افراسيانت - هاني المصري - يردد الرئيس الفلسطيني منذ فترة أنه سيتخذ قرارًا مصيريًا ومفاجِئًا في شهر أيلول القادم. وقد احتار المراقبون والمتابعون بماهية هذا القرار. فهل سيكون تقديم استقالته، أو حل السلطة، أو تغيير شكلها ووظائفها والتزاماتها لتنسجم مع الاعتراف الدولي وتنصل إسرائيل من التزاماتها، أو أنه سيكون عبارة عن وقف التنسيق الأمني، وتنفيذ قرارات اجتماع المجلس المركزي لـ «منظمة التحرير» الأخير، أو أن ما في جعبة الرئيس هو دعوة المجلس الوطني إلى الانعقاد.
المفترض أن تُبحث القضايا المصيرية والجوهرية بشكل جماعي ومؤسسي وبمشاركة شعبية قبل اتخاذ القرارات بشأنها حتى يتم الاستعداد لها، بحيث يتحمل الجميع المسؤولية عن إقرارها وتنفيذها، لا أن يتم التعامل معها كألغاز ومفاجآت.
قبل التوقف أمام ذلك، سنشير إلى ما تردد عن مقاطعة الجبهتين «الشعبية» و»الديموقراطية» لاجتماعات اللجنة التنفيذية، الأمر الذي ثبت عدم صحته، مع تأكيد اعتراض الجبهتين على كيفية اتخاذ القرار وإدارة الأمور بصورة فردية في اللجنة التنفيذية، ما يسبب إزعاجًا يفرض التعامل معه قبل تصاعده.
بصرف النظر عمّا سبق، فإن هذا العام شهد توترًا في العلاقات داخل اللجنة التنفيذية في «منظمة التحرير» جرّاء تهميشها المترافق مع تزايد المخاطر والتحديات التي تهدد القضية الفلسطينية.
وقد تفاقم الوضع بعرض مشروع قرار على مجلس الأمن في نهاية العام الماضي من دون عرضه على اللجنة التنفيذية، خصوصًا بعدما تبين أنه ينتقص من الحقوق الوطنية المتضمنة في القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة وفي قرارات المجلسين الوطني والمركزي لـ «منظمة التحرير».
وردًا على ذلك، هددت بعض الفصائل اليسارية بعدم حضور اجتماعات ما تسمى «القيادة الفلسطينية» التي يشارك فيها أكثر من خمسين شخصًا، ما أدى إلى الاستجابة لطلبها، إذ عادت اللجنة التنفيذية لتعقد اجتماعاتها بصورة منفصلة إلى حين وقوع «جريمة دوما»، فتمت دعوة «القيادة» للاجتماع.
وتكررت القصة في عدم تطبيق قرارات المجلس المركزي الأخير، التي نصّت على «وقف التنسيق الأمني وإعادة النظر في العلاقة مع سلطات الاحتلال»، في وقت تعمّق فيه التنسيق الأمني بعد «جريمة دوما» في محاولة لاحتواء ردود الأفعال الفلسطينية ومنع اندلاع انتفاضة.
وزادت الطين بلة الأخبار عن لقاء مؤكد بين عريقات وسيلفان شالوم، المسؤول عن المفاوضات في الحكومة الإسرائيلية، للبحث في كيفية استئناف المفاوضات وأمور أخرى من دون إعلام اللجنة التنفيذية، التي يشكل عقدها خروجًا عن قرارات الإجماع الوطني التي وضعت شروطًا لاستئناف المفاوضات.
ما سبق يدل دلالة قاطعة على وجود خلل جوهري في آلية صنع القرار، إذ يتخذ بشكل فردي، وإذا اتُخذ بشكل جماعي ولم يكن متوافقًا مع السياسة المعتمدة لا يصار إلى تطبيقه، ما يجعل المؤسسة تغيب أكثر وتأخذ معها ما تبقى من دور للمنظمة التي تقزّمت وتآكل دورها منذ توقيع «اتفاق أوسلو» وتأسيس السلطة التي أصبحت مركز الثقل على حساب المنظمة، برغم أنها جاءت كسلطة حكم ذاتي محدود ومقيدة باشتراطات والتزامات لا تجعل بإمكانها تمثيل مصالح الشعب الفلسطيني وتطلعاته وحقوقه.
إن جوهر الخلل لا يعود إلى عقد أو عدم عقد اجتماعات اللجنة التنفيذية بصورة منفصلة أو بتعويمها في إطار القيادة الفلسطينية على أهمية ذلك، وإنما يكمن في أن اللجنة التنفيذية ومعها كل مؤسسات المنظمة (المجلسان الوطني والمركزي) تقادمت وترهلت وتآكلت شرعيتها بعد مرور عشرات السنوات من دون إصلاحها وتغييرها وتجديدها، فمتوسط عمر أعضاء المجلس الوطني لا يقل عن سبعين عامًا.
لقد فقدت مؤسسات المنظمة الشرعية مع أن المنظمة لا تزال شرعية معترفًا بها فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا، ولكن هذه الشرعية لن تبقى إلى الأبد، وإنما معرضة للضياع إذا استمرت مؤسسات المنظمة غائبة ومغيبة ولم تستوعب التطورات والحقائق الجديدة. فقد أثبتت الانتخابات المحلية والتشريعية والرئاسية التي جرت منذ تأسيس السلطة حتى الآن حدوث تغييرات حاسمة على اتجاهات الرأي العام الفلسطيني وأوزان القوى وأدوارها، فلم تعد «فتح» التي قادت مسيرة النضال الفلسطيني طوال عشرات السنين ومعها بقية فصائل «منظمة التحرير» تملك الأغلبية الكبيرة والمستقرة التي تمنحها حق القيادة، بل أخذت «حماس» تنافسها إلى حد حصولها على أغلبية مقاعد المجلس التشريعي.
في هذا السياق، تأتي الأنباء التي تشير إلى أن الرئيس وأوساطًا قيادية نافذة يدرسون فكرة دعوة المجلس الوطني إلى الانعقاد، بمشاركة عضويته القديمة مضافًا إليها أعضاء المجلس التشريعي، أو بتشكيل مجلس وطني بالطريقة السابقة وفقًا لنظام المحاصصة.
إزاء ما سبق، هناك أسئلة تطرح نفسها بقوة:
السؤال الأول: ما علاقة ما نصّ عليه «اتفاق القاهرة» وملحقاته حول قيام «لجنة تفعيل المنظمة» بلعب دور الإطار القيادي المؤقت لفترة مؤقتة ليقوم بمهمات، أهمها التحضير لإجراء انتخابات المجلس الوطني وتشكيل مجلس وطني جديد؟
إن الدعوة إلى عقد المجلس الوطني القديم، خصوصًا من دون توافق وطني على ذلك، تمثل تجاوزًا لاتفاق المصالحة، وتبقي القديم على قدمه ولا تشكل مخرجًا من المأزق وإنما تؤدي إلى تعميقه أكثر.
وفي حال دعوة المجلس القديم ورفضت «حماس» و «الجهاد»، وربما غيرهما من الفصائل، المشاركة، وهذا محتمل جدًا: فهل سيتم المضي بالدعوة حتى النهاية مع مخاطر عدم توفر النصاب السياسي والقانوني، وبحجة أن «حماس» ستكون مدعوة للحضور بثقلها في المجلس التشريعي، إذ لديها 74 نائبًا هم تلقائيًا هم أعضاء المجلس الوطني؟
السؤال الثاني (وهو الأهم): ما هي الأغراض السياسية التي تقف وراء دعوة المجلس الوطني إلى الانعقاد: هل هي البحث في: أين تقف القضية الفلسطينية الآن، وإلى أين يريد الشعب الفلسطيني إيصالها وكيف (وهذا هو الطبيعي والمطلوب)؛ أو جعل المؤسسات الفلسطينية أكثر طواعية مما هي عليه الآن وتقديم ترضيات لبعض الأشخاص والمحاور؟
إن إحياء مؤسسات المنظمة التي دخلت العناية المشددة منذ «أوسلو» هو المدخل الطبيعي لإعادة بناء الحركة الوطنية والتمثيل وإعادة تعريف المشروع الوطني، من خلال تشكيل مجلس وطني جديد يمثل الشعب الفلسطيني قولًا وفعلًا، وحتى يتم ذلك، لا بد من خطوة تمهيدية تتمثل بتشكيل مجلس تأسيسي يمكن أن يكون هو الإطار القيادي المؤقت المتفق عليه، مع ضرورة توسيعه ليصل إلى (100 - 150) عضوًا، بما يضمن توسيع تمثيل مختلف التجمعات والأطياف والقطاعات، خصوصًا المرأة والشتات والشباب.
بالتزامن مع صحيفة السفير