اقراسيانت - الكاتب: رئيس التحرير - وكالة معا / د. ناصر اللحام - من لم يقرأ قصة تاجر البندقية للأديب الانجليزي شكسبير، وبطلها اليهودي المرابي النذل شيلوك، الذي أراد أن يقتطع كيلو لحم بشري من رجل ايطالي محترم وقع في الدين حين غرقت سفينته. عليه أن يسارع لقراءتها الان، لأن ترامب هو شيلوك العصر.
في الأسواق السوداء ظاهرة غير قانونية يطلق عليها التجار اسم (التكييش). حيث يقوم رجال أعمال بشراء معدات وسيارات ثمينة بسعر عال من المعارض بواسطة دفاتر الشيكات، وفي نفس اليوم يبيعونها بسعر منخفض للحصول على (الكاش). وفي مثل هذا مغامرة لا يصمد أمامها أعتى رجال الاعمال. ومقابل حلّ معضلة بسيطة يتورط رجال الاعمال "معظمهم من الطبقة الوسطى وصغار رجال الاعمال" بدفعات لمبالغ هائلة مقابل حصولهم الفوري على نصف او ثلث هذه المبالع عدا ونقدا.
"التكييش" سمة من سمات الفشل الاقتصادي في الأسواق المريضة، فهو يبخس أثمان الأشياء النفيسة ويرفع من قيمة الأشياء الرخيصة. وفي النهاية ينهار رجل الاعمال ويتم الحجز على أمواله ويبيع بيته وممتلكاته وسيارته لسد ديون أصحاب الشيكات. ويتحطم كل شيء.
الإقتصاد الحقيقي يقوم على قواعد حقيقية وليس على الوهم والتضليل. وقيمة البضاعة هي ثمن قوة العمل والوقت والجهد العقلاني الذي يبذل فيها إلى جانب عوامل أخرى مثل الندرة (الذهب والاحجار الكريمة والماس). وعوامل العرض والطلب في السوق المحلي والسوق العالمي.
وهناك ثلاثة عوامل لا يمكن لأي اقتصاد في العالم مهما كبر ومهما صغر أن يتخطاها وهي: قوى الانتاج وأدوات الإنتاج وعلاقات الإنتاج. وهذا ما قامت عليه الأسواق منذ قديم الزمان وحتى الان. وبغض النظر عن نظام الحكم سواء كان رأسماليا او اشتراكيا او اقطاعيا او إسلاميا. ولا بد أن تعود عملية الانتاج والتسويق الى هذا القواعد الثلاث.
ترامب لا يلتزم بقواعد الاقتصاد، ويعمل على تحويل البيت الابيض إلى مكان للربا والصيرفة والحصول على الكاش. ولأنه رجل أعمال جشع يلهث وراء شهوة إكتناز المال، وينسى أن امريكا هي التي تطبع الدولارات وان كل ورقة مئة دولار لا تكلف الخزينة الامريكية سوى ثمن ورق طباعتها. وفي حال يواصل ترامب هذا الربا والابتزاز المالي لدول العالم فإن مصيره ومصير الولايات المتحدة لن تختلف عن مصير أي تاجر متوسط الدخل غامر ودخل لعبة الكاش.
يهدد المكسيك لتدفيع ثمن الجدار، ويهدد الصين بتجارتها، ويهدد دول الخليج العربي بالاسقاط وينهب أموالها. يهدد روسيا والاتحاد الاوروبي، يهدد كوريا وسوريا وينهب خزائن العراق، يهدد حلف الناتو. لأنه يريد كاش.
وبشكل من الاشكال سيحصل على الكاش من هنا وهناك. وسيربح معركة ولكنه سيخسر الحرب.
أنا أشعر بفرحة عارمة لان ترامب فاز بالإنتخابات وكشف الوجه الحقيقي للرأسمالية الامريكية وهيمنتها المتغطرسة على مجتمعات وثقافات العالم. وهو لن يفعل في الحكم سوى انه يعجّل في نهاية الهيمنة الامريكية.
العملة الرقمية لا تختلف عن العملات الورقية سوى انها شكل اّخر من اشكال سيطرة الكارتيلات الجشعة على جيوب الفقراء، وتحويل كل حياتهم الى كارد فيزا تستطيع الكارتيلات وكبرى الشركات الاحتكارية بكبسة زر أن توقفها، وتحطّم أية اسرة وأي انسان يقف في وجهها.
نحن أمام مشهد جديد، معقد في التفاصيل ولكنه واضح وضوح الشمس في الشكل العام.
لقد تحوّل البيت الابيض الى محل للصرافة، وكازينو مهترئ للربا والقمار. ولسوف يجد العالم بأسرع وقت، طريقة للتخلص من هذا الربا ومن هذه المافيا الاقتصادية، عن طريق التبادل المباشر بين الدول المعادية لامريكا أولا. ومن ثم اشكال معقدة أكثر.
في البداية سوف تتبادل الصين وايران وتركيا وروسيا وغيرهما، ستتبادل هذه الدول النفط مقابل البضائع من دون الحاجة الى الدولار والى البيت الابيض للصرافة. وبعد ذلك سيجترح العالم طريقة للعيش من دون هيمنة أمريكا.
ومن اكبر الاخطاء في التاريخ المعاصر ان المثقفين الامريكيين نشروا كذبة ( العالم لن يستطيع العيش من دون التكنولوجيا الامريكية) . ولكن هذه مقولة أمريكية تتغافل قاعدة علمية واحدة تنقضها وهي: لا يمكن إحتكار المعرفة البشرية.
مسألة وقت وسيفقد البيت الابيض نفوذه على الأمم المتحدة، وعلى ايران وكوريا وسوريا وليبيا والعراق وتركيا وفنزويلا وكوبا وروسيا واوروبا والشرق الاوسط والمكسيك وامريكا اللاتينية كلها.
ومسألة وقت ويسقط ترامب وسواء مكث في الحكم اربع سنوات أو ثماني سنوات فهو سيغادر مثل غيره. وصدق ترامب حين قال إن الامريكيين سوف يشعرون بالفقر لانهم سيفتقدون الكاش. ولكنهم سيدركون بعد فوات الأوان أن الأخطر هو شيكاتهم الراجعة في وعي العالم.
لن يثق العالم بالاقتصاد الامريكي مرة أخرى، وسيضطر السيد الجديد للبيت الابيض لصرف أضعاف المليارات التي سرقها ترامب من دول العالم لإستعادة الهيبة والثقة. وسوف يتوسلون لشعوب العالم وللامم المتحدة ان يتبرعوا بمئات المليارات لمشاريع إنسانية جديدة في نفس الإماكن التي حرمها ترامب الان.
ولكن دول العالم حينها ستكون قد اعتادت انظمة مالية اخرى، وسيكتشوف أن الزكاة والاقتصاد الاسلامي والاشتراكي والصيني والاسيوي أفضل الاف المرات من العودة الى الدولار الامريكي الذي خدعهم وسرق كنوز بلادهم.
"وما نيل الخلود بمستطاع"