افراسيانت - إدريس الكنبوري - أثار موقف وزير الداخلية البلجيكي، جون جانبون، حول رفض بلاده قبول عودة المقاتلين البلجيكيين في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ورفض الحوار معهم، تساؤلات حول مخاوف العواصم الأوروبية من المقاتلين العائدين بعد دحر التنظيم ونهاية حلم الخلافة الإسلامية الذي تغنى به طوال أربعة أعوام وجعله طُعما لتجنيد عشرات الآلاف من المتطوّعين الأجانب الذين صدّقوا الأكذوبة ومشوا وراءها.
الوزير البلجيكي حسم الأمر قائلا إن هؤلاء المقاتلين “اختاروا طريقا مختلفا، ويعلمون أن لما قاموا به عواقب”. وقد جاء ذلك الموقف في إطار الرد على مطالبة طارق جدعون، وهو مقاتل بلجيكي سابق في صفوف داعش، بالعودة إلى البلاد والتعاون مع السلطات البلجيكية، الأمر الذي رفضته الأخيرة.
ويظهر موقف السلطات البلجيكية من هذه الحالة ظاهرة الخوف من هؤلاء العائدين وغياب الثقة فيهم، مهما تكن المواقف والتصريحات التي يدلون بها لوسائل الإعلام أو للسلطات المسؤولة حول احتمال تغيير قناعاتهم أو استعدادهم للتعاون في سياسة محاربة التطرف والإرهاب.
فالحكومات الأوروبية باتت اليوم أشدّ تخوفا من أن يصبح هؤلاء طابورا خامسا في خدمة أجندة الجماعات الإرهابية المسلحة، بما يحوّل البلدان الأوروبية في المستقبل المنظور إلى ساحة لتنفيذ الهجمات الإرهابية. فليس من السهل أن تتحول قناعات المحاربين السابقين في صفوف التنظيم الأكثر همجية في تاريخ الجماعات الإرهابية، وأن يصبحوا بين عشية وضحاها حملانا وديعة بعد أن كانوا ذئابا بشرية مفترسة.
ويستند هذا التخوف على الأدبيّات التي روّجها تنظيم داعش نفسه في أوساط مقاتليه. فخلال السنوات الأربع الماضية ظل التنظيم يرفع شعار “باقية وتتمدد”، في إشارة إلى خلافته المزعومة. وإذا كان التنظيم اليوم قد خسر الأراضي التي كانت يسيطر عليها في العراق وسوريا وبات في حكم الأفول، بما ينهي بقاءه في المناطق التي كان يبسط فيها هيمنته، فإن شعار التمدد لن يكون بالضرورة مرتبطا بالمجال الجغرافي الذي كان يتحرك في إطاره، ولا باستمرار قيادته المركزية في الرقة، بقدر ما يمكن أن يصبح تطلعا إلى التمدد داخل البلدان الأوروبية عبر تنفيذ هجمات جديدة يوجه من خلالها التنظيم رسائل إلى مقاتلين وأنصاره بأنه موجود، ويغيّر استراتيجيته الإرهابية من البنية الهرمية المركزية إلى البنية العنقودية، وهذا أسوأ احتمال متوقع خلال الفترة المقبلة.
يغير داعش استراتيجيته من البنية الهرمية المركزية إلى البنية العنقودية، وهذا أسوأ احتمال متوقع خلال الفترة المقبلة
رغم صعوبة حصر أعداد المقاتلين الأجانب مع تنظيم داعش، نظرا لتعدد المعابر التي كانوا يسلكونها للالتحاق بالتنظيم، وسهولة التحرك بين البلدان الأوروبية بما يجعل من الصعب التعرف عليهم، فإن المصالح الأمنية الأوروبية في مجال مكافحة الإرهاب تعطي أرقاما متفاوتة حول أعدادهم.
وتقول المصادر الرسمية الفرنسية إن عدد الفرنسيين الذين تجندوا مع التنظيم منذ العام 2013 يبلغ قرابة 1700 شخص، قتل منهم ما بين 400 أو 500، وعاد منهم حوالي 250 شخصا، لكن مصير المقاتلين الآخرين لا يزال مجهولا، وبينهم حوالي 500 شخص يتوفرون اليوم على خبرة في مجال استعمال الأسلحة وتنفيذ الهجمات، بالنظر إلى المهمات التي كانوا يضطلعون بها في التنظيم. ولا يعرف عدد المقاتلين من ألمانيا، لكن هذه الأخيرة تقول إن قرابة 270 شخصا عادوا خلال الفترات الأخيرة، وهو رقم لا يشكل سوى 10 في المئة من حجم هؤلاء المقاتلين، بينما تقدّر المصالح الألمانية أن نسبة الذين لا يزالون متشبثين بالبيعة لتنظيم البغدادي تقدر بنحو 48 في المئة، فيما تقول إن حوالي 25 في المئة أظهروا استعدادهم للتعاون مع السلطات الألمانية، ولكن الشكوك الكبيرة في نواياهم لا زالت قائمة وهي تحول دون حوار سليم معهم لمعرفة توقعاتهم.
أما منسق الحرب ضد الإرهاب في الاتحاد الأوروبي، جيل دو كيرفوش، فهو يقدر عدد المقاتلين الأوروبيين في التنظيم بنحو 2000 إلى 2500. لكن هذا الرقم نسبي ولا يعكس الحقيقة كاملة. وفي ظل مخاوف الحكومات الأوروبية من هؤلاء المقاتلين، دعت اللجنة الأوروبية إلى إدخال تعديلات على القوانين الحالية المتعلقة بمراقبة الحدود داخل الاتحاد الأوروبي، بشكل يسمح بتشديد المراقبة بطريقة استثنائية لمدة ثلاث سنوات على الأقل لمجابهة المخاطر الإرهابية وتحديد هويات العائدين وتكثيف المراقبة المستمرة عليهم.
لكن، ونظرا لاحتمالات تسلل هؤلاء وسط المجتمعات الأوروبية والانخراط في الجمعيات الدينية والعمل تحت مظلاتها، تستعد بعض الحكومات الأوروبية، مثل ألمانيا وفرنسا، لتشديد المراقبة على الجمعيات ذات الطابع الإسلامي فيهما. وأعلنت الحكومة الألمانية عن قرار جديد بإعادة دراسة ملفات جميع الجمعيات الإسلامية للتحقق من أنشطتها، بينما أعلنت باريس هذا الأسبوع أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيطلق خلال بداية العام 2018 خطة جديدة لمحاربة الإرهاب والتطرف في البلاد، تشمل الجمعيات والمنظمات الإسلامية، وهو الأمر الذي يعني أن معضلة المقاتلين العائدين ربما قد تنعكس على المناخ العام في البلدان الأوروبية وتفرض إعادة نظر في القوانين المنظمة للجالية المسلمة فيها.