوروبية للدول التي ينبغي تكثيف الانخراط معها، كانت إسرائيل أحد الأمثلة التي طرحها، إلى جانب إيران والسعودية، وبقية القائمة المعروفة. إنها المرة الأولى التي يأتي فيها الأوروبيون على ذكر حكومة الاحتلال في سياق الدول التي بات وجودها ضرورياً حول الطاولة. الحاجة لهذه الدول تختلط، وفق شرحه، بين المساعدة في جهود مكافحة الإرهاب وجهود تحقيق تسوية سياسية. بشكل ما، صارت القضيتان تمتزجان امتزاجاً يصعب فصله، حتى على صنّاع القرار الأوروبي.
وحين استفسرت «السفير» من المسؤول الأوروبي عن الغاية من طرح تكثيف «الحوار» مع إسرائيل الآن، وكيف سيتم ولأي غرض، كان التحفظ سيد الموقف. لا أجوبة. وحتى حين يُذكر على مسمع المسؤولين ما يتردد عن تعاون وتسهيل الجيش الإسرائيلي لعمل بعض المجموعات المسلحة، لا سيما حين يتعلق الأمر بـ «جبهة النصرة»، لكونها مصنفة دولياً منظمة إرهابية. وإضافة إلى ما يتردد عن التعاون مع المسلحين، تدخّل طيران الاحتلال مباشرة في الحرب، عبر سلسلة من الغارات على الأراضي السورية.
المنسق الأوروبي لمكافحة الإرهاب جيل دو كيرشوف رفض التعليق أيضا على دور إسرائيل. وخلال حديث مع «السفير» سألناه كيف يمكن للعمل مع إيران وإسرائيل المساعدة على مكافحة الإرهاب، كما رددت الخارجية الأوروبية، أجاب إجابة مواربة ان القضية ليست مجال اختصاصه، موضحاً «أنا أتعامل مع مكافحة الإرهاب لا مع السياسة الخارجية»، قبل أن يستدرك أن «أي اختراق سياسي في حالة سوريا يحتاج إلى أن يحضر إلى الطاولة كل من لهم تأثير». ونتبع محولاً مسار الإجابة: «لا تحتاج إلى دكتوراه في الجغرافيا السياسية لتعرف مثلا أن روسيا وإيران لاعبان في هذا السياق. الديبلوماسية تعني أن كل أحد يريد المساهمة في حل يجب أن يكون حاضراً».
لكن التحفظات السياسية بدأت تأخذ طريقها لحديث دو كيرشوف منذ أشهر. في الإستراتيجية الأوروبية يتردد مراراً أن الهدف هو هزيمة «داعش» و «النصرة» و «مجموعات أخرى». ويرد بتحفظ أيضا، على سؤال عن أي مجموعات يقصدون بالضبط ما دامت الإستراتيجية هي عن سوريا والعراق، «هناك مجموعات تبقى، هناك مجموعات متطرفة عنيفة أخرى، لكن إذا تخلصنا من داعش وجبهة النصرة أعتقد أن العالم سيكون أفضل بكثير».
ومن ضمن التقديرات السياسية التي بات يشدد عليها دو كيرشوف أيضا هي رفض التعاون مع دمشق. وقال إنه حتى حين النظر للقضية من منظور مكافحة الإرهاب فالنتيجة هي أن الرئيس السوري بشار «الأسد هو جزء من المشكلة لا من الحل، لذلك لا نتعامل معه».
هذه الخلاصة توردها أيضا إستراتيجية الأوروبيين بأشكال مختلفة. فمن ضمن أدوات التأثير التي تعرضها، لمحاولة إيجاد تسوية سياسية في سوريا، تقول إنه يجب «زيادة الضغط على النظام، لا سيما عبر عقوبات أكثر». وتدعو الإستراتيجية إلى «التصلب وتقوية عقوبات الاتحاد الأوروبي» على دمشق، وكذلك «الضغط» على الدول الشريكة للأوروبيين من أجل تطبيق العقوبات أيضا.
وبالتزامن مع زيادة الضغوط، تدعو الخارجية الأوروبية إلى «الانخراط السياسي والديبلوماسي مع دول المنطقة والشركاء الدوليين لنزع فتيل تصعيد التوترات الإقليمية، وكذلك الحرب بين قوات النظام وقوات المعارضة».
واللافت في الإستراتيجية هو انعطافة الأوروبيين حين يدعون لإنشاء مجموعة دولية، شبيهة بالتي سمتها موسكو سابقا «أصدقاء دي ميستورا» في إشارة إلى المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا. وحتى الآن كانت المجموعة التي يدعمها الأوروبيون هي «أصدقاء سوريا»، التي شُكلت بهدف دعم المعارضة. بكلمات الأوروبيين، تدعو الإستراتيجية إلى «التشجيع على إنشاء مجموعة دعم لجهود المبعوث الخاص إلى سوريا للتوصل إلى إجماع واسع، يعمل لمصلحة عملية سياسية وطنية وفق هذه الروحية».
ويدعو الأوروبيون أيضاً إلى بناء إجماع «على مستوى مجلس الأمن وإجماع إقليمي». ولتحقيق هذا يدعون إلى البناء على «المصلحة المشتركة التي تتضمن عزمنا على حماية سيادة أراضي سوريا وسلامتها ووحدتها والقتال ضد الإرهاب». لكن مع ذلك، يذكر الأوروبيون أن الأساس للانتقال السياسي يبقى «قرارات مجلس الأمن وإعلان جنيف».
لكن موقف الأوروبيين من النظام السوري يبدو مرتبكاً أيضاً. فرغم التحفظ الذي أبدوه سابقاً ومراراً على «المصالحات المحلية» التي عقدتها السلطات مع بعض المجموعات المسلحة، فإن الاتحاد الأوروبي يدعو الآن إلى دعمها. بكلمات من صاغ الإستراتيجية، التي مرّت بالطبع على ممثلي دول الاتحاد قبل صوغها، يجب «دعم الوساطات المحلية والدولية وجهود الحوار، بما في ذلك المبادرات لإنجاز اتفاقات على المستوى المحلي وغيرها من مبادرات بناء السلام المحلية».
ولتحقيق تلك الأهداف، يدعو الأوروبيون إلى تعزيز وجودهم في دمشق، عبر بعثة الاتحاد الأوروبي، رغم أنها مغلقة الآن. فكما أوردت أوراق الخارجية الأوروبية «يجب تعزيز الطاقم الديبلوماسي لبعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا (التي ستبقى مستضافة في لبنان)»، على أن «تستمر الزيارات المنتظمة إلى سوريا».
ودعم مبادرة دي مستورا ليس الخيار اليتيم الذي تتحدث عنه الإستراتيجية، بل تكشف وجود مبادرات موازية تحاول تقديم «نموذج انتقالي». وما تورده هو أنه يجب «الاستمرار في تقديم الدعم، حيثما كان ملائماً، لمبادرات المسار 2 والمسار 3، التي يمكنها المساعدة في أن تشكل نموذجاً انتقالياً في نهاية المطاف»، قبل أن توضح أن هذا النموذج «يكون مبنياً على شمول خصوم ذوي مصداقية في حكومة انتقالية جديدة، وعملية استقرار على المستويات المحلية والوطنية».
التريث في التعامل مع القوات الكردية، في سوريا والعراق، أمر حاضر أيضاً لجهة الشكوك في محاولات انفصالية. وفي هذا السياق، يبين معدو الإستراتيجية أن «أي دعم للمقاومة الكردية المسلحة لداعش (الأكراد هم الجهة الوحيدة التي يعتبرها الأوروبيون مقاومة) يجب أن يتم عبر ضمانات قوية لدول المنطقة حول احترام الاتحاد الأوروبي المستمر لوحدة أراضيها».
بالنسبة لدول الجوار، هناك العديد من مشاريع «بناء القدرات» الأمنية التي يدعو الأوروبيون إلى دعمها، خصوصا في لبنان والأردن. وتبين الإستراتيجية أن «الدعم المستقبلي» للجيش اللبناني يجب أن يشمل: تقوية نظامه اللوجستي، وتعزيز قدرات التخطيط وتنفيذ العمليات، وإنشاء دائرة تدريب للجيش ومساعدته على القيام بمهام أمن الحدود وإدارتها. يضاف إلى ذلك، تحسين دور الجيش في مكافحة الإرهاب، مع التركيز على الجوانب التشريعية والإستراتيجية والمؤسساتية.
السفير