انهيار الجيش اليمني أو استسلامه يُسقط المدينة بيد الميليشيات، وهو ما يقضي على حلم اليمنيين في إرساء السلام وإدارة الصراع السياسي بصورة حضارية.
صنعاء - افراسيانت - أحدث انهيار الجيش اليمني تغييرا جذريا في طبيعة الصراع، الذي كان دائرا في البلاد قبل سقوط العاصمة صنعاء في يد الحوثيين، وما أعقبها من أحداث وتجاوزات أبرز نتائجها انهيار المؤسسة الوطنية العسكرية في اليمن. وقد كشف هذا الانهيار السريع أن الجيش كان من أقوى الجيوش العربية من حيث العتاد والعدد لا من حيث الولاء الوطني والقدرة على الدفاع عن الأراضي اليمنية؛ فهذا الجيش الذي ساهم في انضمام بلاده إلى مصاف الدول الفاشلة تحكمه: عقيدة الولاء لرأس النظام السياسي والقبيلة وسيطرة الفساد والانقسام.
الحالة اليمنية الراهنة ستكون بمثابة منعطف تاريخي تداعياتها خطيرة على البلاد التي انضمّت إلى قائمة الدول الفاشلة، بفقدانها لسلطة مركزية ناجعة قادرة على بسط نفوذها على كامل الأراضي الوطنية. وعلى غرار نظيره العراقي، الذي انهار بشكل مدوّ تسبب في خسارة جزء من أراضي الدولة العراقية لصالح تنظيم الدولة الإسلامية وفتح المجال أمام الميلشيات الشيعية لتقوم بدوره، صار الجيش لغزا كبيرا في الشارع اليمني، بعد أشهر من تركه العاصمة صنعاء فريسة سهلة لمسلحي جماعة أنصار الله الحوثية، ثم كرر السيناريو، منتصف شهر يناير الماضي، ووقف مشاهدا لهجوم مقاتليها على مقار رئاسية ومنزل الرئيس المستقيل، عبدربه منصور هادي.
الجيش اليمني، بشهادة الخبراء، أنهى سنة 2014 واستقبل 2015، بحالة غير مسبوقة من الانهيار المعنوي والمادي بعد أن كان يحتل في العام 2013 الترتيب الخامس ضمن قائمة أقوى الجيوش العربية.
ويصنّف الباحث عبدالرحمن الرياني جيش بلاده ضمن الخاسرين فيما حدث للبلاد، منذ سقوط صنعاء في أيدي الحوثيين ووصولا إلى ما اسماه بـ”معركة القصر الرئاسي”، التي انتهت باستقالة الرئيس عبدربه منصور هادي. لو أن الجيش اليمني، وفق الرياني، أطاح بالرئيس عبدربه منصور هادي من خلال مجلس ثورة جنوبي شمالي، لا يعرف الجهوية ولا يحمل راية مذهبية، وقام بتشكيل حكومة تكنوقراط في اليمن لربما خرج ملايين اليمنيين للتظاهر دعما للجيش كمؤسسة وطنية وحزب اليمن الكبير كما يطلق البعض عليه. لكن الذي حدث هو أن جماعة الحوثي هي التي أطاحت بالرئيس وبالجيش وبكافة القوى الوطنية.
ويقول محلّلون إنه بفضل تحالف الحوثيين مع خصمهم القديم الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، الذي لا تزال قيادات عسكرية تدين له بالولاء، نجحوا، دون عناء، في التهام محافظات في الشمال والغرب ذات الأغلبية السنية، واستطاعت إقناع القيادات التي لن تقاتل في صفوفها بـ”الحياد” في معاركها مع الدولة وألا تتدخل. ومرارا، نفت قيادات في حزب المؤتمر الشعبي، بزعامة صالح، أي تنسيق بين الأخير والحوثيين بشأن تحركاتهم المسلحة.
بالفعل، وخلال اجتماع في وزارة الدفاع الثلاثاء الماضي، أعلن المفتش العام للقوات المسلحة في اليمن، اللواء الركن عبدالباري الشميري، حيادية القوات المسلحة، و”وقوفها على مسافة واحدة من جميع أطراف الأزمة”، بحسب وسائل إعلام محلية. وهذا هو أول موقف معلن لقيادي في الجيش منذ إعلان الرئيس عبدربه منصور هادي يوم 22 يناير الماضي استقالته.
ويعتبر عبدالرحمن الرياني أن انقلاب الحوثيين وموقف الجيش يعيدان البلاد إلى مرحلة ما قبل الدولة. ويظهر ذلك من خلال العديد من القرارات التي اتخذتها حركة أنصار الله على غرار تسليم مدير مكتب الرئيس المستقيل عبدربه منصور هادي والأمين العام للحوار الوطني أحمد عوض بن مبارك إلى أحد مشايخ محافظة شبوة، وهي رمزية لها دلالتها في رفضهم القاطع للتعاطي مع الدولة اليمنية. كما أن دخول الحوثيين إلى القصر الرئاسي والتعدي على رئيس الجمهورية يعد بمثابة دلالة على رفضهم المطلق للنظام الجمهوري، وهم بهذا الاعتداء على شخص الرئيس إنما يقومون بإذلال منظومة سياسية هم في حالة عداء تاريخي معها منذ قيام الثورة اليمنية.
مغامرة حوثية جديدة
حصدت جماعة الحوثي، التي نشأت عام 1992 على يد حسين بدر الحوثي الذي قتلته القوات الحكومية عام 2004، ثمار اتفاق السلم والشراكة الوطنية، الموقع بين القوى السياسية ومنها جماعة أنصار الله، عشية اجتياحهم لصنعاء يوم 21 سبتمبر الماضي.
فالجماعة، التي كانت غير شرعية قبل ثورة 2011 الشعبية التي أطاحت بحكم علي عبدالله صالح في العام التالي، ضمت، منذ سيطرتها على العاصمة، مواقع عسكرية مهمة، أبرزها هيئة الأركان وجهاز المخابرات، ومدراء شرطة العاصمة وإب، ما يمنحها، بحسب مراقبين، “غطاء لأفعالها العسكرية القادمة”.
ومع تحكم الحوثيين في القرار العسكري، يتخوف ضباط يمنيون معارضون للجماعة من أن يقدم الحوثيون على مغامرة جديدة بإجبار رئاسة هيئة الأركان (الجهة العسكرية الرسمية المشرفة على الجيش بعد استقالة حكومة خالد بحاح)، على اتخاذ قرار رسمي بشن حرب على خصومهم في المحافظات النفطية، ولا سيما مأرب (شرق) ذات الأغلبية السنية، والتي تُقرع فيها طبول الحرب منذ أسابيع.
وعن تحركات الحوثيين منتصف الشهر الماضي ضد هادي، الجنوبي الذي تسلم الرئاسة من صالح، قال ضابط في الجيش، فضل عدم نشر اسمه خوفا من ملاحقته، إن “أحد أبرز أسباب تصعيدهم الأخير على الرئيس والحكومة هو رفض الرئاسة والحكومة إصدار قرار رسمي لصالح الحوثيين بشن حرب على خصومهم في مأرب، ففي مأرب تنتظرهم معركة حقيقية وهم يعون ذلك، لذا يريدون من الطيران العسكري أن يتقدم ويقصف خصومهم ليتقدم المسلحون الحوثيون بسهولة”.
ومضى الضابط قائلا: “حاليا، يرى الحوثيون أن حروبهم ستكون مشرعنة وكما يقمعون المتظاهرين ضد الجماعة بأوامر من مدير شرطة العاصمة المحسوب عليهم، سيجبرون نائب رئيس هيئة الأركان الموالي لهم (اللواء زكريا يحيى الشامي)، بعد منع الحوثيين رئيس الهيئة (العميد الركن حسين ناجي هادي خيران) من الدخول إلى مقر عمله بعد قرار تعيينه، على إصدار أوامر للطيران بشن ضربات على مأرب، لكنها ستكون مغامرة كبيرة ومفضوحة”.
وبحسب مصادر يمنية مسؤولة، فإن “مواقف الرئيس هادي هي الأخرى ساهمت في تمدد الحوثيين، فالرجل بدا وكأنه متحالف معهم، ولاسيما منذ معركتهم الأولى في محافظة عمران منتصف العام الماضي، حيث خاض اللواء 310 (من الجيش) قتالا بمفرده استمر ثلاثة أشهر، ورفض الرئيس هادي آنذاك إمداده بالعتاد أو ذكر أخبار معاركه في الإعلام الرسمي، وهو سيناريو تكرر في المعركة التي دارت على مشارف صنعاء في سبتمبر(أيلول) الماضي وانتهت باجتياح العاصمة”.
إضعاف الجيش اليمني
بحسب دراسة عبدالرحمان الرياني، فإن حوالي نصف مليون ينخرطون في صفوف الجيش الرسمي اليمني، والقوة الضاربة فيه هي قوات الحرس الجمهوري وقوامها خمسة وأربعون لواء تضمّ قرابة مئة وعشرين ألف رجل مدرّبين على أعلى مستوى. فيما يُقدر عدد مسلحي جماعة الحوثي عند اجتياح صنعاء بـ20 ألف مسلح قبلي.
وتتوزع تركيبة الجيش اليمني بين ألوية المشاة والمدرعات والقوات الخاصة وقوات الاحتياط وألوية الحامية الرئاسية وألوية الصواريخ وسلاح الجو والقوات البحرية، وغالبيتها كانت تحت إمرة أحمد نجل الرئيس السابق، “وتقاتل مع الحوثيين حاليا بفضل التحالف الناشئ بينهما، وقد صارت القوات الخاصة في أيدي الجماعة منذ تعيين أحد الموالين لها قائدا لها بعد سقوط صنعاء”، بحسب معارضين لجماعة أنصار الله.
وبدأت عملية تدمير الجيش من خلال إعادة الهيكلة التي أعلنها الرئيس هادي في العام 2012، والتي قادت إلى تفكيك الكثير من المعسكرات ونقلها إلى أماكن متباعدة ما أضعف أهم الوحدات العسكرية. وشبّه الرياني خطة إعادة هيكلة الجيش اليمني ببيريسترويكا ميخائيل غورباتشوف، لكن بصبغة عسكرية، والتي أدّت إلى إضعاف الجيش اليمني، الذي كان وحتى تاريخ 21 سبتمبر 2014، يوم اقتحام العاصمة اليمنية من قبل الحوثيين، متماسكا إلى حد كبير ولديه القدرة للتصدي بقوة لأي جماعات مسلحة غير شرعية في البلاد.
نقطة التحول نحو الانهيار في الجيش اليمني كانت عندما نجحت عملية الاستقطاب ذات الغطاء المذهبي، من قبل القوات الحوثية والرئيس السابق علي عبدالله صالح لعدد كبير من قيادات الجيش اليمني، وإجبارها على عدم التصدي للقوات المقتحمة للعاصمة، وللعلم المسبق للرئيس هادي من أن التركيبة الفئوية للجيش اليمني هي السائدة، وأن معظم قيادات الجيش اليمني لاتزال على صلة بالرئيس السابق، وأنه يعد بمثابة المرجعية الأولى لقطاعات كبيرة من الجيش.
وتفاديا للحرج آثر الرئيس هادي عدم خوض معركة نتيجتها معروفة سلفا، عندها أعطى أوامره لمختلف الألوية العسكرية بعدم خوض أي معركة مع “القوات الحوثية” المدعومة من عدد من الألوية العسكرية للرئيس السابق وبخاصة من قوات الحرس الجمهوري، التي كانت تحت قيادة نجل الرئيس السابق والتي أسسها لتكون القوة البديلة لحماية النظام في حالة حدوث تمرد أو انقلاب عسكري ضد الرئيس صالح. وما أن أصبحت العاصمة تحت قبضة القوات الحوثية والألوية المتحالفة معها حتى بدأت جماعة الحوثي باستهداف الجيش اليمني.
شخصيات متهمة بالتسبب في انهيار الجيش اليمني
◄ عبدربه منصور هادي
الرئيس اليمني المستقيل، بعض الخبراء اعتبروا خطّته في إعادة هيكلة الجيش اليمني سببا في ضعفه؛ فيما قالت مصادر يمنية إن “مواقف الرئيس هادي ساهمت في تمدد الحوثيين، فالرجل بدا وكأنه متحالف معهم".
◄ علي عبدالله صالح
الرئيس اليمني الأسبق
من مؤسسي الجيش الجمهوري اليمني بعد توحيد البلاد. ويقول مراقبون إنه كلمة السر وراء الهجوم الحوثي على القصر الرئاسي، حيث لا يزال صالح يسيطر على أعضاء نافذين في الحرس الرئاسي.
◄ عبدالملك الحوثي
قائد جماعة أنصار الله
التي تخوض معركة مصيرية مع الجيش اليمني، التي بدأت باستهدافه بشكل خطير بمجرّد أن أصبحت صنعاء والألوية المتحالفة معها تحت قبضتها وبعد أن استولت على عتاد القوات المسلحة اليمنية.
واجتاحت جماعة الحوثي محافظات في الشمال والغرب بـ”أسلحة الجيش” التي استولت عليها من معسكرات محافظة عمران (شمال) والفرقة الأولى مدرع، وسط اتهامات للجماعة بالعمل على إعادة حكم الزيدية المتوكلية، الذي بدأ في الشطر الشمالي من اليمن عام 1918 وانتهى في 1962 عبر تحرك مسلح بقيادة ما يطلق عليه “تنظيم الضباط الأحرار”. وهو ما تنفيه الجماعة، مرددة أنها تسعى إلى شراكة حقيقية مع كافة القوى اليمنية.
وخسر الجيش اليمني معظم معداته العسكرية لصالح الحوثيين فمئات الدبابات من طراز t72 الروسية الصنع أضحت في متناول القوات الحوثية التي باتت قوات عسكرية وتجاوزت المرحلة التي يمكن لنا ان نطلق عليها الميليشيا، يكفي أن نعلم أن الصراع الآن على الجيش اليمني بات محسوما لصالح القوات الحوثية التي أضحى همها الأول هو كيفية السيطرة على سلاح الجو اليمني كعامل مهم يمكن له المساعدة في حسم معركة مأرب.
وقال عسكريون الشهر الماضي إن الحوثيين، الذين خاضوا ست حروب ضد الدولة خلال حكم صالح، استولوا على أسلحة حديثة كانت في مخازن ألوية الحماية الرئاسية الواقعة في دار (قصر) الرئاسة بصنعاء، بينها مدرعات أميركية وقناصات ومدافع.
ووفقا لتقارير غير رسمية، صار الحوثيون يمتلكون أكثر من 100 دبابة. وذكر مركز “أبعاد” البحثي (غير حكومي) أن الجماعة صارت تهيمن على على 70 بالمئة من مقدرات الجيش في اليمن.
وبهذه الطريقة تكون عملية تفكيك الجيش اليمني قد نجحت، وساعد في ذلك عودة القوات الجنوبية المتواجدة في صنعاء الى الجنوب وهي التي تقدرها بعض المصادر بقرابة الألف عسكري جنوبي، كانوا موزعين على الجيش والحرس الجمهوري والأمن المركزي. وحاليا لم يتبق منهم سوى ثلاثة ألويات مرتبطة بالحماية الرئاسية، بدأت بدورها عمليات نزوح جماعي إلى المحافظات الجنوبية مباشرة بعيد اقتحام الحوثيين للعاصمة اليمنية، وفي المقابل هناك موجات نزوح جماعية من قبل الأفراد الشماليين في الجيش المرابطين في الجنوب للعودة إلى المحافظات الشمالية.
يخلص عبدالرحمن الرياني، مدير المركز الدولي للإعلام والعلاقات العامة، إلى أن الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح نجح في تغيير عقيدة الجيش من الولاء للوطن إلى الولاء للقبيلة والمذهب والأشخاص، ليأتي الحوثيون ويجهزوا على ما تبقى من الجيش اليمني الذي لم يعد قادرا على لعب أي دور وطني بفعل حالة الترهل والولاءات الضيقة. ولن يتوقف الأمر، وفق الرياني، على ماهو عليه الآن، فالدلائل والمؤشرات تؤكد أن هناك مخططا يجري تنفيذه لتحويل الجيش إلى أداة طيعة بيد جماعة الحوثي، وهو ما سوف يتضح من خلال الخطوات الجريئة التي سيقوم باتخاذها الحوثيون للسيطرة على الجيش والتي بدأت من خلال معسكر العرقوب في خولان ومن خلال السيطرة على معسكر قوات الاحتياط جنوب العاصمة.
ويذهب مراقبون إلى أن الضربات الموجعة التي تلقاها الجيش اليمني ربما تقضي على حلم اليمنيين في إرساء السلام وإدارة الصراع السياسي بصورة حضارية، لا سيما بعد سقوط العشرات من مقاره في أيدي جماعة الحوثي، بفضل التحالف مع صالح الذي جعل طيلة حكمه الممتد لـ33 عاما عقيدة الجيش تدين بالولاء للأشخاص والمناطق الجغرافية، وليس للوطن ككل.
في ذات السياق، يرى الباحث والمحلل السياسي عبدالناصر المودع، أن “الجيش اليمني يعاني من أزمة قيادة، ويتحمل المسؤولية عن ذلك الرئيس هادي”. ومضى المودع بقوله “منذ بداية تمدد الحوثيين لم يوجه الرئيس هادي أي أوامر لقوات الجيش بالاستعداد لمواجهة الحوثيين، وحتى حين حاصر مسلحون حوثيون صنعاء لم تُشكل غرفة عمليات، ولم توجه إلى القادة أوامر بما يجب أن يقوموا به، وهي حالة مستمرة حتى الآن”.
وعن تداعيات هذا الموقف، يؤكّد أن “كل ذلك أدى إلى إرباك القوات المسلحة، وهو ما استغله الحوثيون الذين ساوموا بعض القادة واشتروا ولاءهم، وفي الوقت نفسه بقي القادة والضباط دون أي توجيه ولا قيادة.. وهذه الحالة تعني أن القادة ليس أمامهم سوى الاستسلام للحوثيين، فكل قائد عسكري لا يستطيع أن يصد الجماعة دون دعم أو تنسيق مع بقية الوحدات والقيادة“.
ووفقا للباحث اليمني، فإنه “نتيجة لكل ذلك، أصبح الجيش اليمني نهبا للحوثيين في الشمال، وقد يصبح نهبا للإرهابيين والانفصاليين في الجنوب (حيث ينشط تنظيم القاعدة والحراك المطالب بانفصال الجنوب عن الشمال)، وهذا أمر في غاية الخطورة، لكونه سينهي أهم أسس الدولة اليمنية”.