القياس الفاسد.. انه ازدواجية المعايير؟

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 


افراسيانت - ليس هناك ازدواجية في المعايير لدى الغرب، فهو يمتلك معياراً واحداً في اتخاذ مواقفه؛ الانحياز إلى مصالحه، وهذا ما يجعله يتخذ موقفين مختلفين صورياً، ولكنهما متطابقان جوهرياً لجهة المنفعة له ولحلفائه والإضرار بخصومه. 


كانت الحرب الروسية الأوكرانية تتصدر عناوين الصحف ونشرات الأخبار، وحتى أحاديث الناس، حتى اصطلح البعض على تسميتها بالصراع الأطلسي – الروسي، لما رأيناه من حشد سياسي وعسكري واقتصادي وإعلامي غربي في وجه روسيا. 


اليوم، لا تكاد الحرب الأوكرانية تذكر مع مواصلة "إسرائيل" عدوانها على قطاع غزة، مرتكبة المزيد من المحارق الحقيقية على مرأى ومسمع من العالم كله.


 فجأة، نسي الغرب "التهديد الروسي" موجهاً اهتمامه إلى "إسرائيل"، على اعتبار أنها "امتداد للغرب" و"الطفل المدلل الحقيقي" منذ أكثر من مئة عام، سامحاً بقطع المياه والكهرباء والطعام عن أكثر من مليونين ونصف مليون إنسان في القطاع، ما أعاد إلى الأذهان التصريحات الغربية التي دانت روسيا خلال حربها مع أوكرانيا، فيما وَصفتْ ما تقوم به "إسرائيل" "بالدفاع عن النفس".


ولعل أوضح التصريحات تلك التي أتت على لسان رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التي زعمت ان روسيا تقوم بقتل الأطفال واستهداف المستشفيات والمدارس، داعيةً إلى مواجهة ما وصفته "بالإجرام الروسي"، قبل أن نراها في "تل أبيب" تقف إلى جانب رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو وتقدم له الدعم غير المشروط. 


وإن كان الأمر ليس مستغرباً بالمطلق، فمن نتحدث عنها متهمة بالفساد، حتى إنها لم تتوانَ عن إلقاء اللوم في القصف الذري الأميركي على هيروشيما على روسيا! 


ومن جديد، عادت لازمة "ازدواجية المعايير" الغربية إلى الواجهة. ما يحرّمه الغرب على الروس في أوكرانيا يبيحه لـ"إسرائيل" في قطاع غزة، ولكن هل هناك فعلاً ازدواجية في المعايير؟ وهل هناك وجه شبه بين ما يحصل في أوكرانيا وغزة، كما يشير البعض؟


الخروج عن السياق التاريخي


في الواقع، ليس هناك ازدواجية في المعايير لدى الغرب، فهو يمتلك معياراً واحداً في اتخاذ مواقفه؛ الانحياز إلى مصالحه، وهذا ما يجعله يتخذ موقفين مختلفين صورياً، ولكنهما متطابقان جوهرياً لجهة المنفعة له ولحلفائه والإضرار بخصومه، وهذا ما رأيناه في الحرب الروسية الأوكرانية وفي العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.


لسنا هنا في معرض تبرير ما قامت به روسيا من عملية عسكرية في 24 شباط/فبراير 2022، ولكن ما يجب قوله إنَّ الحرب لم تأتِ من فراغ، بل أتت في سياق تصعيدي غربي أريد منه عزل روسيا وتطويقها. لا يمكن أن تتنظر من دولة ترى أن أمنها القومي مهدد عبر تمدد "الناتو" بأسلحته أن تقف مكتوفة الأيدي.


 كما لا يمكن أن تطلب من دولة كروسيا أن تثق بنيات الدول الغربية بعدما كانت قد وُعدت بأن حلف شمالي الأطلسي لن يتمدد شرقاً، فخبِرت ما هو عكس ذلك.  


الأمر نفسه ينطبق على قطاع غزة، لا على "إسرائيل". لا يمكن القول إنّ من حق "إسرائيل" الدفاع عن النفس. بدايةً لأنها كيان محتل، وثانياً لأن مَنْ قام بعملية "طوفان الأقصى" هو ذلك المحاصر منذ أكثر من 17 عاماً، مع كل ما يتضمن الحصار من ويلات. باختصار، لا يمكن إخراج العملية من سياقها السياسي والأمني، وحتى الاقتصادي، كما يفعل الإعلام الغربي ويصر عليه عن خبث. 


ولا يمكن أن تقول للغزاوي ولمقاومته ليس لديكما الحق في الدفاع عن الحياة والأرض. وبناء عليه، ما تتم الإشارة إليه من وقت الى آخر عن حسن أو سوء نية بأن ما تتعرض له غزة هو نفسه ما تعرضت له أوكرانيا هو محض قراءة غير منطقية للحالتين. 


المقارنة بين غزة وأوكرانيا من جهة، و"إسرائيل" وروسيا من جهة ثانية، هي استهانة بعقول الناس ومعرفتهم بالتاريخ، وهي جزء من عملية "القياس الفاسد". لماذا نقارن "إسرائيل"، الكيان المصطنع الذي أُقحم بطريقة شاذة في منطقتنا، بروسيا صاحبة التاريخ العريق والحضارة الممتدة التي كانت أوكرانيا بأكملها جزءاً منها حتى عام 1991م؟


قتل المدنيين


لا تجوز المقارنة بين ضحايا أوكرانيا وشهداء غزة لأكثر من سبب، ولكننا سنبدأ بما توضحه الأرقام. وفقاً لتقارير وزارة الصحة الفلسطينية، فإن عدد الشهداء في القطاع اقترب من 52 ألفاً، بينهم أكثر من 16 آلاف طفل وقرابة 18 آلف امرأة، فيما تجاوز عدد الإصابات مئات الالاف.


فيما الأرقام الآتية من أوكرانيا تشير إلى أن عدد القتلى بلغ 9806 خلال سنتين تقريباً من الحرب، ما يعني أن القفز فوق العامل الزمني هو محض إجحاف بحق القطاع وأهله ومعاناتهم.


أما العامل المكاني، فلا يقل أهمية؛ فغزة ليست دولة، إنما قطاع من فلسطين السليبة. وعلاوة على ذلك، هي محاصرة من الاحتلال والشقيق المصري، في حين أن أوكرانيا دولة كاملة الأركان ضُخت فيها الأسلحة الغربية، ولا تزال، والهدف هو مواجهة روسيا ومحاولة الانتصار عليه بما تمثل (75 مليار دولار قيمة المساعدات الأميركية فقط لأوكرانيا). 


اتهامات بالنازية


وهنا نأتي إلى ما يحاول البعض المجادلة فيه، ويتلخص بالقول إن صفة "النازيين الجدد في أوكرانيا" دعاية روسية لا أكثر ولا أقل، وهم يستشهدون بيهودية الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي لدحض ما يعتبرونه ادعاءً.


 بعيداً من الممارسات الحربية على الأرض وأخلاقياتها، سنقوم هنا بذكر مؤشر على سبيل الذكر لا الحصر. لا يمكن تجاهل تكريم شخصية مثل ستيبان بانديرا من قبل عدد كبير من الأوكرانيين وأعضاء في البرلمان الأوكراني في لفيف؛ فالرجل، وهو مؤسس "منظمة القوميين الأوكرانيين" النازية عام 1942، حاز تكريماً أوكرانياً أكثر من مرة، ومنح وأتباعه لقب "محاربي الاستقلال" من السلطات الأوكرانية.


وليس ذلك إلا دليلاً قاطعاً على تبني نهج النازية، ونحن نسرد ما سبق فقط لنؤكد أن النازييين الجدد واقع، وليس هناك من يشبههم في قطاع غزة. على العكس، تتجلى النازية بأبهى صورها لدى "إسرائيل" من خلال مجازرها وخرق كل المحرمات من استهداف للمنازل الآمنة والمدارس والمستشفيات والجوامع والكنائس غير آبهة بشيء.


 كما تتجلى من خلال السير على نهج جوزيف غوبلز: "اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس"، وهي دعاية نازية بامتياز. أليس هذا ما حصل ويحصل مع كل استهداف جديد لمستشفى في القطاع؟


حاولت "إسرائيل" من خلال الدعاية المفرطة عن "المحرقة" أن تجعل نفسها نقيض النازية، ولكن النازية فكرة وتوجه ومبدأ ومسار، وهي تنطبق على هتلر، تماماً كما تنطبق على "إسرائيل".


وبناء عليه، لا ليس هناك ازدواجية في المعايير. على العكس، فالصورة اليوم أوضح حتى لمن يرفض رؤية حقيقة الغرب "المتحضر". لا، أوكرانيا ليست قطاع غزة، هي أقرب إلى "إسرائيل" بالقدر الذي يبدو فيه زيلينسكي قريباً من نتنياهو، أقله لناحية التهديد والاستجداء في الوقت عينه.


النظام العالمي: ازدواجية المعايير على قاعدة الكيل بمكيالين


النظام العالمي الذي تتحكم به القوى العظمى والكبرى، تلوي به أعناق الحقائق والوقائع على الأرض بما يؤدي في نهاية المطاف، إلى ما يتلاءم ويتناسب مع ما تريد، بصرف النظر عن الحق والعدل، وعن السلام والأمن والاستقرار في العالم، الذي من المفترض بها أن تسعى إليه.


كل الوقائع والحوادث والحروب والنزاعات، التي جرت في السابق وتجري الآن، وربما في المستقبل، لم يجر البحث فيها أو عن حلول لها، بما يستوجب العدل والحق، أو على قاعدة القانون الدولي، بل على قاعدة المعايير المزدوجة، أي الكيل بمكيالين.


هذه السياسة التي تتبعها القوى العظمى والكبرى، الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي؛ ساهمت أو ساعدت في إطالة أمد الحروب والنزاعات في العالم الثالث، سواء بتأجيج الحروب والنزاعات، أو تخليقها وتوليدها، وإيجاد مسببات لها. عليه نلاحظ أن كل الحروب والنزاعات بأذرع الوكلاء، ما هي إلا تلبية لأهدافهم ذات الأبعاد الاستراتيجية، لتصبح الشعوب هي الضحية وهي حطبها في الوقت نفسه، مع أنها ليست حربها، أو نزاعاتها، وما أقصده أغلبها وليس جميعها، فهناك حروب يشعلها المقاومون لتحرير أوطانهم من الاحتلال، أو الاحتلال الاستيطاني كما هو حاصل للفلسطينيين. جميع عمليات الغزو واحتلال الدول ذات السيادة، مهما كانت التبريرات والمسوغات؛ عمل مدان ومرفوض، أما الكيل بمكيالين بين غزو واحتلال، وغزو واحتلال آخر؛ فمرفوض تماما، سواء من الأسرة الدولية، أو من القانون الدولي. حدثت غزوات أمريكية وروسية، في أقل من عقدين؛ من أهمها الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق، والعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا والتي لا تعتبر غزوا، والمستمر حتى كتابة هذه السطور، اللذان جرى التعامل معهما على طريقة المعايير المزدوجة، بطريقة واضحة جدا، باختصار أورد المقارنات التالية، عن كيفية التعامل الدولي مع الغزوتين، وأيضا الفروقات بين مسبباتها، ونتائجها:


أولا؛ أوكرانيا تحادد الاتحاد الروسي، كما أنها ترتبط معه بتاريخ مشترك، منذ القرن التاسع، أيام الامبراطورية القيصرية الروسية، وكانت كييف عاصمتها. كما أن أوكرانيا لها القدرة وفي ظرف أسابيع وربما أيام، كما ترى روسيا، على حيازة وامتلاك سلاح نووي، بفعل وجود القاعدة المادية، التي امتلكتها من أيام الاتحاد السوفييتي. وقد صرح الرئيس الأوكراني، بأنه يفكر في إعادة العمل على صناعة السلاح النووي، ما أثار مخاوف المسؤولين الروس. أما العراق الذي يبعد أكثر من عشرة آلاف كم عن أمريكا، فلم يمتلك أسلحة الدمار الشامل، والامريكيون يعلمون هذا علم اليقين، لكنهم استخدموا هذه الحجة وهم يعرفون أنهم يكذبون؛ لغزو واحتلال العراق.


ثانيا؛ أوكرانيا عملت أو طلبت أن تكون عضوا في حلف الناتو، وهذا الذي دفع الاتحاد الروسي للعملية العسكرية، للقضاء على هذا الحلم، اي حلم الانضمام إلى الناتو. أما من جانب العراق فلم يكن جارا لأمريكا، ولا يشكل أي تهديد لها مهما كان حجم هذا التهديد. العراق كان قد خضع للحصار، على مدار ما يقارب 13 عاما، أتى على كل جميل فيه، وعلى البنية التحتية، وعلى قواته الدفاعية. كما أن الدول المحيطة به، والدول الأخرى المجاورة، جميعها دول من العالم الثالث، أي لم تكن تشكل، حتى إن تحالفت مع العراق، افتراضا؛ أي تهديد لأمريكا، مهما كان حجمه.


العالم لا يحكم بالعدل، ولا بما يفرضه القانون الدولي، ولا من أجل السلم الدولي، بل ما يحكم العالم هو مصالح القوى العظمى والكبرى


ثالثا؛ أوكرانيا تقع على الخط الساخن والفاصل بين روسيا ودول الاتحاد الأوروبي، اي دول حلف الناتو، فهي بهذا الموقع تشكل قاعدة ارتكاز للناتو في مواجهة روسيا. أما من جانب العراق فلم يكن أو لم يقع في موقع أو على الخط الساخن والفاصل بين القوى العظمى؛ حتى يشكل تهديدا استراتيجيا، على السياسة الامريكية في الحافات الملتهبة، أو على الصراع الأمريكي مع القوى العالمية التي تنافسها على الريادة في العالم. هذا لا يعني أن العراق لا يقع في الموقع الاستراتيجي بين القارات، بل العكس هو الصحيح، إنما هناك فرق كبير بين الموقعين لناحية قواعد الاشتباك والصراع المباشر بين القوى العظمى.


رابعا؛ في اوكرانيا، إقليم الدونباس، يشكل الروس الغالبية أو الناطقين بالروسية هم الأغلبية، التي تقول عنهم روسيا إنهم يتعرضون للقتل على مدار ثماني سنوات، وهي قامت بعمليتها لحماية هؤلاء من اضطهاد النازيين الجدد في أوكرانيا، أو القوميين المتطرفين، أما في العراق فلم يكن فيه أي أمريكي، ولم تكن هناك أي منطقة يقطنها الأمريكيون، ويتعرضون لاضطهاد الحكومة العراقية؛ حتى تغزو العراق لنجدتهم وحمايتهم، أما قولهم إنهم غزوا واحتلوا العراق لتحرير شعبه من نظام ديكتاتوري، فهو قول فنده الواقع، خلال ما يقارب العقدين، بل على العكس من هذا فقد دمروا الوطن دولة وشعبا، وزرعوا فيه الشقاق والنفاق. 


من لحظة إطلاق أول إطلاقة مدفع عند بداية العملية العسكرية الروسية لأوكرانيا، ضجت جميع وسائل الإعلام المسموع والمرئي والمقروء؛ بالحديث عن الغزو الروسي، وفي اللحظة ذاتها؛ بدأ رؤساء دول الاتحاد الأوروبي، بتصريحات تشجب وتدين الغزو الروسي، وتتوعد روسيا بالويل. في اتساق متزامن تتابعت العقوبات الأوروبية والأمريكية على روسيا، وشملت جميع القطاعات بلا استثناء، وكذلك الكيانات والأشخاص، ولم يسلم منها، الرئيس الروسي ووزير الخارجية، ولا تزال عملية العقوبات مستمرة، إضافة إلى إمداد أوكرانيا بالمال والرجال والسلاح الفتاك، والمهم هنا هو شجب الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة لهذا الغزو. من الجانب الثاني تم تحريك مجلس الأمن الدولي، لعقد جلسة لمناقشة وإدانة الغزو الروسي، وكان قرار الإدانة سيصدر لولا الفيتو الروسي .


أثناء الغزو الأمريكي للعراق، ورغم المظاهرات التي ضجت بها عواصم الغرب، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، لكن لا الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن الدولي ولا القوى العظمى والكبرى، بما فيها الدول الاطلسية، لم تحرك ساكنا، في وقت كانت فيه القوات الامريكية؛ تدمر العراق، وتستخدم جميع ما في ترسانتها من أسلحة محرمة دوليا. لم تصدر حتى الآن، أي إدانة أو شجب لما قامت به الولايات المتحدة ضد الشعب العراقي، وما أقصده بالإدانة؛ تحميل الولايات المتحدة ما حلّ بالعراق من دمار وخراب وقتل وتشريد، أي إدانة ببيان رسمي سواء من مجلس الأمن الدولي، أو من الهيئة الأممية. لقد مرّ هذا الغزو، وبعد ذلك الاحتلال وإلى الآن، مرور الكرام. الكيل بمكيالين أعتى أنواع الظلم والوحشية؛ والتفرقة بين هذا الشعب وذاك، أقوى وأعمق أنواع التفرقة العنصرية. ربما يكون النظام العراقي قد ارتكب خطيئة كبيرة بغزو واحتلال الكويت، لكنه اعتذر عن هذا الغزو. كما أنه اعترف بجميع قرارات مجلس الأمن الدولي، ولو على مضض، وهي في أغلبها، قرارات مجحفة جدا، وتجاوزت صلاحيات مجلس الأمن الدولي المنصوص عليها في لائحة إقامته، كما أنها تجاوزت رأي العراق، كون الأمر يعنيه، وبالذات ترسيم الحدود والتعويضات، والأخيرة كانت مجحفة جدا. ما أريد أن أصل إليه؛ هو أن العالم لا يحكم بالعدل، ولا يحكم بما يفرضه القانون الدولي، ولا من أجل السلم الدولي، ولا من أجل الاستقرار والتنمية ونشر الديمقراطية، بل ما يحكم العالم هو مصالح القوى العظمى والكبرى فيه، وليس المصالح المشروعة أبدا، فهذه المصالح يتم كسرها وإعادة صياغتها بالكذب والتزوير بما يجعلها، تبدو وكأنها مصالح مشروعة أو الغاية منها هو تأسيس للقواعد والمعايير التي تضمن الاستقرار والسلام في العالم، بينما الحقائق على العكس تماما، وأكبر الأدلة على هذا التوجه؛ ما خرجت به علينا، ثورات الربيع العربي، بعد إزاحتها من طريق الثورة، إلى طريق آخر، طريق الثورة المضادة؛ التي تمت بها إعادة إنتاج الديكتاتوريات بثياب الديمقراطية الممزقة.


إذا ما نظرنا إلى الحرب الدائرة الآن في أوكرانيا، 


نرى انه  صراع مصالح استراتيجية. الاتحاد الروسي يريد من هذه العملية فك الطوق من حول رقبته؛ للمحافظة على وجوده كدولة عظمى لها قوتها في لعب الدور الوازن في العلاقات الدولية، بينما أمريكا تريد أن تحكم هذا الطوق حول رقبة الدب الروسي؛ لتقليص دوره في اللعبة الدولية. الحفاظ على الدور الفاعل في الموازنة الدولية؛ يفتح المجال واسعا في توسعة المصالح في الكرة الأرضية لهذه الدولة العظمى، أو لتلك الدولة العظمى، أي توسعة المجال الحيوي على حساب مصالح شعوب العالم الثالث. عليه فإن حروب أو غزوات الدول العظمى والكبرى لدول العالم الثالث، أو العالم الثاني في بعض الأحيان وهي محدودة بالقياس إلى غزواتهم لدول العالم الثالث؛ ما هي إلا للحصول على المغانم، وتثبيتها على قاعدة من الأنظمة الموالية، وليس للشعوب أي مصلحة في هذه الغزوات.. 


في الختام أقول إن العالم، يعيش الآن مرحلة انتقالية سيكون العالم فيها مختلفا كليا عن هذا العالم الذي نعيشه، أي من عالم أحادي القطب إلى عالم متعدد الأقطاب، ربما أربعة أقطاب سوف تتحكم في مصير العالم، روسيا والصين وأمريكا والاتحاد الأوروبي، والمقصود بالأخيرة؛ ألمانيا وفرنسا، وبالذات ألمانيا. 


إنها دورة مقيتة، مع أن العالم ذا التعددية القطبية؛ يوفر مساحات واسعة للمرونة أمام دول العالم الثالث، إنما تظل كفة الميزان لصالح الأقوياء. عليه فإن هذه الدورات التاريخية المقيتة، لا بد ذات يوم، أن تكسرها، إرادة الشعوب الحرة، بما فيها شعوب الدول العظمى والكبرى، على مسارات تطور العقل البشري، وبالتالي تعميق حس البشر بالظلم وانعدام العدالة في عالم تتحكم في مصيره، القوى العظمى.

 

©2025 Afrasia Net - All Rights Reserved Developed by : SoftPages Technology