صنعاء - افراسيانت - صالح البيضاني - أخذت الأزمة بين الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح والحوثيين منحى تصعيديا يهدّد بانفجار كبير، بعدما أكد قادة في ميليشيا الحوثي مجددا نيتهم عرقلة تظاهرة كبيرة ينوي أنصار صالح تنظيمها الخميس المقبل في صنعاء.
وردّ الرئيس السابق على تصرّفات ميليشيا “أنصار الله” عبر اتهامها بعدم احترام اتفاق الشراكة بين الجانبين، وأنها تعمل “على تمزيق الجبهة الداخلية”، وهدد بفك الشراكة مع الحوثيين تماما، لكنّه دعا أنصاره في الوقت ذاته إلى التحلي بـ”الصبر والحكمة”.
وتزامن ذلك مع احتشاد العشرات من اليمنيين أمام مقر وزارة الخارجية اليمنية بالعاصمة صنعاء الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، رافضين التدخلات الإيرانية في اليمن.
وندد المحتجون بالتدخلات الإيرانية في الشأن اليمني، واستغلالها للأزمة اليمنية ودعمها للحوثيين بالمال والسلاح لتفتيت النسيج الاجتماعي اليمني وتغذية النزعة العنصرية والطائفية لدى أوساط اليمنيين.
وقالت مصادر في العاصمة صنعاء إن الوقفة الاحتجاجية ضد إيران نظمها قياديون في حزب صالح، وهو الأمر الذي يؤكد أنها جاءت كرد على اتهامات زعيم الحوثيين لصالح وللمؤتمر بالعمالة للخارج، في إشارة إلى أن الحوثيين عملاء لإيران.
ودعا أنصار علي عبدالله صالح إلى تنظيم تظاهرة كبيرة ومهرجان خطابي الخميس المقبل بمناسبة مرور خمسة وثلاثين عاما على تأسيس حزب “المؤتمر الشعبي العام” الذي يتزعّمه صالح.
وأثارت هذه الدعوة مخاوف الحوثيين الذين باتوا يرون في التظاهرة تحديا مباشرا لهم، خصوصا بعدما رفع أنصار الرئيس السابق شعارات من بينها الدعوة إلى “الوحدة الوطنية” وإلى حوار وطني “لا يستثني أحدا”.
وقال مصدر سياسي , إن أكثر ما يخشاه الحوثيون هو دخول علي عبدالله صالح في مفاوضات مع خصومه تؤدي إلى صفقة على حسابهم.
وبعد ساعات من خطاب تصعيدي ألقاه زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي، وحمل الكثير من الرسائل التحذيرية لحزب صالح، لجأ الحوثيون إلى تمزيق لافتات عدّة رفعت في شوارع صنعاء مركّزين على إزالة صور علي عبدالله صالح من هذه اللافتات.
لكنّ سرعان ما حضّ صالح أنصاره على عدم الردّ على استفزازات الحوثيين، في خطاب ألقاه الأحد أمام حشد من قيادات حزبه في صنعاء، ولم يخل من رسائل مضادة لعبدالملك الحوثي، وتفنيد متعمد لخطابه.
وهدد صالح الحوثيين قائلا “تريدون أن نبقى معكم في الشراكة بإدارة البلاد في إطار (لا ضرر ولا ضرار)، وفي إطار الدستور والقانون، فمرحباً بكم على العين والرأس”.
وأضاف “إذا أردتم العودة للسلطة منفردين فعليكم إبلاغنا وسينسحب المؤتمر (حزب المؤتمر الشعبي العام) ولا يكون أي خلاف”.
واتهم صالح الحوثيين بـ”إفراغ الدولة من محتواها، والانقلاب على كل الاتفاقات التي تمت بينه وبين الحوثيين”، في معرض رده على حديث الحوثي عن مشاركة صالح بـ”واحد في المئة فقط من إدارة الدولة”.
وكشف صالح عن “تعطيل الحوثيين لكل المؤسسات المشتركة التي تم تشكيلها عقب التوقيع على اتفاق الشراكة بين الطرفين في أغسطس 2016”.
وقال إن “المجلس السياسي الأعلى الذي شكل من الطرفين بموجب الاتفاق تلاشى أمام تدخلات اللجنة الثورية العليا التي تهيمن على قراراته”، في إشارة إلى محمد علي الحوثي، الذي يتزعم التيار الرافض للتحالف مع صالح.
كما تحدث عن “خضوع قرارات مجلس الوزراء للمجلس التنفيذي للحوثيين”، إضافة إلى “تسلط مشرفي الحوثيين على عمل الوزراء ومختلف مؤسسات الدولة، وكذلك تنصل الحوثيين من التزاماتهم بتوريد كافة الإيرادات للخزينة العامة”.
ولوح الرئيس السابق في خطابه إلى إمكانية “مغادرة المؤتمر للتحالف مع الحوثيين في حال رغبوا في التفرد بالقرار السياسي والإداري” في المناطق الخاضعة للانقلاب، وهدد كذلك بأن “من يحاول إشعال الحرب في صنعاء لن يخرج منها سالما”.
ونقل أحد مساعدي صالح عنه قوله “علينا رفض الدخول في لعبتهم. المهمّ ألا يتمكّنوا من تعطيل التظاهرة والمهرجان”.
وقال مواطنون موجودون في صنعاء إن الأجواء في العاصمة اليمنية مشحونة. وأوضح هؤلاء “الحوثيين يتصرّفون وكأنّهم فقدوا أعصابهم”، وذلك في ظلّ تذمّر شديد في صفوف اليمنيين من انقطاع رواتب موظفي الحكومة اليمنية والحصار الذي تتعرّض له صنعاء.
وفي الكلمة التي وزعتها وسائل الإعلام التابعة لصالح، قال إن المشكلة التي يعاني منها المواطنون في صنعاء تعود إلى تحكّم الحوثيين بكل مفاصل المؤسسات الحكومية في العاصمة اليمنية، وذلك عبر “اللجان االشعبية” التي شكّلوها.
وأضاف “هناك حكومة فوق حكومة الإنقاذ، وهي المكتب التنفيذي لأنصار الله”.
وللتصعيد السياسي والإعلامي المباشر بين صالح والحوثيين تطور ملفت يؤكد عمق الخلاف بين الطرفين، إذ كان يتم في السابق تبادل الاتهامات من خلال مستويات أقل، وسرعان ما يقوم الحوثي وصالح بانتقادها والتخفيف من حدتها.
ويقول الكاتب والسياسي اليمني علي البخيتي إن زيادة حدة التوتر بين الحوثيين والمؤتمر هي “إحدى نتائج انحياز عبدالملك الحوثي لجناح الصقور في الحركة؛ والذين يدفعون باتجاه القضاء على المؤتمر الشعبي العام بعد تنامي شعبيته بشكل أرعبهم، بوصفه العقبة الباقية أمام الجمهورية الإسلامية الحوثية في الشمال على غرار الجمهورية الإسلامية في إيران”.
واستبعد البخيتي لجوء المؤتمر وصالح إلى الصدام المسلح في هذه اللحظة لأن “معادلة القوة لا تزال في صالح الحوثيين بعكس معادلة الشارع التي يتحكم فيها المؤتمر ورئيسه”.
ولفت البخيتي، وهو قيادي سابق في ميليشيا الحوثي، إلى أن “صالح داهية لا يريد الاصطدام بهم؛ إلا إذا قرروا ذلك، وسيتجنبهم كثيرا ويتحملهم أكثر، وعندما يقرر أن يطلق عليهم أول رصاصة من باب الدفاع عن النفس لن يطلقها إلا بعد أن يطمئن إلى أنهم سيهزمون، وقبل ذلك سيمارس الفعل السياسي السلمي والجماهيري”.
والسبت وجه الحوثي في خطاب متلفز اتهامات لحزب صالح بـ”لعب أدوار مزدوجة”، قائلا إنهم “يتيحون للخونة الذهاب إلى الرياض والوقوف في صف العدوان”، مشيرا إلى أن أنصار الله “يتلقون طعنات في الظهر”.
كما اتهم الحوثي قوات الرئيس السابق بـ”خذلان مسلحي الجماعة في الحرب”، وقال إن “بعض القوى السياسية لم تتفاعل مع الدور المسؤول والمطلوب لمواجهة العدوان”.
واعتبر عادل الشجاع، عضو اللجنة العامة لحزب المؤتمر (جناح صالح)، خطاب عبدالملك الحوثي بأنه “خطاب تحريضي على الشعب اليمني، وخطاب تحريضي على السلم الاجتماعي”.
وأضاف “بدا واضحا أنه خطاب انتحاري يدل على الانهيار الذي وصلت إليه الجماعة، فبعد ثلاث سنوات من التدمير الممنهج لمؤسسات الدولة، تذكر عبدالملك أن هذه المؤسسات معطلة ودعا إلى تفعيلها”. ووصف الشجاع تمزيق صور صالح بأنه “يدل على حجم الضعف الذي وصلت إليه الجماعة فتعوضه باستخدام العنف ضد صور”.
وأصابت شعارات فاعلية الخميس المقبل الحوثيين بقلق بالغ. وتتمحور هذه الشعارات حول “المصالحة الوطنية الشاملة”، وهي رسائل يعتبر الحوثيون أن صالح يبعثها للخارج بهدف عقد صفقة مع المحيط الإقليمي على حساب الحوثي الذي يستمر في التحالف مع صالح على مضض، حتى توفّر الفرصة المواتية للانقضاض عليه وفقا لما يميل إليه القطاع الأكبر في الجماعة.
ويعارض كثيرون في قيادة ميليشيا الحوثي تمكين المؤتمر من لعب أي دور حقيقي في المستقبل، على حساب الرغبة الجامعة للتيار الحوثي الراديكالي الذي يفضل الاستحواذ على السلطة بشكل كامل، وتمثيل شمال اليمن بشكل منفرد.
ويرى الباحث السياسي اليمني ثابت الأحمدي أن “الخلاف بين صالح والحوثي أمر متوقع من أول يوم للتحالف، فهو ينطوي على حذر، لأن ما يفرق الطرفين أكثر مما يجمعهما، لا سيما وأن خلافهما معمّد بالدم”.
ويشير الأحمدي إلى أن المؤتمر الشعبي العام وزعيمه صالح قائمان على براغماتية سياسية مفرطة في التكتيكات، بناء على المصالح، والمصالح بطبيعتها متحولة وغير ثابتة؛ خلافا لجماعة الحوثي القائمة على “الاستراتيجية” المذهبية، المستندة على نظرية تاريخية صلدة غير متحولة وجامدة، ولا تقبل القسمة إلا على نفسها فقط.
ويؤكد الأحمدي أن الإقليم والمجتمع الدولي ضمنا لصالح مصالحه، فإنه سيلقي بالحوثي إلى الهاوية، وليس بعيدا أن يقدم على عقد تحالفات جديدة حتى مع خصومه اليوم في الشرعية، ولن يعدم المبررات لكل تحولاته هذه.
وعن النتائج والتداعيات التي سيفضي إليها الخلاف، يضيف الأحمدي”حتما سينفض عقد الشراكة بين الطرفين، مع أن هناك تيارا داخل جماعة الحوثي حريص جدا على بقاء العلاقة بينهما، يتزعمه يحيى الشامي. وسنكون أمام سيناريوهين اثنين؛ إما المواجهة العسكرية بينهما داخل شوارع العاصمة تحديدا، وهي مواجهة لها ما بعدها، كون العاصمة صنعاء ملغومة بمختلف أنواع الأسلحة لكلا الطرفين معا. وفي هذه الحالة قد يطول الصراع. ولن يقنع الحوثي بغير رأس صالح على أي حال. وفي حال استطاع “قطف” رأسه فمن المؤكد أن كثيرا من أتباع صالح سيكونون ضمن التركة الجديدة للحوثي.
أما السيناريو الآخر حسب البخيتي فهو “أن يعلن صالح انقلابه على الحوثي، وفض الشراكة، ثم مباغتة أتباع الحوثي، وخاصة الرموز الكبيرة والمؤدلجة بضربات خاطفة، وقد استكمل تحشيد أتباعه الذين بمقدورهم ملاحقة الحوثيين إلى كهوف مران، وفي هذه الحال سيلتف الشعب اليمني حول صالح من جديد، وسيجد نفسه زعيما أكبر، ليس لدى أتباعه فحسب؛ بل لدى كل اليمنيين تقريبا، شمالا وجنوبا عدا القلة القليلة، بصرف النظر عن الجناية التاريخية التي ارتكبها سابقا بالتحالف مع هذه الجماعة الإمامية التي يبغضها الشعب”.