ولادة جديدة أم شرارة انفجار .. وهل أحكم الحوثيون قبضتهم على السلطة؟
افراسيانت - كتب محرر الشؤون العربية:السفير اللبنانية - محاولة خروج من الفراغ الرئاسي المستحكم، أم ولادة جديدة لليمن؟ أكثر من ثورة وأقل من انقلاب؟ الإجابات ليست سهلة على التطورات اليمنية المتسارعة منذ امس مع صدور «الاعلان الدستوري» الذي حدد قيام المجلس الرئاسي الخماسي والمجلس الوطني، لقيادة سفينة اليمن في العامين المقبلين، بما يفتح الباب على مصراعيه أمام تداعيات داخلية واقليمية قد لا تُحمد عقباها، اذا لم يحسن زعيم «أنصار الله» عبد الملك الحوثي ضبط الحساسيات الداخلية، السياسية والقبلية والمذهبية، بمعايير الحكمة، لا بمعايير الانتصار.
وحتى وقت متأخر من ليل امس، لم تكن قد ظهرت مؤشرات قلق يُعتد بها من القوى الخارجية التي تتابع المشهد اليمني عن كثب: السعودية، الولايات المتحدة ومصر. وبينما لم يتم التأكد من أنباء راجت بأن السعوديين يسعون الى تشكيل تحالف ما بين «المؤتمر الشعبي العام» و «التجمع اليمني للإصلاح» لمواجهة الحوثيين، فإن واشنطن اكتفت بالتعليق على التطورات اليمنية بانتقاد مبدأ حل البرلمان اليمني، لكنها لم تصل الى حد التنديد بالخطوات التي قام بها الحوثيون أو حتى وصفها بأنها «انقلاب».
وكان من اللافت ان «الاعلان الدستوري» الذي إن كتب له النجاح قد يدفع هذا البلد الذي لم يعد سعيدا منذ زمن طويل الى مرحلة اكثر استقرارا، أو يدخله في نفق الاضطرابات اكثر، قد تضمن بندا حساسا يقول «تقوم السياسة الخارجية للدولة على أساس الالتزام بمبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واعتماد الوسائل السليمة والسلمية في حل المنازعات». ومن شأن نص كهذا ان يبعث رسائل طمأنة الى جارين مهمين: السعودية القلقة من التطورات على حدودها الجنوبية، والتي كان يزورها المبعوث الاممي جمال بن عمر، ومصر التي تتابع بحذر ما يجري على الضفة الشرقية لباب المندب، المدخل الجنوبي نحو البحر الاحمر وقناة السويس.
لكن الإشارات وحدها لا يمكن ان تكون كافية لاستتاب الامور في الساحة اليمنية. ومع ذلك، فإن الاهتمام الاميركي بـ «الاعلان الدستوري» يتوازى ايضا مع التركيز على الملف الآخر وهو مكافحة الارهاب حيث حرصت وزارة الخارجية الاميركية على الاشارة الى أهمية استمرار «العمل مع قوات مكافحة الإرهاب في اليمن». وكان تنظيم «قاعدة الجهاد في جزيرة العرب» قد أعلن امس الاول ان حارث النظاري المعروف بمحمد المرشدي والقيادي والعضو في «اللجنة الشرعية» للتنظيم، قُتل قبل أيام مع ثلاثة عناصر آخرين في غارة شنتها طائرة أميركية من دون طيار على محافظة شبوة في جنوب اليمن.
وفي الوقت ذاته، فإن الاتهامات بحدوث انقلاب في القصر الرئاسي في صنعاء، لم تتوقف امس. ومن بينها الحزب الوحدوي الناصري وحزب البعث العربي الاشتراكي وبعض القوى الجنوبية وقبائل ومحافظة مأرب وشبوة وحضرموت بالاضافة الى «مجلس شباب الثورة».
لكن مصدرا سياسيا يمنيا مستقلا قال لـ «السفير» انه على الرغم من ان اليمن يمر بمرحلة عصيبة، إلا ان الصورة ليست كما يروج لها في بعض وسائل الإعلام والقنوات الفضائية والالكترونية. وأوضح المصدر ان مشكلتنا الاساس في اليمن مناطقية وليست مذهبية كما يجري تضخيمها، مضيفا ان غصة الناس بلغت الحلقوم وتريد الخروج من النفق الذي أدخلتهم فيه القوى السياسية التقليدية الممسكة بأمور السلطة في صنعاء من سنوات طويلة.
واتهم المصدر السياسي حزب التجمع اليمني للاصلاح، الذراع السياسية لجماعة «الاخوان المسلمين»، بأنه وحده الرافض للحوار والتفاوض، ويسعى الى إعادة المشهد اليمني الى ما قبل اتفاق الشراكة الموقع في ايلول الماضي.
وأوضح المصدر لـ «السفير» ان جماعة «الاصلاح» بالاضافة الى الاشتراكيين والناصريين، فقدوا أوراقهم في الشارع، ويمارسون ابتزازا بحق عبد الملك الحوثي على قاعدة انه بحاجة اليهم في العملية السياسية الجارية، ويحاولون انتزاع مكاسب اكبر لهم في المسار الذي يسير اليمن فيه، مذكرا بأن حزب «الاصلاح» الذي كان شريكا في الأخطاء التي ارتُكبت بحق اليمنيين خلال السنوات الماضية، هو الذي أقصى الحوثيين من الثورة لأنهم رفضوا ما سمي بـ «المبادرة الخليجية».
وأضاف المصدر «ان الاعلان الدستوري يساهم على الاقل في تحريك المياه الراكدة على الرغم من تعنت بعض القوى، وبالتالي لا يمكن ان يكون الآتي أسوأ مما كان وجرى». ورفض المصدر تضخيم المسألة المذهبية في اليمن، مذكرا بأن 90 في المئة من القيادات والشخصيات التي كانت حاضرة امس الاعلان الدستوري، هم من سنّة اليمن.
ومن جهته، قال عضو المكتب السياسي لحركة «أنصار الله» ضيف الله الشامي ردا على سؤال من «السفير» بشأن غياب إجماع القوى السياسية حول «الاعلان الدستوري»، انه «لو كان هناك نية من قبل بعض القوى لكان كافيا بالنسبة اليها منذ ايلول الماضي، ان تستجيب لمطالب الشعب ومتطلبات الحوار واتفاق الشراكة».
وردا على سؤال آخر عما اذا كان الحوثيون سيستمرون في الحوار مع هذه القوى الرافضة للحوار أو التي رفضت «الاعلان الدستوري»، قال الشامي ان «الحوار موجود مع كل القوى ما عدا حزب الاصلاح المرتبط بتنظيم عالمي (الاخوان) ودول خارجية. حزب الاصلاح يماطل في مواقفه وقراراته التي تأتي من الخارج»، مضيفا في الوقت ذاته ان «الحوار ربما لم يعد مجديا مع حزب الاصلاح، لكنه اذا أراد العودة الى الحوار، فسنقبل به».
وبعدما أشار الشامي الى ان «أنصار الله» لم يتلقوا حتى الآن أي رسالة او اشارة واضحة من السعودية بشأن التطورات الاخيرة، اضاف ان محاولات خلق أجواء تهويل وتخويف من بعض القنوات التلفزيونية التابعة للخليجيين، لن تجعل اليمنيين يخضعون لابتزاز وارتهان.
وكان «إعلان دستوري» قد صدر من القصر الرئاسي، تقرر فيه حل البرلمان واقامة مجلس رئاسي يتولى قيادة البلد خلفا للرئيس المستقيل عبد ربه هادي منصور. كما تقرر تشكيل مجلس وطني من 551 عضواً سيحل مكان البرلمان. ويفترض ان يتولى المجلس الوطني انتخاب المجلس الرئاسي الخماسي خلال الايام القليلة المقبلة، بحسب ما اكد الشامي لـ «السفير».
وسيقوم المجلس الرئاسي لاحقا بتشكيل حكومة كفاءات وطنية لفترة انتقالية حددتها حركة «أنصار الله» في الاعلان الرئاسي بسنتين.
وتمت تلاوة هذا الاعلان الرئاسي خلال حفل اقيم في القصر الرئاسي بمشاركة شخصيات قبلية وعسكرية ووزيري الدفاع والداخلية في الحكومة التي استقالت قبل اسبوعين. كما حضرت ايضا شخصيات مقربة من الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
ومهما يكن، فقد أعلن مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري أجرى اجتماعات على هامش مؤتمر الأمن في ميونيخ أمس، مع دول خليجية، دعت المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف أقوى إزاء الوضع في اليمن.
وأضاف المسؤول أن وزراء الخارجية، البحريني خالد بن حمد آل خليفة، والقطري خالد العطية، والعماني يوسف بن علوي، والكويتي صباح خالد الحمد الصباح، والإماراتي عبدالله بن زايد، ونائب وزير الخارجية السعودي عبد العزيز بن عبدالله، عبّروا خلال الاجتماع مع كيري عن «قلقهم من النفوذ الإيراني في اليمن»، لكن لم يتم وضع ترتيبات للحديث مع طهران في هذا الصدد.
وأشار المسؤول إلى أن «هناك شعوراً بأن المجتمع الدولي بحاجة إلى اتخاذ موقف أقوى إما من خلال الأمم المتحدة أو منظمة أخرى متعددة الأطراف»، لافتاً أيضاً إلى أن «واشنطن تعارض إعلان الحوثيين في اليمن، لا نوافق على ذلك».
إلى ذلك، طلبت تركيا من مواطنيها مغادرة اليمن نظراً لتفاقم الوضع الأمني هناك، حيث نشرت وزارة الخارجية التركية تحذيرها أمس الأول، بعدما وافقت معظم الأطراف في اليمن على تشكيل مجلس رئاسي مؤقت يدير البلاد.
وحض كيري الدول الخليجية على مضاعفة اتصالاتها مع جميع الأطراف في اليمن، بعدما تحدثوا عن مخاوفهم حيال «خطر الاستقرار» في المنطقة جراء الفراغ في السلطة.
وقالت الخارجية التركية في بيان إن «الاحتجاجات والتظاهرات العامة مستمرة. هناك إمكانية حدوث ما يؤثر على الأمن العام». ولم تذكر الوزارة عدد الأتراك الموجودين في اليمن.
نص الإعلان الدستوري
في الآتي نص الإعلان الدستوري الذي أصدرته «اللجنة الثورية» التابعة لجماعة «أنصار الله» في اليمن.
1. يستمر العمل بأحكام الدستور النافذ ولا تتعارض مع أحكام هذا الإعلان.
2. ينظم الإعلان قواعد الحكم خلال المرحلة الانتقالية.
3. الحقوق والحريات العامة مكفولة وتلتزم الدولة بحمايتها.
4. تقوم السياسة الخارجية للدولة على أساس الالتزام بمبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واعتماد الوسائل السليمة والسلمية في حل المنازعات والتعامل، لتحقيق المصالح المشتركة بما يحفظ سيادة الوطن واستقلاله ومصالحه.
5. اللجنة الثورية يتفرع عنها لجان ثورية في المحافظات والمديريات في أنحاء الجمهورية.
6. يشكل من اللجنة الثورية مجلس وطني انتقالي عدد أعضائه 551 عضواً يحل محل مجلس النواب المنحل ويشمل المكونات غير الممثلة فيه، ويحق لأعضاء المجلس المنحل الانضمام اليه.
7. تحدد اللائحة الداخلية للمجلس نظام عمله وحقوق وواجبات أعضائه.
8. يتولى رئاسة الجمهورية في المرحلة الانتقالية مجلس رئاسة مكوّن من 5 أعضاء ينتخبهم المجلس الوطني وتصادق عليه اللجنة الثورية.
9. تحدد اللائحة الداخلية للمجلس نظام عمله وحقوق وواجبات أعضائه.
10. يكلف مجلس الرئاسة من يراه من أعضاء المجلس الوطني أو من خارجه بتشكيل حكومة انتقالية من الكفاءات الوطنية.
أحكام عامة وختامية:
12. تختص اللجنة الثورية باتخاذ كل الإجراءات الضرورية لحماية سيادة الوطن وأمنه واستقراره وحماية حقوق وحريات المواطنين.
13. تحدد اختصاصات المجلس الوطني ومجلس الرئاسة والحكومة بقرار مكمل للإعلان تصدره اللجنة الثورية.
14. تلتزم سلطات الدولة الانتقالية خلال مدة أقصاها عامان بالعمل على إنجاز الاستحقاقات المرحلة الانتقالية من مرجعيتي الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة، ومنها مراجعة مسودة الدستور الجديد وسن القوانين التي تتطلبها المرحلة التأسيسية والاستفتاء على الدستور تمهيدا لانتقال البلاد الى الوضع الدائم وإجراء الانتخابات النيابية والرئاسية وفقا لأحكامه.
15. تستمر التشريعات النافذة ما لم تتعارض صراحة أو ضمنا مع نصوص هذا الإعلان.
16. يعد هذا الإعلان نافذا من تاريخ صدوره.