افراسيانت - لم تعلن بعد أي شخصية في ليبيا عزمها الترشح للانتخابات الرئاسية المرتقبة هذا العام، لكن بعض المؤشرات ظهرت هذه الأيام تدفع باتجاه ترشيح الجنرال خليفة حفتر قائد الجيش الليبي للرئاسة.
ومع أن الرجل يمتلك شعبية كبيرة خاصة في الجهة الشرقية تؤهله لأن يكون مرشحًا بارزاً لرئاسة البلاد، إلا أن بعض الأطراف الداعمة له في المنطقة نفسها ترفض بشدة تحوّل دوره من قائد عسكري إلى زعيم سياسي، وتعارض بقوة تخلّيه عن القيادة العسكرية لصالح السلطة السياسية.
وكان الجيش الليبي الذي يقوده حفتر رحبّ بإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية هذا العام وأعلن استعداده لتأمينها، كما دعت القيادة العامة للجيش الليبي، كل العسكريين إلى التسجيل في الإنتخابات وخاصة منها الرئاسية، في مؤشر اعتبره العديد دلالة على وجود نيّة لدى حفتر لترشيح نفسه للانتخابات، خاصة بعد أن ألمح في خطاب ألقاه منتصف ديسمبر الماضي، تاريخ انتهاء صلاحية اتفاق الصخيرات، إلى ذلك عندما قال إنه "سيستمع إلى صوت الشعب الليبي الحر ولن يخضع إلا لسلطة الشعب".
وتأتي تلميحات حفتر وسط دعم كبير داخل ليبيا وحتى خارجها لفكرة دخوله للمنافسة على الرئاسة وقيادة البلاد في الفترة المقبلة، من خلال إطلاق حملات شعبية في عدة مدن بالشرق تطالب بتفويضه لرئاسة البلاد، وترى فيه القدرة على المسك بزمام الأمور وانتشال ليبيا من الفوضى التي تعيشها، وتنظر إليه كونه الفرصة الوحيدة لتحقيق الإستقرار.
الرجل القوي في الشرق الليبي
ويعدّ حفتر اليوم من أهم الشخصيات النافذة في ليبيا التي تتربع على عرش المشهد السياسي والعسكري، وينظر إليه كرجل قوي بعد أن استطاع تحقيق انتصارات عسكرية ضد الجماعات الإرهابية ودحر تطرّفها من المدن الليبية التي تقع تحت سيطرته، ونجح في إرساء الأمن والاستقرار لا سيما في مدن الشرق الليبي، وكرّد جميل على ذلك، يقود الناس هناك حملات لإقناعه بخلع البذة العسكرية وتعويضها باللباس المدني، لاستكمال بناء الدولة وعلى رأسها مؤسستى الجيش والشرطة.
وفي هذا السايق، يرى الكاتب والمحلل السياسي عبد العزيز الرواف، في حفتر "أكثر شخصية في ليبيا قادرة على قيادة البلاد وتمتلك كل المؤهلات والشروط التي تؤهلها للعب هذا الدور"، مضيفاً أن "أغلب الشارع الليبي وفق سبر أراء جرى منذ فترة يدعم هذا الأمر، لأن حفتر هو الإسم الوحيد الذي لو قرر الترشح للانتخابات سيكتسحها بقوة نظرا للشعبية التي يمتلكها"، موضحاً أن "اسمه مطروح بقوة ولديه قبول كبير بين مختلف فئات الشعب ليس في الشرق فقط وإنما في كل المدن الليبية حتى العاصمة طرابلس التي تسيطر عليها المليشيات التابعة لجماعة الإخوان".
وتابع الرواف "قائلاً "هو رجل دولة وليس قائدا عسكريا فحسب، عمل سابقا في عدة مراكز قيادية ويمتلك خبرة في إدارة دواليب السلطة، إذا سارت الانتخابات وفق أجواء ملائمة وبدون تدخل خارجي أو تدخل مليشيات وشخصيات إرهابية تحديدا في مصراته وطرابلس، ستكون له حظوظ كبيرة وسيفوز بنسبة 80 بالمائة".
دعم داخلي وخارجي
فكرة ترشح حفتر للرئاسة مطروحة ومدعومة ليست في الداخل الليبي فقط، حتى خارجه، حيث عبّرت عدة أطراف دولية عن عدم ممانعتها في قيادة حفتر للبلاد من بينها وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون الذي صرح إثر زيارته إلى ليبيا في شهر أغسطس من العام الماضي لإحدى الإذاعات البريطانية، بأن "قائد الجيش الوطني خليفة حفتر تعهد بالتخلي عن الحكم العسكري، في صورة ما نجح وأصبح رئيساً للبلاد"، كما تعاملت عدة دول أخرى خلال الأشهر الماضية مع حفتر كطرف سياسي أكثر من كونه قائد عسكري خلال محاولاتها إيجاد تسوية للأزمة الليبية بين مختلف الأطراف المتنازعة.
لكن هذا السيناريو لا يحظى بالإجماع، حيث ترفض أطراف أخرى في ليبيا من القبائل والجماعات التي دعمت وصوله لقيادة الجيش، المساس برأس القيادة العسكرية (حفتر )، لا سيما بعد أن نجحت في السيطرة على أغلب الأراضي الليبية وتمكنت من دحر الجماعات الإرهابية، وترغب في حصر دور حفتر في العمل العسكري والاهتمام ببناء مؤسسة عسكرية موحدة وقيادة جيش نظامي يستطيع السيطرة على الحدود ومكافحة الجماعات الإرهابية بمختلف توجهاتها وانتماءاتها وأماكن انتشارها.
"التركيز على بناء المؤسسة العسكرية"
وفي هذا السياق، اعتبر الناشط السياسي فرج فركاش، أن "دور حفتر يجب أن ينحصر خلال المرحلة المقبلة في التركيز على بناء المؤسسة العسكرية مع نظرائه من أبناء المؤسسة على أسس سليمة وصحيحة و خالية من الشوائب، ومن أي إيدولوجيات فكرية أو جهوية، يكون ولاؤها للوطن، وسيذكر له الشعب الليبي ذلك، وليترك وحل السياسة لغيره".
وأضاف فركاش ، أنّ "بعض الاستفتاءات غير العلمية التي أجريت مؤخرا، تعطي انطباعا عن تراجع شعبية حفتر خاصة في برقة، وذلك لأن العديد لا يرغبون في رؤيته رئيسا بل قائدا للجيش، إضافة إلى بعض الأخطاء التي ارتكبها مؤخرا ووجود عناصر محسوبة على التيار السلفي ضمن قيادات الجيش والتي أصبحت تتدخل في مناحي الحياة في الشرق الليبي".
بدوره أكد الناشط الحقوقي ومدير المنظمة الليبية لحقوق الإنسان أحمد حمزة، أنّه "يجب على حفتر أن يلتزم فقط بمهامه العسكرية بعيدا عن الطموحات السياسية"، مضيفا ، أنه "إذا رغب في الترشح وخوض غمار الانتخابات الرئاسية يجب أن يستقيل من المؤسسة العسكرية وسيكون قرار الليبيين في من يرونه مناسبا لقيادة البلاد هو الفيصل".
يذكر أن القوانين الليبية الحالية لا تسمح بترشح حفتر للانتخابات، ويقول الإعلان الدستوري في المادة 53 "يلتزم الجيش بعدم المساس بالنظام الدستوري، ويحظر على الضباط وضباط الصف والجنود الاشتغال بالعمل السياسي"، في انتظار إصدار قانون الانتخاب الجديد الذي سيحدّد مشاركة العسكريين في الانتخابات من عدمها.
لكن إمكانية خوض حفتر للانتخابات الرئاسة القادمة ستكون رهانا خاسرا، حسب أنصار النظام السابق، لأنه سيجد نفسه وجها لوجه أمام مرشحهم سيف الإسلام القذافي الذي سينهي طموح حفتر السياسي وآمال الموالين له في رؤيته قائدا للبلاد.
ويرجع مصدر مقرب من سيف الإسلام ذلك إلى أن "أغلب القبائل التي تدعم الجنرال خليفة حفتر على رأس المؤسسة العسكرية هي من القبائل الموالية لنظام معمر القذافي، كما أن عدة عناصر من الجيش الذي يقوده هي من القيادات العسكرية للنظام السابق التي تدعم اليوم ترشح سيف الإسلام القذافي"، مؤكدا أنه "من الأفضل أن يكتفي حفتر بدوره العسكري فقط إذا ما أراد أن يكون له شأن في مستقبل ليبيا".