افراسيانت - محمد الطاهر - إلى ماذا ترمي أنقرة بعمليتها العسكرية البرية في جرابلس السورية الحدودية، والتي مهدت لها بقصف مدفعي وأرسلت دبابات وقوات خاصة، مفسحة المجال لفصائل معارضة للسيطرة عليها؟
تقول أنقرة إن عمليتها العسكرية التي أطلقت عليها اسم "درع الفرات" موجهة ضد "داعش" وضد وحدات حماية الشعب التابعة للاتحاد الديموقراطي الكردي، التنظيمان اللذان تضعهما أنقرة معا في سلة الإرهاب، فما الجديد في هذا التحرك التركي؟
من خلال تصريحات المسؤولين الأتراك يمكن رؤية عدة أهداف مباشرة للعملية العسكرية التركية في جرابلس والتي شاركت فيها مقاتلات أمريكية، أهمها:
- انسحاب مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية من مناطق غرب الفرات إلى شرقه.
- طرد مسلحي "داعش" من جرابلس وتسليم المدينة لفصائل تنتمي للجيش الحر من بينهم تركمان.
- تمركز قوات تركية داخل الأراضي السورية قرب الحدود.
هذه الأهداف تحققت بسرعة بما فيها انسحاب المقاتلين الأكراد إلى شرق الفرات، بل إن نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن هدد الأكراد بحرمانهم من الدعم الأمريكي في حال عدم تحقيق ذلك، وتولى لاحقا إبلاغ السلطات التركية بأن المقاتلين الأكراد بدأوا في الانسحاب إلى شرق الضفة، فماذا يعني ذلك؟
يبدو أن الإدارة الأمريكية تحاول احتواء التوتر مع تركيا الذي كان ازداد حدة بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة، وفي نفس الوقت الوقوف ضد أي تغير محسوس في السياسة الخارجية التركية، وخاصة حيال الموقف من دمشق ومن توثيق العلاقات مع روسيا.
وكانت الخارجية الروسية أعربت بالخصوص عن قلقها من احتمالات تدهور الوضع الأمني وتصاعد الخلافات العرقية في منطقة الحدود السورية التركية، ودعت أنقرة، قبل ذلك، إلى تنسيق جهود محاربة الإرهاب مع دمشق.
وبالمقابل، أدانت دمشق العملية العسكرية التركية، وشددت على أن محاربة الإرهاب لا تكون بطرد "داعش" وإحلال تنظيمات إرهابية أخرى محله.
وفي نفس الوقت، ذكر رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم في حديث تلفزيوني أن حكومة الرئيس السوري بشار الأسد لا يمكن تجاهلها من أجل إيجاد حل سياسي للصراع السوري، لكن لا يُعرف حتى الآن إلى أين تريد أنقرة أن تصل في هذا الاتجاه.
وأعلن يلدريم في وقت لاحق أن ما يهم بلاده في مناطق شمال سوريا الحدودية هو عدم احتلالها من قبل مقاتلي حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي المحلي وحزب العمال الكردي التركي.
لا تزال، في كل الأحوال، جهود الولايات المتحدة وتركيا في محاربة الإرهاب في سوريا تعتمد على تكتيكات ضيقة وتفاهمات نفعية، ولا يبدو أنها تركز على إنهاء الإرهاب بقدر محاولة كل طرف جمع نقاط وتحقيق مكاسب جيوسياسية، كما ظهر ذلك في عملية جرابلس.
وهكذا أسفرت هذه العملية العسكرية التركية الأمريكية عن انتقال مسلحي داعش من مدينة جرابلس إلى الباب، والمقاتلين الأكراد من منبج ومحيطها إلى الضفة الشرقية لنهر الفرات، وتمركز قوات تركية في المنطقة.
ويتعين في هذا الظرف انتظار الخطوات اللاحقة لمعرفة ما إذا كانت أنقرة وواشنطن تريدان فيما تريدان إحكام السيطرة على الحدود وقطع الطريق عن "داعش"، وفي الآن نفسه كبح جماح الطموح الكردي، أم أنهما في طور "جدال" عملي بشأن علاقاتهما وتحالفهما فيما يمكن أن يوصف بمحاولة الاحتواء والاحتواء المضاد، لغايات أبعد من مشاغل الأزمة السورية ومحاربة الإرهاب الذي كان يصول ويجول بحرية بين الحدود طيلة أكثر من خمس سنين.