افرسيانت - العرب - تتجه الأوضاع السياسية في ليبيا نحو مزيد من التعقيد، ففي ظل العلاقة الملتبسة بين المؤتمر الوطني المنتهية ولايته وحكومة فايز السراج، يستمر السجال بين الأخيرة والبرلمان الشرعي، وسط دور غربي سلبي يكرس الأزمة.
فقد أعلن “المجلس الأعلى للدولة” في ليبيا، الجسم الاستشاري المنبثق من اتفاق السلام، انتقاله للعمل انطلاقا من مقر البرلمان غير المعترف به دوليا في العاصمة طرابلس.
يأتي ذلك في وقت تتسع فيه الهوة بين البرلمان الشرعي والحكومة بسبب مسلك الأخيرة واتخاذها لإجراءات هدفها الأساس عزل السلطة التشريعية بدعم من الغرب.
وقال المكتب الإعلامي لرئاسة مجلس الدولة على صفحته في موقع فيبسوك إن مجلس الدولة “باشر مهامه من مقره الرسمي في العاصمة طرابلس (المعروف باسم قصور الضيافة) وذلك بعد عملية استلام منظمة وسلمية قام بها الحرس الرئاسي التابع للمجلس″ الجمعة.
وينص اتفاق السلام الموقّع في ديسمبر على أن يتحول البرلمان غير المعترف به في طرابلس، أي “المؤتمر الوطني العام”، إلى مجلس استشاري لحكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة.
ومن المفترض أن يضم “المجلس الأعلى للدولة” 145 عضوا هم أعضاء المؤتمر الوطني العام، إلا أن رئيسه نوري أبوسهمين والعديد من أعضائه يبدون ظاهريا اعتراضا على العمل تحت مظلة مجلس الدولة بدعوى معارضتهم لاتفاق السلام.
واللافت أن نوري بوسهمين رئيس المؤتمر الوطني العام الذي انتخب أعضاؤه بتاريخ 7 يوليو 2012 وانتهت ولايتهم مع انتخابات البرلمان المعترف به في شرق ليبيا منتصف 2014، لم يبد أيّ موقف حيال الأمر، ما فسّر بوجود اتفاق مسبق بين الطرفين.
ووفق محللين فإن حصول مثل هكذا اتفاق ليس مستغربا فالمؤتمر المنتهية ولاية تسيطر عليه جماعة الإخوان المسلمين المعروف عنها براغماتيتها التي هي أقرب في واقع الحال لما اصطلح عليه بـ”الانتهازية السياسية”.
وتريد جماعة الإخوان أن تضرب عصفورين بحجر واحد فمن جهة تحتوي حكومة الوفاق الوطني، وتبدي في الآن ذاته صورة الطرف المتعاون مع المجتمع الدولي.
دخول مجلس الدولة إلى المقر الرسمي للمؤتمر في طرابلس يضع حدا لسلطة المؤتمر الوطني (البرلمان) الذي لم يحظ باعتراف دولي منذ إعلانه تمديد ولايته.
وكان المؤتمر الوطني قد وافق على انتقال حكومة فايز السراج إلى العاصمة من تونس، بعد أيام من التصريحات النارية الرافضة لهكذا خطوة.
ويضع دخول مجلس الدولة إلى المقر الرسمي للمؤتمر في طرابلس حدا لسلطة المؤتمر الوطني (البرلمان) الذي لم يحظ باعتراف دولي منذ إعلانه تمديد ولايته، بعد نحو ثلاثة أسابيع على دخول حكومة الوفاق إلى طرابلس وتلاشي حكومة الأمر الواقع غير المعترف بها أيضا.
وفي مقابل العلاقة الملتبسة بين المؤتمر الوطني وحكومة الوفاق، يسجل صراع بين الأخيرة والبرلمان الشرعي الذي يتخذ من طبرق (شرقا) مقرا له، والحكومة المنبثقة عنه.
واتهمت المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس التي تدير قطاع النفط الليبي منذ عقود الحكومة المدعومة من البرلمان بمحاولة تصدير 650 ألف برميل نفط.
وأشارت المؤسسة إلى أن عملية التصدير من ميناء الحريقة (نحو 1400 كلم شرق طرابلس) توقفت بعدما تدخلت حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج لمنعها.
وسيطرت حكومة السراج على المؤسسة النفطية وقبلها البنك المركزي الأمر الذي يعكس رغبة السراج في عزل البرلمان الذي يرفض حدّ اللحظة المصادقة عليها.
وفشل البرلمان مؤخرا في عقد جلسة استثنائية للتصويت على حكومة الوفاق والتعديل الدستوري. وقد دفع ذلك دولا غربية إلى المطالبة بنقل جلسات البرلمان للتصويت على الحكومة خارج طبرق.
وجدير بالتذكير أن 102 من نواب البرلمان الشرعي أبدوا تأييدهم لحكومة السراج، بيد أن باقي النواب يرون أن هناك نقاطا خلافية لا بد من التوافق بشأنها قبل المصادقة على هذه الحكومة المدعومة دوليا.
ودعا سفراء دول أوروبية والولايات المتحدة البرلمان الجمعة، إلى نقل جلساته إلى مدينة جديدة.
وقال سفراء فرنسا وإيطاليا وأسبانيا والبرتغال وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة في بيان مشترك إنهم يؤيدون أن يعقد مجلس النواب جلساته “في وقت قريب في موقع ليبي تتوفر فيه سلامة النواب”.
وعجز البرلمان على مدى أسابيع عن عقد جلسة للتصويت على منح الثقة للحكومة التي يقودها فايز السراج بفعل عدم اكتمال النصاب.
وحضر النواب المؤيدون للحكومة إلى مقر البرلمان في طبرق يومي الاثنين والخميس إلا أنهم منعوا من عقد الجلسة للتصويت على الحكومة من قبل أعضاء آخرين معارضين لها، بحسب ما أفاد بعضهم.
محللون يرون أن تأييد ودعوة سفراء غربيين إلى عقد جلسة خارج مقر البرلمان الشرعي سيعزز من الانقسام الحاصل حول حكومة الوفاق، ويكرّس الأزمة.
وأصدر النواب المؤيدون للحكومة وعددهم 102 من بين 198 نائبا، بيانا مساء الخميس أعلنوا فيه أنهم تعرضوا هذا الأسبوع إلى “اعتداء لفظي وجسدي” من قبل نواب آخرين ومنعوا من عقد الجلسة.
وأضافوا أنهم يؤيدون “منح الثقة لحكومة الوفاق الوطني”، داعين أعضاء الحكومة الـ18 إلى “أداء اليمين القانوني أمام مجلس النواب في مكان يحدد من مكتب رئاسة مجلس النواب في موعد أقصاه نهاية الأسبوع القادم”.
ورحب ممثلو الدول الأوروبية والولايات المتحدة بتأييد هؤلاء النواب لمنح الثقة لحكومة الوفاق، داعين إلى “انتقال سلمي وسريع للسلطة”.
ويرى محللون أن تأييد ودعوة سفراء غربيين إلى عقد جلسة خارج مقر البرلمان الشرعي سيعزز من الانقسام الحاصل حول حكومة الوفاق، ويكرّس الأزمة.
وانبثقت حكومة الوفاق الوطني من اتفاق السلام الذي وقع في المغرب في ديسمبر بواسطة الأمم المتحدة من قبل أعضاء في برلمان طرابلس (غير المعترف به) وبرلمان طبرق المعترف به دوليا. لكن التوقيع حصل بصفة شخصية.
وتستند الحكومة التي تتخذ من قاعدة طرابلس البحرية مقرا لها، إلى بيان موقّع في فبراير الماضي من قبل مئة نائب أعلنوا فيه منحها الثقة.
ويرجح محللون أن يستمر السجال القائم بين البرلمان الشرعي وحكومة السراج، إلى حين التوافق على كبرى النقاط ومنها المؤسسات العسكرية والأمنية.
وتتركز الخلافات بين البرلمان والحكومة الجديدة على المادة الثامنة في اتفاق الصخيرات والتي تحيل المؤسسات الأمنية إلى سلطة رئاسة مجلس الوزراء، بينما يريد البرلمان أن يضمن استقلالية هذه المؤسسات عبر إسناد تبعيتها إليه كجهة منتخبة من الشعب وقادرة على المحاسبة.
وهناك إصرار من قبل البرلمان على الإبقاء على قيادة الجيش الحالية والمقصود هنا اللواء خليفة حفتر.
ولا تخدم تصريحات المبعوث الدولي إلى ليبيا مارتن كوبلر، التوصل إلى تسوية لهذه الخلافات، والذي قال “لا يوجد جيش ليبي موحّد بعدُ، هناك الجيش الوطني الليبي تحت قيادة الجنرال خليفة حفتر، لكنه لا يمثل جيشا لكل ليبيا”، ودعا كوبلر الليبيين إلى البحث عن سبيل لتشكيل جيش موحّد، بمشاركة القوات في الشرق والغرب.