افراسيانت - رشيد شاهين - حسنا فعل الرئيس الفلسطيني محمود عباس عندما تحدث من على أهم منبر في العالم "الأمم المتحدة"مستذكرا ومذكرا، انه وبعد ربع قرن من الزمان على اتفاق أوسلو، ما زال الاحتلال قائما، وان أوسلو وصل إلى نهاية بائسة.
النهاية البائسة التي وصل إليها هذا الاتفاق، كان الكثير من الكتاب والمحللين والسياسيين والأكاديميين قد وصلوا إليها قبل زمن طويل، وكان على الرئيس عباس أن يصل أيضا إلى تلك النتيجة، إلا أن "المكابرة" والمراهنة على "سراب" المفاوضات التي لم تنقطع، والاعتماد على مجموعة من المستشارين الذين كانوا ممعنين في "تزويق" أوسلو وان الحياة مفاوضات، هي من جعل الفترة تطول إلى كل هذا الوقت.
لقد فعلت سنوات المفاوضات فعلها "القاتل" على الأرض الفلسطينية المحتلة، فبعد ان كان عدد المستوطنين حوالي المائة ألف في الأراضي المحتلة مع بداية أوسلو، أصبح الآن حوالي 800 ألف مستوطن، وهذا الرقم مرشح للوصول الى مليون مستوطن بحسب خطط نتانياهو في العام 2020.
ليس هذا فقط، وإنما زاد على ذلك ان أي أمل في إقامة "كيان" فلسطيني مستقل ومتصل جغرافيا وغير خاضع لسيطرة الاحتلال، أصبح غير ممكن بسبب طبيعة انتشار المستعمرات الصهيونية والحديث المعلن دوما عن السيطرة المستقبلية على الأغوار، هذا بالإضافة الى ما جرى وما زال يجري في مدينة القدس التي صار من غير الممكن ان تكون جزءا من أي "كيان" فلسطيني مستقبلي، حيث فعل الاحتلال فعله في المدينة من اجل الوصول الى هذه النتيجة.
بعد ربع قرن من المفاوضات "العبثية" ووساطة أمريكية كانت دوما غير نزيهة تتمثل في الأغلب بأشخاص هم أكثر تشددا من بعض الصهاينة، أتى السيد ترمب الذي ما زال حتى اللحظة لم ينطق أبدا بكلمة واحدة تتعلق بحل "الدولتين" وإنما يتحدث بعبارات مطاطة عن سلام لا يعرف أحد كنهه أو ماهيته.
إضافة الى ذلك، فانه أصبح من الملاحظ ان الاحتلال يسعى بكل ما يملك الى إلغاء كلمة احتلال من قاموس الإعلام والسياسة والعالم، ويسعى الى الوصول الى زرع مليون مستوطن في الضفة الغربية من اجل البحث مستقبلا ليس موضوع الاحتلال وإنما موضوع يتعلق بالديموغرافيا ليس إلا وان الأمر لا علاقة له باحتلال دولة لدولة وشعب آخر.
حيث ان الرئيس الفلسطيني قد أشار الى ان حل الدولتين عمليا انتهى، برغم تمسك الجانب الفلسطيني بحقه في تقرير مصيره وحقه في إقامة دولته على حدود الرابع من حزيران 1967، فانه كان من الجيد الإشارة الى البديل الآخر الذي أصبح شبه حتمي، وهو الدولة الواحدة لشعبين على ارض فلسطين التاريخية.
إثارة موضوع الدولة الواحدة، يجب ألا تكون مجرد إشارة أو إثارة تكتيكية، حيث ان الواقع على الأرض لا يحتمل مثل هذه "التكتيكات" في ظل "الغول" ألاحتلالي الذي يعمل ليل نهار على إلغاء حل الدولتين، وعليه فان على الجانب الفلسطيني، ان يكون قد بدأ بوضع الخطط والاستراتيجيات من اجل إقناع العالم في موضوع حل الدولة الواحدة.
حل الدولة الواحدة الذي كان احد الخيارات الفلسطينية بداية السبعينات من القرن الماضي، ليس مجرد فكرة "حالمة" أو "واهمة" غير قابلة للتطبيق، وهو حل مقبول لدى جهات كثيرة في العالم على المستوى الشعبي والحزبي، وهو ينفي ما عمل عليه الاعلام الصهيوني طيلة عقود من أن الفلسطيني والعربي بعامة يرغب بمحو اليهودي عن وجه الأرض، وهو بالإضافة إلى ذلك يوفر إمكانية حق العودة بدون كثير من التعقيدات حيث سيكون بإمكان أي فلسطيني العودة.
حل الدولة الواحدة سيكون الخيار الأنجع والأفضل لجميع الأطراف، خاصة عندما نعلم ان حل الدولتين لن يرضي الكثير من أبناء فلسطين وخاصة اللاجئين منهم، عدا عن العديد من الفصائل والأحزاب الفلسطينية، مما يجعل هذا الحل مهما طال حلا مؤقتا، قد ينهار في أي لحظة أو نتيجة أي خرق أو عمل من غير الموافقين عليه، وبالتالي فان المطلوب من القيادة الفلسطينية العمل بكل ما يمكن لإقناع العالم بان المطلوب الآن هو حل الدولة الواحدة على ارض فلسطين التاريخية.
العمل على هذا الحل، ومن أجل الخروج من نفق وتداعيات أوسلو، يفرض على الجانب الفلسطيني بداية أن ينهي انقسامه البغيض المستمر منذ عشرة أعوام، كما يفرض عليه أن يقدم نفسه إلى العالم بشكل موحد وبخطاب موحد كما هو حال العدو الصهيوني الذي برغم ما فيه من تناقضات وخلافات بين أحزابه ومكوناته، إلا انه يقف موحدا في مخاطبته للعالم.