افراسيانت - بات واضحا أن "الثورات الملونة" هي عبارة عن تقنية يجري تصويرها وبنجاح على أنها عملية عفوية. ولكنها في واقع الأمر تتميز بمستوى عال من الدراما المسرحية.
حول هذا الموضوع كتب المحلل السياسي أندريه مانويلو( أستاذ في جامعة موسكو الحكومية) مقالة ذكر فيها أن "الثورات الملونة" تعتبر من المسائل الآنية الملحة جدا في السياسة الروسية المعاصرة وذلك لأنها تبقي المجتمع في حالة التوتر المستمر- تم اعتبارها في استراتيجية الأمن القومي الجديدة من أخطر التهديدات لأمن روسيا.
لقد حولت الثورة الملونة في أوكرانيا في 2014( أطلق اسم عليها " الميدان الأوروبي) هذه الدولة من بلد مزدهر الاقتصاد إلى أطلال. ومن الثورات الملونة بالذات بدأت النزاعات المسلحة في ليبيا وسوريا.
وتشهد البرازيل في الوقت الراهن، ثورة ملونة – تستخدم الولايات المتحدة هذه التكنولوجيا الناجحة لإبعاد الرئيسة ديلما روسيف التي ترفض السير كما ترغب واشنطن. وتحاول مراكز الديمقراطية الليبرالية في روسيا والخارج بين الحين والآخر، استخدام هذا السيناريو في روسيا في محاولة للنيل من سيادتها وضرب مصالحها القومية ويترافق ذلك بضغوط خارجية لا سابقة لها من جانب " الشركاء" في الغرب.
ومن نافل القول أن الثورة الملونة، هي على أرض الواقع تكنولوجيا تنظيم الانقلابات في مختلف الدول في ظروف الزعزعة المتعمدة والمصطنعة للاستقرار. ويجري خلال ذلك الضغط على سلطات هذه الدول على شكل الابتزاز السياسي وأما وسيلة هذا الابتزاز فهي ممثلة بحركات الشباب الاحتجاجية التي تنظم وفق مخطط محدد.
والهدف الوحيد لأية ثورة ملونة هو دائما تنظيم الانقلاب على السلطة مع تصوير ذلك كظاهرة احتجاج عفوية وكفعاليات جماهيرية عفوية للعصيان المدني.
والشرط الضروري والحتمي لنجاح الثورة الملونة – زعزعة الاستقرار السياسي الذي يمكن أن يتحول إلى أزمة سياسية تامة.
وعلى الرغم من وجود اختلافات اجتماعية وجيوسياسية واقتصادية كبيرة بين الدول التي شهدت وتشهد ثورات ملونة إلا أن هذه الثورات تنفذ وفق مخطط واحد يتضمن تنظيم حركة احتجاج شبابية يجري تحويلها إلى مظاهرات جموع سياسية واستخدام هذه القوة ضد السلطة القائمة كوسيلة للابتزاز السياسي وطرح الشروط والتهديد بأعمال الشغب الجماهيرية بل وحتى تصفية كل من يعارض هذا الخط، وكل ذلك بهدف دفع السلطة للتخلي طوعا عن الحكم . وهذا يعني أن الثورات الملونة لا يمكنها ومن حيث المبدأ تحقيق طموحات الجماهير الموضوعية وآمال غالبية الجمهور.
ويجب القول إن الثورة الملونة تشبه الثورة الحقيقية فقط من الناحية الخارجية: سبب الثورة الحقيقية، تطور فعلي موضوعي للعملية التاريخية أما الملونة فهي تكنولوجيا يجري تمويهها على شكل عملية عفوية. ويحاول المحللون السياسيون الغربيون برياء ونفاق تصويرها كظهور عفوي طبيعي لإرادة الشعب الذي قرر وبشكل مفاجئ استعادة حق إدارة البلاد.
وتجدر الإشارة إلى أن الثورة الملونة تحاول تجنب استخدام العامل العسكري وتلجأ إليه فقط في الحالات الضرورية جدا. ولكن على الرغم من ذلك تشكل الثورة الملونة عادة كل الظروف المطلوبة للتدخل العسكري الخارجي.
وإذا أبدت السلطة التعنت ورفضت وانتقلت للتصدي، فهذا يعني أن الثورة الملونة تنتقل إلى مرحلة التمرد المسلح كما يجري في سوريا وقد يترافق ذلك بالتدخل العسكري الخارجي كما جرى في ليبيا.
وخلال الثورة الملونة يجري استخدام إشارات محددة خاصة للتفريق بين الصديق والخصم وهو ما يسمح للمشاركين في الفعاليات والمظاهرات السياسية بالتعرف على بعضهم البعض وفي ذات الوقت يتم تحديد الغرباء والخصوم الذين لا يحملون الرمز المتفق عليه – هذا الرمز كان في البداية على شكل ورود مختلفة – في جورجيا وقيرغيزيا وبيلوروس وتونس( في هذه الأخيرة تم استخدام الياسمين) – هذا الأمر يذكر بحركة الهيبز في الغرب في القرن الماضي "أبناء الورود" وهو ما يشير إلى الأصل الأمريكي الشمالي لهذه الثورات.
المصدر: صحيفة إ زفيستيا