مبادرة رئيس حكومة الوفاق فايز السراج تعيد إحياء مهمة غسان سلامة في ليبيا.
افراسيانت - فايز السراج رئيس حكومة “الوفاق” يطرح مبادرة لحل الأزمة السياسية غير واضحة المعالم وهو ما يدفع كثيرين إلى التشكيك في جديتها ووصفها بالمناورة بورقة التفاوض لتلميع صورته محليا ودوليا.
طرابلس – يطبع الغموض وعدم الجدية مبادرة رئيس المجلس الرئاسي لحكومة “الوفاق” الليبية فايز السراج والتي ينظر إليها على أنها مجرد تسجيل موقف وليست خطوة حقيقية نحو إنهاء الاقتتال وحل الأزمة السياسية.
واقترح فايز السراج الأحد، مبادرة سياسية تتضمن إجراء انتخابات عامة قبل نهاية العام الجاري.
وأوضح في كلمة بثتها قناة “ليبيا الوطنية” الحكومية “من واقع مسؤوليتي الوطنية ورغم العدوان الغاشم الذي سنستمر في دحره وتسخير كل الإمكانيات لإنهائه وهزيمته، أقدم اليوم مبادرتنا السياسية للخروج من الأزمة الراهنة”.
وقال “يعقد ملتقى ليبي بالتنسيق مع البعثة الأممية، يمثل جميع القوى الوطنية من جميع المناطق ممن لهم التأثير السياسي والاجتماعي، الذين يدعون إلى حل سلمي وديمقراطي”.
وأضاف “يتم الاتفاق خلال الملتقى على خارطة طريق للمرحلة القادمة، وإقرار القاعدة الدستورية المناسبة لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة قبل نهاية 2019، ويقوم الملتقى باعتماد قوانين العملية الدستورية والانتخابية، مع تحديد مواعيد الاستحقاقات وإحالتها إلى المفوضية العليا للانتخابات”.
كما نصت المبادرة على دعوة الملتقى مجلس الأمن والمجتمع الدولي إلى دعم الاتفاق، وتكون مخرجاته ملزمة للجميع، على أن تقوم الأمم المتحدة بالإعداد والتنظيم لهذه الاستحقاقات.
هذا إلى جانب الاتفاق خلال الملتقى على آليات تفعيل الإدارة اللامركزية، والاستخدام الأمثل للموارد المالية والعدالة التنموية لكل مناطق ليبيا، إضافة إلى تفعيل قوانين العدالة الانتقالية والعفو العام.
استفزاز فايز السراج للجيش الوطني يطرح تساؤلات بشأن ما إذا كان طرفا رئيسيا في مبادرته أم لا
ولم يتطرق السراج خلال مبادرته إلى مصير الميليشيات التي وصفها بـ”الثوار” و”الجيش الليبي” كما أنه لم يحدد الأطراف التي ستشارك في الملتقى ومعايير التمثيل والمشاركة في ظل الواقع الذي أنتجته الحرب الدائرة منذ أكثر من شهرين في العاصمة.
ويبدو أن السراج يتعمد تجاهل الثقل الذي بات عليه الجيش ويصر على استئناف المسار السياسي وفقا لمعطيات ما قبل 4 أبريل حيث كان للجيش حضور ضعيف في المنطقة الغربية ولم يكن له أي وجود في طرابلس.
ويسيطر الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر اليوم على عدة مواقع جنوب العاصمة وفي مقدمتها مطار طرابلس الدولي.
ولم يستعرض السراج آلية توفير الشروط الأمنية لإجراء الانتخابات قبل أقل من ستة أشهر على موعد إجرائها، كما لم يتحدث عن شروطه لوقف إطلاق النار من أجل تهيئة المناخ العام للانتخابات، وما إذا كان شرطه بخصوص انسحاب الجيش من مواقعه مستمرا أم لا.
وكان السراج رفض مطلع مايو الماضي دعوات دولية إلى وقف إطلاق النار دون شروط حيث تمسك بشرط انسحاب الجيش من مواقعه وتقديم المنطقة الشرقية لشخصية أخرى للتفاوض معها بدل المشير خليفة حفتر، وهو من الشروط التي وصفت بـ”غير الواقعية” واعتبرت رفضا منه لوقف إطلاق النار وتمسكا بالحسم العسكري.
وهو ما يبدو أنه أثار غضب المجتمع الدولي المتوجس من وجود متطرفين يقاتلون إلى جانبه، والذي سرعان ما أعاد تفعيل الجزء المتعلق بتفتيش السفن قبالة السواحل الليبية، ما من شأنه قطع الطريق أمام شحنات الأسلحة المتدفقة إلى ميليشيات طرابلس لاسيما تلك القادمة من تركيا.
ولم يخل خطاب السراج من عبارات استفزازية للجيش حيث وصفه بـ”ميليشيات حفتر”.
وادعى السراج أن حكومته حققت نتائج وصفها بـ”الإيجابية” على الصعيدين الأمني والاقتصادي وعلى صعيد محاربة الإرهاب، مشيدا بـ”شجاعة قواته التي نجحت في تلقين المعتدي وميليشياته دروسا في البطولة والقتال، وكسر أكذوبة ما كان يدعيه بأنه جيش محترف، وما كان يسوقه بأن دخوله لطرابلس نزهة ستنتهي خلال يومين”.
كما أشهر السراج ورقة حقوق الإنسان في وجه الجيش حيث دعا إلى فتح تحقيق دولي في مزاعم “بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت خلال الاعتداء على العاصمة”، متناسيا الجرائم التي ترتكبها الميليشيات منذ سنوات في حق المدنيين والهجمات التي نفذتها مجموعات مسلحة موالية له في الجنوب كان أبرزها الهجوم على قاعدة براك الشاطئ.
ويطرح استفزاز السراج للجيش تساؤلات بشأن ما إذا كان طرفا رئيسيا في مبادرته أم لا، ولاسيما أنه يعمل منذ أسابيع على تشكيل قوة سياسية واجتماعية لتمثيل إقليم برقة في العملية السياسية.
واعتبر مراقبون أن مبادرة السراج تعيد الكرة إلى ملعب المبعوث الأممي غسان سلامة الذي وصفت مهمته بـ”المنتهية” خلال الفترة الماضية، لاسيما بعدما هاجم الجيش أثناء إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن.
ويتهم غسان سلامة بالانحياز إلى الميليشيات وتيار الإسلام السياسي، وهو من الاتهامات التي بدأت منذ تكليفه مركزَ الحوار الإنساني المعروف بقربه من الإسلاميين بالتحضير للمؤتمر الجامع الذي كان ينوي عقده قبل أن يتم إلغاؤه بعد العملية العسكرية للجيش.
ورحبت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالمبادرة السياسية التي أعلنها فايز السراج لحل الأزمة الليبية. ووصفت البعثة في تعليقها مبادرة السراج بـ”البناءة للدفع بالعملية السياسية قدما من أجل إنهاء حالة النزاعات الطويلة في ليبيا”.
وأكدت البعثة أنها “ترحب بهذه المبادرة وبأي مبادرة أخرى تقترحها أي من القوى الرئيسية الفاعلة في ليبيا وتعرض مساعيها الحميدة على كل الأطراف في سبيل مساعدة ليبيا على الخروج من مرحلتها الانتقالية الطويلة نحو مرحلة السلام والاستقرار والازدهار”.
في المقابل يتوقع مراقبون ألا تلقى المبادرة صدى لدى الجيش الذي يبدو أنه في المراحل الأخيرة من عملية اقتحام العاصمة. ويستند هؤلاء في توقعاتهم إلى ردود فعل قيادات سياسية وعسكرية على المبادرة.
ونقلت قناة ليبيا عن مدير المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة العميد خالد المحجوب تأكيده أن الحديث عن حلول سياسية مستبعد في ظل وجود الميليشيات الإرهابية في طرابلس. وبدوره وصف عضو مجلس النواب، صالح فحيمة، خطاب فايز السراج بالمتناقض “حيث يدعي أنه يطلق مبادرة سياسية من أجل الوصول إلى توافق حقيقي بين جميع الأطراف دون إقصاء، ثم يبني مفردات خطابه على جمل إقصائية وتحريضية، سرعان ما تتكشف الغاية من ورائها في آخر الخطاب، عندما تعهد بالاستمرار في قيادة المعركة”.
وشدد فحيمة على أن أي مبادرة لا تتضمن الالتزام بالتشريعات الليبية، وإنهاء المظاهر المسلحة من خلال تسليم الميليشيات أسلحتها للجيش والشرطة، ستكون هي والعدم سواءً.
وكان رئيس البرلمان عقيلة صالح أكد في تصريحات صحافية نهاية الأسبوع الماضي أنه لا يمكن إجراء محادثات سلام قبل السيطرة على العاصمة. وأضاف “الجيش كان في إمكانه أن يقوم بعملية قوية ويستعمل كل أنواع الأسلحة، ولكن هؤلاء ليبيون ونحافظ على أي قطرة دم مهما كانت”.
ورفض أي اقتراح بانسحاب الجيش الوطني الليبي أو الموافقة على وقف إطلاق النار. وقال “العملية (العسكرية) يجب أن تحسم. الحل السياسي يجب في كل الأحوال أن يأتي حتى بعد تحرير العاصمة الليبية”.
وتابع “إذا كان هناك أحد يستطيع أن يخرج هذه الجماعات بسلام، فإن الجيش سيرجع إلى ثكناته وستشكل حكومة وحدة وطنية، لكن لن يستطيع السراج أن يأمر هذه الجماعات بالخروج من العاصمة”.
ويبدو أن المسار السياسي الذي يقترح السراج استئنافه لا يشمل وقف إطلاق النار حيث قال الناطق باسم عملية “بركان الغضب” التابعة للمجلس الرئاسي مصطفى المجعي، إن العملية العسكرية في طرابلس مستمرة ولم تتأثر بالمبادرة التي طرحها رئيس المجلس الرئاسي.
ولفت في تصريحات لوكالة “سبوتنيك” الروسية الأحد إلى أن التعليمات الصادرة حتى الآن هي مواصلة القتال ورد ما وصفه بـ”القوات المعتدية” عن العاصمة.
وأكد أن الشق السياسي الذي طرحه السراج لم يؤثر على الشق العسكري في عموم البلاد. ولفت إلى أن مسلحي الوفاق يقومون بعملهم في طرابلس وسرت وكل المناطق المتواجدين فيها وأن الأوامر الصادرة تلتزم بها كل القوات في طرابلس أو سرت.