افراسيانت - سرغون هدايا - من جهة، تنفي وزارة الدفاع الروسية أي خطة لاستعادة حلب، ومن جهة أخرى، تحذر من تحركات جبهة النصرة، فصيل القاعدة بالميدان، فماذا عن المعركة الاستراتيجية وعن ورقة حلب في المعادلة.
شيئا فشئيا، تقترب معركة حلب الاستراتيجية، عاصمة الاقتصاد السوري في السابق، ومعيار القوى في الشمال، حيث الحدود التركية ومعادلة الموازين الإقليمية والدولية. هذا ما تؤكده التطورات الميدانية والحشود العسكرية في محيط الشهباء.
إذاً، ها هو مجددا سباق الميدان والسياسة. فمع اقتراب موعد الجولة الثالثة من جنيف ثلاثة، ستكون خريطة المواجهة العسكرية مقياسا لأفق المناورة الدبلوماسية، وسط أسئلة تطرح عن تداعيات مشهد الشمال على المسار التفاوضي وسط مخاوف من تقويض الهدنة، في وقت تستمر فيه الخلافات حول مفهوم الحكم الانتقالي وصلاحياته ودور الرئيس السوري بشار الأسد فيه، فلماذا حلب إذاً ؟؟ ومتى ستكون ساعة الصفر ؟؟
منذ بدء الصراع على أرض الشام منذ أكثر من خمس سنوات، كانت حلب عنوانا عريضا لصمود الحكومة أو تقدم المعارضة، واليوم لا تزال الشهباء ورقة مؤثرة في العراك الإقليمي والدولي على الأرض السورية. وفي أن يكشف رئيس الوزراء السوري وائل الحلقي، أثناء لقاء جمعه بوفد مجلس النواب الروسي، عن استعداد الجيش السوري لتحرير عاصمة الشمال بمساعدة الطيران الحربي الروسي، رسالة في أكثر من اتجاه، للقريب والبعيد، للحليف والعدو، وذلك تزامنا مع معلومات تؤكد أن القوى الإقليمية استغلت نظام وقف الأعمال العدائية لتزويد المعارضة "المعتدلة" بالسلاح النوعي والذخيرة، وهو ما يجعل الهدنة قاب قوسين أو أدنى من الانهيار وإن كان بشكل غير رسمي، وهو ما سيترتب عليه تداعيات استراتيجية.
اليوم، ينتظر الجميع ساعة الصفر لبدء معركة حلب، وما التحركات التكتيكية العسكرية الواسعة من قبل الجيش السوري في أرياف الشهباء من جانب، ومن قبل جبهة النصرة وحلفائها من جانب آخر، إلا في إطار الاستعدادات للمواجهة الكبيرة .. لكن اللافت هو التالي:
- التصريحات الرسمية السورية تتجنب الخوض في التوقيت وذكر "حلفاء" الجيش من جهة، والمقصودة هنا إيران بحسب مراقبين لأبعاد المواجهة الإقليمية والطائفية، كما تتجنب التصريحات ذكر ريف حلب الشمالي حيث الأطماع التركية والورقة الكردية والحديث في الأروقة عن أولوية إسقاط السلطان قبل الخوض في التفاصيل.
- حديث مركز التنسيق الروسي للمصالحة في سوريا عن حشد جبهة النصرة لمقاتليها في أرياف المدينة في تحركات منسقة، وذكر البيانات الإعلامية الخاصة بقاعدة حميميم الجوية أن جيش الإسلام وأحرار الشام وغيرهما من الفصائل المسلحة تخرق الهدنة رغم الترويج الإقليمي لـ "اعتدال" السلفية التي تنتهجها هذه التنظيمات وكل من يدور في فلكها الجهادي.
- نفي وزارة الدفاع الروسية لأي مخطط لاقتحام حلب يستبق العودة إلى جنيف بساعات. وهنا، يمكن التذكير بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمر بسحب القوات الجوية الرئيسة من سوريا قبيل انطلاق الجولة السابقة من محادثات جنيف، الأسباب كانت عديدة ومن بينها الحرص على ألا تتهم موسكو بنسف العملية السياسية.
وبناء على ذلك، يؤكد خبراء أن التنسيق السوري الروسي في الميدان يعمل في المرحلة الراهنة، ورغم الاختلافات في وجهات النظر، على تفادي ألغام المشهد الإقليمي والضبابية الدولية، والتأكيد على الحل السياسي توازيا مع مكافحة الإرهاب :
- التقارب التركي الإيراني، خلط أوراق المشهد الحلبي بما في ذلك استخباراتيا وقلب معادلة التحالفات وإن جزئيا، وذلك تزامنا مع الحراك السعودي الذي يسعى لحشد عربي وإسلامي يكلل بالنزول بريا في سوريا تحت عنوان الحرب على الإرهاب، لا سيما إذا فشل المسار التفاوضي.
- استمرار الاختلافات بين موسكو وواشنطن حول دور قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الطرفين لكن بشكل متفاوت، ومدى المسموح به لتمدد الأكراد في إطار الإدارة الذاتية والفدرالية، وهو السبب الرئيس الذي كان وراء التقارب بين أنقرة وطهران.
- عدم وضوح الموقف الأمريكي فيما يتعلق بدور الرئيس السوري بشار الأسد في المرحلة المقبلة، وعودة الحديث عن تفاهمات أمريكية–تركية تغض بموجبها واشنطن الطرف عن الفصائل الجهادية في الريف الشمالي لحلب، وهذا هو سبب تقدم المعارضة "المعتدلة" على حساب داعش.
- الحسابات الروسية المتعلقة بمعادلة النفط وأهمية دور دول عربية، كالسعودية ومصر، في معادلة التسوية لما تملكه من تأثير مالي وإعلامي وميداني لا سيما في الجبهة السورية الجنوبية.
مما سبق، يبدو واضحا أن تعقيدات الحسابات الإقليمية تعود من جديد لتتصدر المشهد السوري رغم التفاهمات الروسية الأمريكية التي خلطت الأوراق في المنطقة. أضف إلى ذلك إدراك توجه موسكو للتعويض عما خسرته في الملعب الإعلامي، وكسب معركة في الحرب التي تشن ضد الرئيس بوتين .. ففي تدمر مثلا حيث كان للروس دور أساسي في التحرير، ذهب الزخم الإعلامي للجيش السوري لأسباب عدة منها محاولة إحياء دوره دوليا.
لذلك، يدرك اليوم المعنيون في العاصمة الروسية أهمية حلب الإعلامية، لا سيما وأنها ستفتح الطريق أمام التحرك لاحقا نحو دير الزور، على أن تبقى الرقة عاصمة داعش كعكة يتقاسمها الجميع، فيما تريد موسكو أن تكون وفقا لخرائط الخبراء الروس. وهم يؤكدون أهمية إيجاد تسوية للأزمة السورية تراعي مصالح جميع القوى من منطلق لا غالب ولا مغلوب، وتوحيد جميع القوى في محاربة الإرهاب وإن كان يحمل اسم الاعتدال.
إذاً، فبين النفي والتأكيد، تدور في الأفق معركة حلب الاستراتيجية، وما الخطوات التي تُتخذ على أكثر من اتجاه، إلا تكتيكية في إطار معادلة "حلب .. بين الهدنة ومسار جنيف" ..