الضفة الغربية: الورقة الأخيرة في مقامرة نتنياهو السياسية

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 


افراسيانت - محمد صبيح الزواهرة - كلما اشتدت حلقات الخناق القضائي والسياسي حول عنق بنيامين نتنياهو، اتجه صوب الخارج، بحثًا عن تصعيدٍ يعيد خلط الأوراق ويؤجل مواجهته للعدالة. لم يعد الأمر تحليلًا سياسيًا بل بات نمطًا متكررًا في سلوك رئيس حكومة الاحتلال، الذي يستثمر في الأزمات الأمنية لتفادي أزماته الشخصية وفضائحه الداخلية.


اليوم، يمر نتنياهو بمرحلة بالغة الحرج داخليًا، وسط انقسامات حادة داخل المجتمع الإسرائيلي، واحتجاجات متكررة، وملف محاكمة ثقيل يلاحقه بتهم فساد واختلاس. لكن خياراته في الخارج لم تعد كما كانت؛ غزة أصبحت مدينة أشباح وحطامًا بشريًا وعمرانيًا، بعد عدوان متواصل دمّر كل شيء تقريبًا.


أما في الجبهة السورية، فقد تم كبح جماح الاحتلال مؤقتًا، بفعل توافق دولي غير معلن تقوده الولايات المتحدة، وبضغط مباشر من الأردن وتركيا، اللتين تتشاركان المخاوف ذاتها من اتساع رقعة المواجهة وتفجر الأوضاع على حدودهما الشمالية والشرقية. فالغارات الإسرائيلية المتكررة على الداخل السوري تراجعت نسبيًا في وتيرتها وحجم أهدافها، ما يعكس وجود قرار دولي مرحلي بلجم التمدد العسكري الإسرائيلي داخل الساحة السورية، ومنع تحوّلها إلى ساحة اشتباك شاملة.


أما في الجنوب اللبناني، فقد باتت المعركة هناك شبه منتهية، بعد أن تم استنزاف البنية التحتية لحزب الله إلى حد كبير، وانخفضت فعاليته الميدانية، وانتهت عمليًا الأهداف الحيوية التي يمكن ضربها. لم يعد لدى الاحتلال ما يحققه هناك، والحرب على لبنان باتت بلا معنى سياسي أو عسكري، بعد أن استُنفدت أوراق الضغط، وتراجع زخم المواجهة بشكل ملحوظ.


أما الحوثيون، فبعيدون جغرافيًا، ويتحصّنون بتضاريس تجعلهم خارج حسابات الضربات الحاسمة، مع تزايد التعقيد في استهدافهم عسكريًا.


أمام هذه المعادلة المعقدة، تظهر الضفة الغربية كخيار متاح وخطير في آن. فنتنياهو واليمين المتطرف يجدون فيها ساحة “مرنة” نسبيًا لتصدير الأزمة، وقد تكون محطتهم المقبلة لتفجير الوضع وافتعال صدام واسع النطاق. اجتياح عسكري، أو انهيار أمني ممنهج، قد يؤدي إلى إسقاط السلطة الفلسطينية، وإغراق الضفة في فوضى تنهي عمليًا ما تبقى من مشروع الدولة الفلسطينية، وتفتح الباب أمام ضم تدريجي أو مباشر لأجزاء واسعة منها.


هذا السيناريو يخدم أكثر من هدف: يمنح نتنياهو مهربًا سياسيًا، ويشبع تطلعات اليمين الصهيوني الاستيطاني، ويوفر بيئة “مُبررة” لإعادة رسم الواقع الجغرافي والديموغرافي على الأرض وفقًا لرؤية “إسرائيل الكبرى”.


لكن المخاطرة هنا لا تقف عند حدود رام الله ونابلس وجنين. انفجار الضفة الغربية سيعيد تشكيل معادلات الأمن الإقليمي، ويضع الأردن على تماس مباشر مع ساحة ملتهبة، ما يشكّل تهديدًا استراتيجيًا لطبيعة العلاقة مع الاحتلال، وللاستقرار الحدودي والسياسي في آنٍ واحد.


إن هذا الاندفاع “المتوحش” لحكومة الاحتلال، المدفوع بجنون سياسي شخصي وتطرف عقائدي غير مسبوق، لم يعد مجرد سلوك داخلي يمكن احتواؤه، بل تحوّل إلى خطر إقليمي داهم. ومن هنا، فإن مسؤولية المجتمع الدولي والقوى الإقليمية لم تعد ترفًا دبلوماسيًا، بل ضرورة عاجلة لكبح جماح هذه السياسة قبل أن تنفجر المنطقة برمّتها، وتدخل نفقًا لا أحد يعرف أين ينتهي، ولا من سيدفع الثمن الأكبر فيه.

 

©2025 Afrasia Net - All Rights Reserved Developed by : SoftPages Technology