افراسيانت - حسين محمد - لم يكن مفاجئا تصريح دي ميستورا حول تأجيل الجولة الثانية من مفاوضات "جنيف-3"، في ظل الهدنة العسكرية، التي ما زالت مهددة بالانهيار في أي لحظة.
ومع أن أسباب التأجيل ليست جوهرية؛ بمعنى أن الخروق البسيطة للهدنة، واستمرار انعدام الثقة بين المعارضة ودمشق، لا يلغيان الإنجاز الكبير المتحقق بوقف "الأعمال العدائية"، والذي دخل يومه الخامس. بيد أن المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا لن يخاطر بعقد جولة مفاوضات جديدة من دون تثبيت الواقع الميداني على الأرض، وضمان ألا يكون نقطة تفجير للمفاوضات السياسية، والعودة إلى المربع الأول.
ولذا طلب دي ميستورا من الراعيين الرئيسين (موسكو، واشنطن) العمل على إنجاح اتفاق وقف الاقتتال في سوريا؛ وبناء عليه، والكلام للمبعوث الأممي، فإن "القرار بشأن ما إذا كانت ستُجرى يوم الاثنين، أو بعد ذلك بفترة قصيرة، سيُتخذ في الأيام القليلة المقبلة بناء على التطورات على الأرض"، وعلى "ضمان وصول المساعدات الإنسانية" إلى أماكنها.
وهذه النقطة الأخيرة لا تقل أهمية عن وقف الاقتتال، حيث تصر المعارضة، بناء على المادتين 12 و 13 من القرار الدولي 2254، على قيام الحكومة السورية بإجراءات بناء الثقة (إطلاق سراح معتقلين ولا سيما النساء والأطفال والشيوخ، وفك الحصار عن المدن المحاصرة).
وقد أكد المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات رياض نعسان آغا أنه لا يمكن بدء مناقشات جادة قبل إطلاق سراح المعتقلين ورفع الحصار المفروض على عدد من المناطق. ويبدو من تصريحات آغا أن المعارضة غير مستعجلة للعودة إلى جنيف ما لم تجهز الأرضية لذلك، على عكس دي ميستورا، الذي يبدو مستعجلا لإطلاق المفاوضات، والاستفادة من الزخم السياسي الروسي-الأمريكي المشترك.
أما خطة دي ميستورا فتقوم على تحييد النقاش العسكري في جنيف، بمعنى أن وقف الأعمال العدائية سيستمر . وفي هذه الحال فإن "الستاتيكو" العسكري بين الجيش السوري والمعارضة سيتحول إلى واقع قائم، لا يمكن تغييره إلا بعد حدوث اختراق سياسي من شأنه إعادة ترتيب الواقع الميداني.
وهذه المقاربة تم التوافق عليها روسيًا وأمريكيا. بعبارة أخرى، ليس المطلوب دوليا انتصار كاسح لدمشق ولا انتصار كاسح للمعارضة، وهذا ما قالته موسكو صراحة للقيادة السورية، من أن هدف عمليتها العسكرية ليس من أجل تحقيق انتصار كاسح لدمشق، بل لتدعيم موقفها العسكري من أجل تدعيم موقفها السياسي.
وبناء عليه، فلن تشهد الجولة الثانية من مفاوضات "جنيف-3" ذلك الجدل البيزنطي، الذي استمر طوال العامين الماضيين: أيهما له الأولية؛ المستوى العسكري أم المستوى السياسي؟
إن عملية الفصل هذه بين المستويين تتيح للطرفين وللدول الراعية البدء بمناقشة القضايا الجوهرية في كل مستوى على حدة؛ وفي حين أن القضايا العسكرية ستكون تحت إشراف روسي-أمريكي مباشر، فإن القضايا السياسية ستكون تحت إشراف الأمم المتحدة بدعم روسي-أمريكي.
ولهذا السبب يصر المبعوث الأممي على إنهاء أي مشكلة تواجه الهدنة العسكرية وتهددها، قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وهذه الطريقة تسحب البساط من تحت أقدام الحكومة السورية والمعارضة، بحيث أن الفشل السياسي لا يمكن تعويضه في ساحة القتال، التي أُقفلت، بل إن حل القضايا العالقة يتم عبر الحوار والتفاهمات الدولية-الإقليمية.
وتكلفة خرق هذا التفاهم الروسي-الأمريكي، الذي ترجم بقرار دولي (2268)، من الأطراف السورية ستجعله خارج اتفاق الهدنة وسيتلقى ضربات عسكرية. وهذا ما عبر عنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في معرض رده على الإجراءات الخاصة بكشف الحوادث وانتهاكات اتفاق وقف الأعمال القتالية، ".. إنها واردة في اتفاقات مجموعة "دعم سوريا"، وكذلك في الاتفاقات، التي وافق عليها الرئيسان الروسي والأمريكي، والتي أصبحت فيما بعد جزءا من نص قرار مجلس الأمن الدولي.. الوثائق المذكورة تحدد هذه الإجراءات بالتفصيل، وأنه في حال ارتكاب طرف انتهاكات منتظمة يتم إقصاؤه من نظام الهدنة".