ترتيب الأوراق لسنة 2014 يسلم الراية لعام الاستقرار في تونس ومصر، في حين تنضم سوريا والعراق وليبيا واليمن إلى الدول الفاشلة.
افراسيانت - إعداد: سعيد قدري - صالح البيضاني - محمد خالد - لندن - في تاريخ الأمم والشعوب عام أو أكثر يوصف بالمصيري أو المفصلي، لأن تأثيراته في حياتهم لاتقتصر على الفترة الزمنية التي وقعت فيه، وبحق يمكن أن يكون هذا العام، 2014، الذي يشارف على الانتهاء ضمن الأعوام الفارقة، في العالم عموما وفي المنطقة العربية خصوصا.
عند الوقوف على أطلال 2014، نلمـح دخان “الانفجار العظيم” الذي يميّز العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وتهتزّ رؤانا على وقع تداعيات “تسونامي الثورات الشعبية العربية” الذي ضرب بقوة وعنف فزلزل سوريا والعراق وليبيا واليمن ونشر الفوضى في مصر وتونس، وأثّر على المنطقة بأسرها، وأطلق عقودا من التوترات والتعطل في الفضاءات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
في سنة 2014 انضمت أربعة بلدان عربية (سوريا والعراق وليبيا واليمن) إلى صفوف الدول الفاشلة بفقدانها لسلطة مركزية ناجعة قادرة على بسط نفوذها على كامل الأراضي الوطنية. وفي ظل هذه الفوضى برز تنظيم داعش بوصفه أكبر تهديد أصولي في التاريخ الحديث للمنطقة. واحتد الصراع السني الشيعي على امتداد المشرق العربي ووصل إلى اليمن.
وتمكن كل من الأردن ولبنان من الحفاظ على الاستقرار بالرغم من التدفق الهائل لللاجئين. وحافظت الجزائر الحذرة على الوضع القائم بإعادة انتخاب رئيس مسن لفترة رابعة، وواصل المغرب تجربته في التوفيق بين سلطة ملكية قوية وحكومة بقيادة الحزب الإسلامي المعتدل حزب العدالة والتنمية.
وحاول الفلسطينيون التفاوض والنضال ضد الاحتلال الإسرائيلي لكنهم لم يصلوا إلى نتيجة بينما تتواصل انقساماتهم الداخلية.
وتمكنت السعودية والإمارات من تعزيز دورهما في حين تراجع الدور القطري. وفي تركيا ربح أردوغان الانتخابات الرئاسية وتحرك من أجل تدعيم سلطته، لكنه يجد صعوبة في معالجة المسألة الكردية ولديه اختلافات حادة داخلية وخارجية مع الولايات المتحدة وأوروبا حول صعود “داعش”، ومع روسيا وإيران حول مصير الأسد.
وفي إيران تطاحن البراغماتيون والمتشددون حول الوجهة المستقبلية للبلاد خاصة حول مصير المفاوضات النووية. وحافظ المتشددون في إيران على دعمهم للأسد وحزب الله والميليشيات الشيعية في العراق وامتدت مساندتهم لتصل إلى الحوثيين في اليمن.
مصر شهدت استحقاقات أمنية وسياسية واقتصادية صعبة من المتوقع أن تظهر بصماتها عمليا في العام الجديد.
انتقال يتحدى الإرهاب في تونس
شكلت سنة 2014 في تونس مرحلة مفصلية في تاريخ البلاد، حيث تم خلالها تشكيل حكومة تكنوقراط وإقرار دستور جديد وانتخاب هيئات دستورية وإنجاز انتخابات برلمانية ورئاسية في دورتين لم يعهدها التونسيون من قبل.
وقد كان سياق التحولات السياسية بسرعته القصوى بمثابة تحد لسياق آخر، وهو تطور العمليات الإرهابية التي هددت المسار الانتقالي وحتّمت عليه الدخول في صراع ضد أي عائق يحول دون نجاحه، لكن إرادة التونسيين نجحت في تخطّي عثرات الإرهاب وتحدّتها.
من تونس انطلقت أولى موجات “تسونامي” الربيع العربي، ومنها أثبت مكوّن صغير من مكوّنات الشعب العربي أن الديمقراطية والتعددية أمر ممكن التحقّق في العالم العربي وأن إرادة الشعوب هي التي تنتصر في الأخير. وكادت تونس تنهار في سنة 2013 لكنها قطعت خطوات كبيرة في سنة 2014 عبر المصادقة على دستور توافقي وتنظيم انتخابات برلمانية فاز بها الوطنيون العلمانيون ثم تبعتها الانتخابات الرئاسية.
بداية التغيير كانت مع مطلع 2014، حين باشرت حكومة جديدة مكونة من مستقلين وبرئاسة المهدي جمعة مهامها، بعد أزمة سياسية خانقة بين المعارضة والترويكا عرفتها البلاد منتصف 2013، إثر اغتيالات سياسية هزت البلاد.وواصل التونسيون السير على نفس خط الإنجازات في الشهر الأول من سنة 2014، وقد اختتموه بالمصادقة على الدستور الجديد، بعد جدل كبير. بعد ذلك، دخلت البلاد مرحلة روتينية، تهتزّ بين الفينة والأخرى على وقع عمليات إرهابية خطيرة، وتتخلّلها إضرابات وقلاقل على اقتصاد البلاد وتدهور الأوضاع الاجتماعية.
لتدخل تونس مع حلول شهر أكتوبر مرحلة أكثر زخما، مع انطلاق الحملات الانتخابية للسباق نحو مقاعد مجلس نوب الشعب، والذي حسم نتيجته يوم 26 أكتوبر69 بالمئة من الناخبين التونسيين، وبروز 4 قوى سياسية رئيسية في تونس هي حزب نداء تونس (وسط) بفوزه بالمرتبة الأولى وحصولها على 86 مقعدا تليه حركة النهضة (إسلامية) بـ69 مقعدا فالاتحاد الوطني الحر (ليبيرالي) 16 مقعدا والجبهة الشعبية (ائتلاف يساري) 15 مقعدا من إجمالي 217.
تواصلت الأجواء الانتخابية، إلى شهر نوفمبر، شهر الانتخابات الرئاسية، التي عكست مشهدا تعدّديا نموذجيّا لا فقط في العالم العربي بل وفي العالم وأسفرت عن دور ثان تنافس فيه السياسي المخضرم الباجي قائد السبسي (88 عاما) والرئيس المؤقت المنصف المرزوقي. وقد انتهى السباق بفوز السبسي.
وبعد نجاح تجربته الديمقراطية مع انتهاء الاستحقاق الأخير في خارطة الطريق، دخلت تونس مرحلة جديدة من تاريخها، ينتظر أن تكون حاسمة خصوصا في الحرب على العمليات الإرهابية التي شهدت تطورا نوعيا وعدديا في 2014. وقد برز العنصر النسائي لأول مرة في عمليات التخطيط والتنسيق والتنفيذ لعمليات تقودها جماعات تنظيم أنصار الشريعة المحظور (في سبتمبر كشفت وزارة الداخلية التونسية عن امرأتين ضالعتين في مسائل التنسيق داخل الجناح الإعلامي للتنظيم).
عام استعادة زمام الأمور في مصر
2014 في مصر، يتميز بأنه عام الأحداث الداخلية الجسام، والتطورات الخارجية الدقيقة، وترتيب الأوراق السياسية، وتوفيق الأوضاع والاقتصادية، فعلى مدار اثني عشر شهرا، اجتمعت مجموعة من التحديات المحلية مع نظيراتها الخارجية، أو العكس، لتمثلا معا معضلة رئيسية، كان التعثر أمامها سيشكل نقطة ضعف، توقف أي مسيرة إيجابية، أما تجاوز الجزء الكبير من العقبات على هذين الصعيدين، فقد منح البلاد أملا في عام جديد، يمكن أن يطلق عليه عام الاستقرار.
كان الاستفتاء على التعديلات الدستورية، يومي 14-15 يناير، من أهم الأحداث التي مرت بها مصر في بداية العام.
وفوز المشير عبدالفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية في يونيو، كان خطوة أشد أهمية، لأنه بعث بجملة كبيرة من الرسائل الداخلية والخارجية، وبعث بإشارة قوية بأولوية الملف الأمني، وتجاوز مطباته المعقدة والمتشعبة.
تجاهل خطر التكفيريين والتنظيمات الجهادية في العام 2013 أدى إلى تغولهم وتمددهم في العام 2014
كشفت الأحداث الإرهابية التي وقعت في 2014، عن حجم المخاطر والتحديات على هذا المستوى، حيث خاضت أجهزة الأمن المصرية، معركة حامية ضد جماعات إرهابية في سيناء وغيرها من المدن المصرية، والانتصار عليها، كان أولى بشارات العودة للأمن والاستقرار.
بعد القضاء على أحلام الإخوان في الحكم وتدمير مشروعهم الطائفي في المنطقة، واستعادة مصر لجزء كبير من العافية الأمنية للبلاد تهيأت الأجواء المناسبة لتكون مصر جاذبة من الناحية الاستثمارية، وكان مشروع قناة السويس الجديدة، أحد الأذرع الرئيسية لتحقيق هذا الهدف.
عام صعب يقود ليبيا إلى المجهول
الاغتيالات السياسية والاقتتال الداخلي والاضطرابات السياسية هي السمة الأبرز لعام 2014 في ليبيا، التي تودّع 2014، وهي منقسمة بين حكومتين وبرلمانين ينازعان بعضها البعض، أحدهما في طبرق معترف به دوليا والآخر في طرابلس يسيطر عليه الإسلاميون.
وقد كانت عملية ‘الكرامة” التي أطلقها اللواء خليفة حفتر للقضاء على الإرهاب، مرورا بالقتال في بنغازي وطرابلس، إلى جانب تلويح بعض المدن بالاستقلال، وصولا إلى إعلان التنظيمات الجهادية التي تتخذ من مدن الجنوب الليبي مراكزا للتدريب أهم ما ميز الأوضاع في ليبيا هذا العام.
وفي ظل هذا الوضع من الصعب التنبؤ بمدى قدرة الليبيين على إنهاء الصراع والاستفادة من المسارات السياسية والمؤسسات الهشة التي أقيمت بعد الثورة على نظام القذافي. ومن الصعب أيضا ترقب الدور الذي يمكن أن تلعبه مصر والجامعة العربية والمجموعة الدولية في بعث الاستقرار. ويبقى الحل الوحيد هو تشجيع خفض التصعيد والعودة إلى المسار السياسي وتقديم الدعم لمؤسسات الحكومة المركزية.
صوت المدفع يسكت التحاور في اليمن
مثّل العام 2014 نقطة تحول عميقة في التاريخ اليمني المعاصر من خلال جملة من الأحداث المتسارعة التي شهدها هذا العام وأدت إلى إحداث تغيير جذري في منظومة الحكم التي ظلت باقية على حالها لأكثر من نصف قرن، وقد كانت أبرز نتائج هذا التحول سقوط القوى التقليدية التي حكمت شمال اليمن منذ العام 1962 نتيجة انهماكها في حالة من التدمير الذاتي. فلم يطو العام صفحته إلا وقد شهد خروج أبرز الفاعلين الكلاسيكيين في المشهد اليمني وعلى رأسهم اللواء علي محسن وأولاد الشيخ الأحمر الذين ظلوا لعقود الرقم الأصعب في دائرة التأثير السياسي.
كما تسببت سلسلة الانهيارات العنيفة التي ضربت التحالفات اليمنية القديمة إثر سقوط العاصمة اليمنية صنعاء في الحادي والعشرين من سبتمبر في قبضة الحوثيين في انحسار دور إخوان اليمن الذين دفعت بهم رياح “الربيع العربي” العاصفة إلى هرم الدولة قبل ثلاث سنوات وهو الأمر الذي لم يدم طويلا عقب تصاعد نفوذ الحوثيين وهيمنتهم كقوة جديدة مدعومة من إيران تمكنت خلال وقت قياسي من السيطرة على أهم مفاصل الدولة من خلال ذراعها العسكري المتمثل في “اللجان الشعبية” التي حلّت محل قوات الأمن والجيش اليمني وعملت بعد إسقاط العاصمة اليمنية من أجل السيطرة على المحافظات الشمالية الواحدة تلو الأخرى.
وفي المقابل كان العام 2014 عاما أسود في تاريخ الجيش اليمني الذي شهد حالة غير مسبوقة من الانهيار المعنوي والمادي بعد أن كان يحتل في العام السابق الترتيب الخامس ضمن قائمة أقوى الجيوش العربية، حيث تعرض الجيش اليمني لسلسلة من العمليات الشرسة من قبل القاعدة والحوثيين كما تم نهب الكثير من معداته العسكرية وخصوصا بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء وقبل ذلك اقتحامهم لمدينة عمران (شمال صنعاء) في السابع من يوليو والاستيلاء على اللواء 311 وإعدام قائدة اللواء حميد القشيبي.
وفيما كان العام 2014 عاما حافلا بالهزائم والانكسارات لعدد من القوى السياسية والقبلية في اليمن شهد هذا العام صعودا غير متوقع لقوى أخرى كانت تعاني حالة من العزل الشعبي حيث عاد مجددا إلى الواجهة كل من القاعدة والحراك الجنوبي كردة فعل على تنامي الدور الحوثي في شمال اليمن وقد وجدت تلك القوى احتضانا شعبيا منقطع النظير فتمكن الحراك الجنوبي من قيادة الشارع مجددا في المحافظات الجنوبية وارتفعت حدة المطالبات بالانفصال عن شمال اليمن بالتزامن مع عودة قيادات جنوبية بارزة من المنفى..
تنظيم القاعدة كذلك تمكن من التقاط أنفاسه بعد أن تراجع إلى أدني مستوياته في الأعوام السابقة نتيجة الضربات التي وجهت له من قبل الجيش اليمني لتشهد العديد من محافظات اليمن في الشرق والوسط تنفيذ التنظيم لعدد من العمليات التي استهدفت الجيش والحوثيين كان أبرزها عملية قتل الجنود في مدينة سيئون في محافظة حضرموت في شهر أغسطس وتنفيذ هجوم انتحاري على مظاهرة للحوثيين في قلب العاصمة صنعاء في التاسع من أكتوبر خلفت عشرات القتلى والجرحى، واستهداف منزل السفير الإيراني بصنعاء بسيارة مفخخة في الثالث من ديسمبر .
حدثان هامان تحكما بلبنان طوال2014، الأول عجز الطبقة السياسية عن انتخاب رئيس للجمهورية والثاني الإرهاب
وعلى الصعيد السياسي كان العام 2014 بمثابة كارثة على العملية الانتقالية في البلاد حيث تراجعت كل الملفات السياسية بما في ذلك المبادرة الخليجية ونتائج مؤتمر الحوار الوطني الذي اختتمت أعماله في الحادي والعشرين من يناير بعد مخاض عسير حيث فرض دخول الحوثيين إلى صنعاء واقعا جديدا تمثل في اتفاقية السلم والشراكة التي أملى الحوثيون معظم بنودها ووقعت عليها الأطراف السياسية اليمنية بإشراف مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر والتي عدها البعض بمثابة اتفاقية استسلام وقع عليها المهزومون وعلى رأسهم حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي كان الحوثيون يعبثون بمقراته في العاصمة صنعاء أثناء التوقيع على المبادرة.
ومن أبرز الأحداث السياسية التي شهدها العام فرض عقوبات اقتصادية وسياسية من قبل مجلس الأمن الدولي على الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح واثنين من قادة الحوثيين في الثامن من نوفمبر.
كما تصاعدت في العام 2014 موجة الاغتيالات السياسية والتي بلغت ذروتها باغتيال المفكر والسياسي اليمني البارز الدكتور محمد عبدالملك المتوكل في قلب العاصمة صنعاء في الثاني من نوفمبر، وهو ثاني سياسي معتدل من المقربين من التيار الحوثي يتم اغتياله بعد اغتيال الدكتور أحمد شرف الدين في الحادي والعشرين من يناير.
وبالتزامن مع التردي في الأوضاع الاقتصادية والأمنية التي شهدتها اليمن في العام 2014 وعلى الرغم من قيام الرئيس هادي بالإعلان عن تشكيل حكومة التكنوقراط الجديدة برئاسة المهندس خالد محفوظ بحاح في السابع من نوفمبر إلا أن الحوثيين واصلوا سيطرتهم على مؤسسات الدولة واستمروا في توسيع رقعة المواجهات مع خصومهم التي تحولت إلى مواجهات عسكرية بينهم وبين القبائل اليمنية وتنظيم القاعدة وخصوصا في مدينة رداع وسط اليمن.
دخول “داعش” على خط الأزمة السورية وتمدده دفع لزيادة تأزيم الأوضاع وتعقيدها
يغادر العام 2014 مخلفا الكثير من الجروح النازفة في المشهد اليمني والكثير من الملفات المرشحة للتصاعد.
وبينما يظل مستقبل الاتفاقات السياسية غامضا تشير التوقعات إلى تصاعد الطموحات الانفصالية في جنوب اليمن في ظل انسداد آفاق الحل السياسي الذي يبدو أنه اصطدم بصخرة التعصب السياسي والمذهبي.
سقوط الموصل حدث العراق 2014
انتفاضة السنّة ضد تجاوزات حكم نوري المالكي وما تبع ذلك من سيطرة “داعش” على الموصل والكثير من المناطق السنية ونزوح آلاف المدنيين ودخول الميليشيات الإيرانية إلى البلاد يعتبر من أبرز أحداث سنة 2014 في العراق.
ومثّل سقوط الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، بأيدي تنظيم الدولة الإسلامية، الحدث المفصلي في عراق 2014؛ فعلى إثره سقطت حكومة نوري المالكي الذي خلفه حيدر عبادي ثمّ تشكل التحالف الدولي بعد أن عجزت القوات العراقية عن محاربة “داعش”.
هذا الوضع دفع بالعراق إلى الاستغاثة بواشنطن لمواجهة تمدد “داعش” بعد أن تراجعت القوات العراقية في مواجهته.
الإدارة الأميركية سارعت إلى دعم العراق في حربه، مقدمة له دعماً جوياً، شريطة قيام حكومة بغداد بتشكيل حكومة وحدة وطنية تتفق عليها جميع الأطراف السياسية في العراق، وهو ما انتهى بتنحي رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وصعود أحد حلفائه والشخصيات المقربة منه وهو حيدر العبادي ليشغل منصب رئيس الوزراء وهو اختيار لطالما أبدت واشنطن ارتياحها له.
استطاع الجيش الأميركي من خلال تنفيذ ما يزيد على 1300 ضربة جوية ضد “داعش” عرقلة زحفه المستمر واستعادة مدن ومرافق حيوية كان يسيطر عليها في العراق مثل: سنجار وآمرلي وسد الموصل، فيما قام “داعش” بالمقابل بذبح 3 من الصحفيين الأميركيين.
الولايات المتحدة لم تكتف بالهجوم العسكري ولكنها قادت حملة دولية لتشكيل حلف ضد “داعش” يعرقل خططه في تجنيد مقاتلين بجنسيات غربية يمكن أن يلعبوا أدواراً في إثارة اضطرابات داخل بلدانهم بعد تدريبهم في سوريا وعودتهم إلى بلدانهم الغربية، كذلك شملت الحملة محاولات لتفكيك شبكات تمويل وجمع للتبرعات والدعوة إلى الانضمام إلى صفوف التنظيم الذي ينتشر في العراق وسوريا.
وتقول الإدارة الأميركية إن عدد الدول التي انضمت إلى التحالف فاق 60 دولة بينها دول ذات مساهمة عسكرية جوية مباشرة أبرزها بريطانيا وفرنسا وهولندا وكندا وبلجيكا وأستراليا والدنمارك والسعودية والإمارات والأردن وقطر والبحرين في سوريا.
الممكلة المغربية سجّلت في 2014 حصيلة استثنائية من حيث ما تحقق من إنجازات وإصلاحات رغم التحديات
وقبل أيام من انتهاء العام الحالي استطاعت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تأمين التمويل المطلوب لاستمرار الحملة العسكرية ضد التنظيم المسلح من الكونغرس، والتي بلغت 5 مليار دولار.
ومثلت أحدث هذا العام فرصة ذهبية لإيران لزيادة نفوذها في العراق، فيما تسبب بنزوح وتهجير آلاف العراقيين الذين بلغ عددهم من يناير 2014 إلى أكتوبر من نفس السنة حوالي مليون و800 ألف نازح، وقد استقر النازحون في أكثر من 1500 موقع في أنحاء متفرقة من العراق، ويتواجد نحو 850 ألفاً منهم في إقليم كردستان العراق، وقد أشار تقرير إلى أن أهم أسباب النزوح تعود إلى الأحداث الجارية في العراق والقصف المستمر والمعارك الدائرة هناك؛ مما تسبب في نزوح أكثر من 20 ألف عائلة هربت من القصف والمعارك إلى مدينة هيت في الرمادي. والمسلسل الدامي لم يتوقف في العراق حيث تشهد مدنه السُّنية وخاصة الفلوجة والأنبار حصاراً منذ مطلع عام 2014.
سوريا من تحت الدلفة إلى تحت المزراب
“من تحت الدلفة إلى تحت المزراب”، مثلٌ لبناني شهير، يُلخص حالة الوضع في سوريا على مدار العام 2014، والذي شهد تزايدا ملحوظا في حجم وطبيعة الصراع الدائر على الأرض، فضلا عن تزايد حجم الضحايا كذلك، كما أفرز تطورات وتحديات بالجملة، من المرجح أن تلقي بظلالها الوخيمة على الوضع في سوريا في العام 2015، وسط توقعات بعضها متفائل والآخر متشائم إزاء مستقبل الأزمة، وسبل حلحلتها.
شهدت سوريا على مدار العام، عددا من التطورات البارزة والمؤثرة في مسار الثورة، سواء على الصعيد الميداني، والتغيرات التي شهدتها خارطة توزيع قوى أطراف الصراع على الساحة، أو على الصعيد السياسي، انطلاقا من التطورات السياسية العديدة التي شهدها العام، والتي أسهمت في تغيّر مسار الأحداث بصورة بارزة، وأفرزت العديد من المتغيرات على ساحة الأزمة.
على صعيد التطورات الميدانية، كان التطور الأبرز هو دخول تنظيم “داعش” على خط الأزمة، وتمدده على نحو لافت للنظر، دفع لزيادة تأزيم الأوضاع وتعقيدها، وإضفاء المزيد من الدموية على الصراع القائم منذ مارس 2011.
وجاء تمدد “داعش” في خط متواز مع العديد من التطورات الميدانية الخطيرة التي شهدتها الساحة السورية، منها ما يتعلق بتحقيق النظام لنجاحات بعينها في بعض المناطق، مستغلا في ذلك دعما سياسيا وماليا ولوجيستيا وأيضا الدعم العسكري من بعض الفصائل والدول الداعمة له، والتي كان لها الدور الأكبر في تثبيت أقدامه على الساحة، بينما في المقابل حققت قوات الجيش السوري الحر كذلك بعض النجاحات الميدانية اللافتة على مدار العام، منها على سبيل المثال ما تحقق في حوران والقنيطرة.
وتعمق الصراع على الأرض في سوريا بصورة لافتة للنظر، حيث أن النظام السوري، بمساندة عناصر حزب الله اللبناني ومقاتليه، والمعارضة بما تمثله من معارضة سياسية، ومعارضة عسكرية ممثلة في الجيش الحر، وكذلك عناصر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، جنبا إلى جنب وعدد من الفصائل الإسلامية منها جبهة النصرة، وكلها جهات داخل خط الأزمة، يحارب بعضهم البعض، مما زاد من تعقد الأزمة، وعمق بحار الدماء والتخريب والدمار على أراضي سوريا الشهباء.
سياسيا، شهدت الأزمة السورية على مدار العام 2014 حراكا سياسيا لافتا، عبر جملة من الأحداث المؤثرة والمهمة، كان في مقدمتها انعقاد مؤتمر جينيف 2، والذي لاحقه الفشل لعدم وجود اتفاق على شروط النجاح بالأساس، من منطلق تمسك النظام السوري بحلوله الخاصة وبالبقاء في سدة المشهد بسوريا، متنكرا لآلاف القتلى.
من التطورات السياسية كذلك خلال العام 2014 في سوريا، هو تشكيل التحالف الدولي (في سبتمبر)، لمواجهة تنظيم “داعش”، وهو التحالف الذي أثار جدلا واسعا على الساحة السورية والدولية، حول مدى فعاليته في اقتلاع التنظيم الداعشي من الأراضي السورية، فضلا عن الجدل الدائر حول أولوية التحالف في القضاء على “داعش”، وتهميش الصراع السوري إلى حين الانتهاء من ذلك التنظيم الإرهابي، ما أعطى بشار الأسد فرصة مواصلة تثبيت أقدامه، فضلا عن محاولاته لاستخدام “داعش” كفزاعة للإبقاء على نظامه.
من التطورات التي سبقت ذلك، الانتخابات الرئاسية التي أجراها نظام بشار الأسد، في 28 مايو من العام 2014، والتي فاز فيها الأسد بنسبة 88.7 بالمئة من أصوات الكتلة المشاركة في الانتخابات والبالغة نحو ما يزيد عن 15 مليون سوري، بحسب ما أعلنه النظام.
وكان العام 2014 قد بدأ بتطور سياسي مُهم، وهو ما يتعلق بالتئام المجلس الوطني الثاني لإعلان دمشق، في يناير، كما شهد العام انتخاب رئيس جديد للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية وهو المهندس هادي البحرة في 8 يوليو، خلفا لأحمد الجربا.
كما شهد العام استقالة المبعوث الأممي العربي المشترك إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي، عقبت تسلميه باستحالة مهمته، وتعيين ستيفان دي مستورا مبعوثا أمميا خلفا له.
وسياسيا أيضا، شهد العام 2014 حديثا حول إمكانية مراجعة قوى دولية لمواقفها إزاء الثورة السورية، منها طهران، التي أبدت من جانبها مواقف مرنة فيما يتعلق بدعمها لنظام بشار الأسد، ما عزز من تكهنات إمكانية التخلي الإيراني عن النظام السوري، لصالح مواءمات في ملفها النووي مع الدول الكبرى.
عام حافل بالاضطرابات
من الأزمة المالية في روسيا إلى الحرب الإلكترونية مع كوريا الشمالية يأبى عام 2014 أن يرحل قبل أن يضع مزيدا من الألغام في طريق العام الجديد مما ينذر بأن عام 2015 لن يكون أكثر هدوءا.إذ أن كل الصراعات الكبيرة سوف تستمر تقريبا مثل المعركة مع متشددي تنظيم الدولة الإسلامية والأزمة بين روسيا والغرب بشأن أوكرانيا ومكافحة مرض إيبولا بل قد تنفجر أزمات أخرى دون سابق إنذار.
وقال جون باسيت المسؤول السابق في المخابرات البريطانية وهو يعمل حاليا في جامعة أوكسفورد “بطبيعة الحال بعد عام كهذا ربما نتوقع أن تهدأ الأمور.” وأضاف “لكن لم تحلّ أي من هذه المشكلات كما أن العوامل التي تحركها لن تختفي”.
وتتنوع القضايا من تحول عالمي للقوة الاقتصادية بعيدا عن الغرب إلى تقنيات جديدة وصراعات إقليمية وتنامي الغضب بشأن التفاوت المتزايد في الثروة. وفي تقرير صدر في يونيو 2014 عن معهد الاقتصاديات والسلام تراجع السلام العالمي.
العرب العالمية