افراسيانت - حسين محمد - تأمل الأمم المتحدة ومجموعة العمل الدولية الخاصة بسوريا أن تسفر الجولة المقبلة من مفاوضات جنيف عن جديد يختلف عن الجولات السابقة.
على الرغم من أن وفد الحكومة السورية المفاوض لم يجب بعد عن وثيقة مبعوث الأمم المتحدة الخاص بسوريا ستيفان دي ميستورا، فإن زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قبل أيام إلى موسكو 24/03/2016، أوضحت مسار الجولة المقبلة على الأقل في خطوطها العريضة.
فمصير الرئيس بشار الأسد لن يناقش خلال الأشهر الثمانية عشر، التي هي مدة المرحلة الانتقالية.
ومقابل هذا التفاهم حول مصير الأسد، جرى التشديد على ضرورة أن تناقش الجولة المقبلة من مفاوضات جنيف القضية السياسية الرئيسة، المتمثلة في تفاصيل الانتقال السياسي.
وإذا كانت وثيقة دي ميستورا قد تقدمت خطوة إلى الأمام بتحديدها جدولا زمنيا للمرحلة الانتقالية على عكس القرار 2254، الذي تحدث عن مراحل سياسية فقط وليس زمنية (تشكيل حكم ذي مصداقية، وضع دستور جديد، إجراء الانتخابات)، فإن الغموض ظل سيد الموقف حيال كثير من النقاط العالقة؛ ما دفع أحد أركان مؤتمر القاهرة جهاد المقدسي للقول إنها وثيقة لا تأخذ في الاعتبار محاور المرحلة الانتقالية.
والمشكلات التي تواجه الجولة المقبلة تتمثل في عدة نقاط:
1ـ استمرار غياب الثقة بين طرفي المفاوضات؛ إذ سيحاول كل طرف استخدام لعبة عض الأصابع؛ ويندرج في هذا الإطار تصريح الأسد قبل أيام بأنه "أمام الإرهاب لا حل إلا بالقتال والنصر، وأن معركتنا مستمرة من دون هوادة، وألا رهان على حل مع معارضة لا تملك قرارها، وأن التفاوض يجري مع أسيادها".
وترفض دمشق منح المعارضة إنجازات سياسية فشلت في تحقيقها على أرض الميدان، في وقت ترفض المعارضة فيه التنازل عن مطالبها، والرضوخ لدمشق التي فشلت في المقابل في القضاء على المعارضة المسلحة.
وقد يجد الطرفان في الغموض، الذي يكتنف وثيقة دي ميستورا، فرصة لكل منهما للتمسك بموقفه. فالوثيقة مثل القرار الدولي 2254 تتحدث عن اعتبار بيان جنيف مرجعا أساسا لها، وهو ما تتمسك به المعارضة، في وقت تشدد الوثيقة أيضا على تفاهمات فيينا ومضمون القرار 2254 فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، وهي نقطة تدعم موقف دمشق.
وقد تطرق دي ميستورا إلى هذا الغموض بقوله إنها وثيقة استرشادية لم تدخل في التفاصيل في أساس كل القضايا وهو الانتقال السياسي والعملية السياسية.
3ـ إصرار وفد الحكومة على مناقشة المرحلة الانتقالية بعد الانتهاء من مناقشة سبل مكافحة الإرهاب. وقد أعلن بشار الجعفري أن القرار الدولي كل متكامل يجب مناقشته بشكل تام، كما أعلن أن أولوية الوفد الحكومي في الجولة المقبلة هي بحث محاربة الإرهاب.
غير أن هذا المطلب، وإن نجح في جنيف عام 2014، فإنه لن ينجح الآن في ظل تغير مناخات التسوية، وقد أعرب دي ميستورا عن ذلك حين طلب من وفد الحكومة أن يتحلى بالواقعية.
وهذه النقطة هي الأهم في كل الملف السياسي. ذلك أن عدم مناقشتها يعني العودة إلى المربع الأول؛ لكن تفاصيل المرحلة الانتقالية، وخصوصا الجزء الأول المرتبط بالحكم، سيكون هو المعضلة الكبرى، وهنا تأتي العقبة الرابعة.
4ـ كيفية شكل الحكم. وإذا كان الحكم سيكون مناصفة، فإن أسئلة كثيرة لم يجب عنها، وتفاصيل معقدة يتطلب حلها وقتا وجهدا كبيرا. فما هي المؤسسات، التي ستخضع للحكم الجديد؟ وكيف سيتم التعامل مع المؤسستين العسكرية والأمنية؟
هذه مسألة حساسة جدا لكلا الطرفين، وقد تُركت في الوثيقة غير واضحة، بمعنى أنها جاءت عنوانا رئيسا: "ملتزمون في إعادة بناء جيش قوي وموحد ووطني عبر نزع سلاح ودمج أعضاء في المجموعة المسلحة، التي تدعم العملية الانتقالية والدستور الجديد.. هذا الجيش المهني يجب أن يحمي الحدود والشعب من التهديدات الخارجية انسجاما مع مبادئ القانون الدولي".
ومن الواضح أن الجولة المقبلة ستكون أهم الجولات؛ لكنها في المقابل ستكون أصعبها، وفيها سيتحدد ليس مسار العملية التفاوضية فحسب، بل ومستقبل العملية السياسية كلها، وهذا أمر لم تعد المنظومة الإقليمية والدولية تتحمله.