افراسيانت - خلال خطبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام الكنيست الإسرائيلي ، لم يكن التفصيل الهزلي الوحيد أن الأخير حثّ الرئيس الإسرائيلي على إصدار عفو عن بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة الاحتلال المحال إلى القضاء بتهم الرشوة والاحتيال وإساءة الأمانة. فالجلسة بأكملها، وليس خطاب ترامب أو نتنياهو نفسه أو زعيم «المعارضة» يائير لبيد فحسب، كانت استعراضاً مطولاً ومملاً حضرت خلاله مشاهد مسرحية شتى، وغُيّبت عنه تماماً أهوال حرب الإبادة الجماعية التي واصلت دولة الاحتلال ارتكابها على مدى أكثر من 735 يوماً متعاقبة.
ترامب من جانبه جهد لكي يبدو في إهاب قيصر حاكم للمعمورة، يزور واحداً من أقاليمه ليتلقى التبريك والتهليل والتصفيق من أتباعه، سواء أولئك الذين يأتمرون بأمره داخل المخفر الإسرائيلي ذاته في الحكم كما في المعارضة، أو أركان إدارته ومبعوثيه وسفرائه وجنرالاته، بمن فيهم شريك سابق في العقارات والتجارة، أو صهر هندس مشاريع صفقة القرن واتفاقيات التطبيع.
وخلال توزيع المدائح على ستيف وتكوف أو جاريد كوشنر أو ماركو روبيو أو دانييل كين أو مايك هاكابي، لم يغفل ترامب عن امتداح «بيبي» رئيس حكومة الاحتلال ومجرم الحرب المطلوب للعدالة الدولية، والتأكيد على أن هذا المخفر الإسرائيلي قد حقق «انتصاراً لا يُصدّق»، وأنجز «كل ما يمكن من نصر بقوة السلاح» الذي وفّرته الولايات المتحدة. ولم يكن خالياً من طرافة مضحكة مبكية أن ترامب أقرّ بان نتنياهو كان يعرف عن صناعة الأسلحة الأمريكية المتطورة، أي الأشد وحشية وفتكاً، أكثر مما كان يعرف الرئيس الأمريكي نفسه.
وإلى جانب الإغراق في الثرثرة وتكريس الذات ومهاجمة رؤساء أمريكا السابقين، والتباهي بما مُنح في قاعة الكنيست من جائزة «الرئيس الأمريكي الأفضل» لدولة الاحتلال على الإطلاق، والتفاخر بمآثر القاذفات الأمريكية ضد إيران ومنشآتها، اكتفى ترامب بالتطلع إلى مؤتمر شرم الشيخ من زاوية حضور الدول الأكثر ثراء، بالنظر إلى أن «الفجر التاريخي للشرق الأوسط الجديد» إنما يبدأ عنده من هذا البُعد الاستثماري.
ولم يكن بعيداً عن المهزلة ذاتها أن خطبة ممثل «المعارضة» الإسرائيلية تسابقت مع خطبة نتنياهو في إحالة انتصارات المخفر الإسرائيلي إلى التلمود، بعد أن كان رئيس حكومة الاحتلال قد أحالها إلى التوراة وتمثّل شخصيات يشوع وداود، بحيث انتهت أقوال لبيد إلى خواء مماثل تفتقر إلى أي معنى معارض. لكنه لم يغفل عن ملامة لجنة نوبل للسلام لأنها لم تمنح الجائزة للرئيس الامريكي، متنبئاً بأنه سيفوز بها في العام المقبل.
وعلى هامش المهازل تتابع مسلسل حضور رئيس الحكومة الإسرائيلية قمة شرم الشيخ، ابتداء من عدم دعوته، ثم ضغط ترامب على الرئاسة المصرية لتوجيه الدعوة، وصولاً إلى تمنع نتنياهو بحجة الأعياد اليهودية، رغم أن القمة تعتبر بمثابة تتويج دولي لخطة ترامب، وأن بعض الحضور مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا هم في صدارة أنصار دولة الاحتلال.
وإذا لم تكن خطبة ترامب هي الأولى لرؤساء أمريكا أمام الكنيست الإسرائيلي، فإنها الأولى له شخصياً، والأولى لصاحب القرار بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، ولن تتأخر في دخول التاريخ بوصفها الأعلى مسرحاً والأدنى قيمة.