افراسيانت - إن انسحاب "ثعلب السياسة التركية"، أحمد داود أوغلو، من رئاسة حزب العدالة والتنمية، أثار زوبعة وضجة وسط تركيا وخارجها، فالغرب فقد "رجُله" الإصلاحي الذي يتقن التعاون مع حلفائه.
فهذا الوداع الصامت بين "الفيلسوف أحمد والسلطان رجب"، ظهر في خطاب أحمد داود أوغلو، الخميس 5 مايو/أيار، الذي أوضح فيه أن تنحيته كانت نتيجة لضرورة ظهرت، وعلى الرغم من تأكيد بقائه "جنديا" في الحزب، إلا أن مغادرته القصر العثماني، طن صداها إلى خارج أسوار أنقرة.
"الإصلاحي" الذي خسره الغرب
منذ أيام، كثرت التسريبات والأقاويل بشأن وجود خلاف بين داود أوغلو ورجب طيب أردوغان، لتتأكد هذه المعلومات مؤخرا مع تصريح رئيس الوزراء التركي بنيته في عدم ترشحه لزعامة حزب العدالة والتنمية في المؤتمر القادم للحزب، ليخلف هذا "الزلزال السياسي" ضجة إعلامية داخل تركيا وخارجها.
ووفقا لصحيفة "فورين بوليسي"، فإنه مع خروج أحمد داود أوغلو من "الباب العالي"، فإن الغربيين فقدوا رجُلَهم المعتدل في أنقرة، لا سيما أن الاضطراب السياسي في تركيا يزيد مخاوف واشنطن من أن يعمق الخلاف بين أنقرة والإدارة الأمريكية بشأن قتال "داعش"، في الوقت الذي تصعد فيه أمريكا حملتها العسكرية، وتركيا هي شريك رئيسي في هذه الحملة.
وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية رفضت التعليق على انسحاب أوغلو من زعامة الحزب الحاكم في أنقرة، معتبرة الأمر "مسألة سياسية داخلية في تركيا"، فإن مهمة واشنطن تبدو عسيرة بعد سحب أردوغان البساط من تحت أقدام أوغلو، بحسب ما تراه النخبة السياسية الأمريكية.
فأردوغان انتقد الولايات المتحدة نفسها لدعمها المقاتلين الأكراد الذين ينظر اليهم الزعماء الأتراك على أنهم إرهابيين، وشكلت هذه المسألة "حجرعثرة" أمام التعاون الأمريكي التركي، إذ هدد أردوغان مرارا بانسحابه من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، إذا استمرت الأخيرة بالعمل مع الأكراد.
وحول هذه المسألة، اعتبر مسؤول أمريكي رفض الكشف عن هويته، أن غياب أوغلو من المشهد السياسي التركي، سيزيد من احتمال تعنت أنقرة بشأن تعاون واشنطن مع المقاتلين الأكراد.
وليست الولايات المتحدة وحدها، من تشعر بالقلق والحذر من مغادرة أوغلو، فأوروبا أيضا تبدو أنها تترقب تبعات ما سمته صحيفة "الغارديان" البريطانية بـ"الرحيل القسري" لأوغلو المقرب من الاتحاد الأوروبي، لأنه حسب -اعتقادها- يأتي في وقت سيئ مع تعثر حل الأزمة السورية.
واعتبر بعض المراقبين أنه في ظل غياب داود أوغلو المعتدل، الذي خفف وجوده من حدة سلوك أردوغان وحقق بعض التوازن، فإن اتفاق الاتحاد الأوروبي مع أنقرة بشأن اللاجئين قد يواجه قريبا أزمة شديدة.
داود أوغلو من "دمية"..إلى انقلاب القصر
لطالما وصفت المعارضة التركية أحمد داود أوغلو بـ"دمية" أردوغان منذ أن عين في أغسطس/آب 2014 على رأس الحكومة التركية، لكنها اليوم تعتبر خروجه هو "انقلابا من القصر"، بحسب ما صرح زعيم المعارضة الرئيسية التركية، كمال كيليجدار أوغلو.
ودعا كيليجدار أنه يجب أن لا ينظر إلى استقالة داود أوغلو على أنها قضية حزبية داخلية، مطالبا كل مؤيدي الديمقراطية بمقاومة ما سماها بـ "انقلاب القصر".
الإستقالة القسرية
لا بد من الإشارة إلى أن صعود داود أوغلو إلى رئاسة حزب العدالة والتنمية جاء بمباركة أردوغان نفسه عام 2014، لكن الخصام بين الرفيقين وصل إلى نقطة اللاعودة جراء اختلاف "رؤيتهما" للقضايا الداخلية في تركيا.
وكثيرة هي نقاط الاختلاف بينهما، إلا أن أبرزها هو نظام الحكم الجديد، حيث عمق النظام الرئاسي الخلاف بين أردوغان وأوغلو، إذ يرغب الرئيس التركي بشدة في إنشاء نظام حكم جديد في تركيا عوضا عن النظام البرلماني الحالي، في حين أبدى داود أوغلو دعمه للنظام البرلماني، معتبرا أن الشعب لم يفوض الحزب في تغيير نظام الحكم.
داود أوغلو "مفكر" السياسة التركية
كثيرة هي الألقاب التي أطلقت على أحمد أوغلو سواء من قبل خصومه أو حلفائه، لكن أغلبهم يعتبرونه بمفكر السياسة التركية، لأنه حسب اعتقادهم، "توليفة" ناجحة بين العلم والسياسة.
وولد أوغلو عام 1959 في مدينة قونيا وسط تركيا، ليلتحق بجامعة البوسفور ويحصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية عام 1983.
وبعد ذلك بعدة سنوات، حصل داود أوغلو على درجة الماجستير في الإدارة العامة ثم الدكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من الجامعة ذاتها.
وعام 1990 التحق بالعمل في الجامعة الإسلامية الدولية في ماليزيا، وأسس قسم العلوم السياسية بعد ذلك بثلاثة أعوام، وأصبح أول رئيس للقسم ثم انتقل إلى تركيا ليعمل في عدة جامعات فيها حتى عام 2002.
لداود أوغلو كتب ومقالات عدة في السياسة الخارجية، وترجم عدد من مؤلفاته ومقالاته إلى اللغات العربية واليابانية والبرتغالية والفارسية والألبانية.
لم يكن إعلان داود أوغلو انسحابه من القصر بذلك الهدوء، كما كان متوقعا، نظرا لتوقيته السيئ، في ظل ما تشهده أنقرة من ملفات "ساخنة" داخل المطبخ السياسي، من بينهاعلاقات متوترة مع دول الجوار، والأزمة السورية واللاجئين وغيرها.. لتعمق استقالة أوغلو من ضبابية المستقبل السياسي في تركيا.