افراسيانت - كشف تقرير صادر عن المركز الحقوقي «بتسيلم» النقاب عن تعمد القيادتين السياسية والعسكرية طمس الحقائق والجرائم التي ارتكبت بحق قطاع غزة في العدوان الاخير .
وقال التقرير :"ان الهيئات التي تحقّق في أحداث "الجرف الصامد"تعمل أساسًا على خلق صورة زائفة لجهاز يقوم بكامل وظائفه ويبدو كأنه يسعى إلى كشف الحقيقة بينما المسؤولون الحقيقيون عن الانتهاكات لا يتمّ التحقيق معهم بتاتًا، وكلّ ما يجري هو فحص سطحيّ لحوادث منفردة مقطوعة الصّلة مع أيّ سياق. هذه هي النتيجة التي خلص إليها تقرير "إجراءات طمس الحقائق: التحقيق المزعوم في أحداث "الجرف الصامد"، الذي تنشره ( اليوم الثلاثاء الموافق 20.9.2016) منظمة حقوق الإنسان "بتسيلم" وتلخّص فيه سنتين مرّتا منذ انتهاء القتال.
وجاء في التقرير :" ان الحجم الهائل للخسائر في أرواح المدنيّين الفلسطينيين في غزة (نحو ثلثي القتلى الفلسطينيين أي ما يساوي 1392 - بينهم 526 قاصرًا- لم يشاركوا في القتال، ومئات منهم قُتلوا جرّاء قصف منازلهم من الجوّ) أثار شبهات قويّة بأنّ إسرائيل قد انتهكت مبادئ القانون الإنساني الدولي. ولكن مثلما جرى في تحقيقات في أحداث قتالية سابقة هذه المرّة أيضًا لم تحقّق أيّ هيئة رسمية مع أصحاب المناصب السياسية والرتب القيادية العالية في الجيش، الذين وجّهوا سياسة الهجوم وكانوا مسؤولين عن صياغة الأوامر واتخذوا القرارات الميدانية أثناء القتال؛ ولمْ يُطلب إليهم تقديم حساب حول مسؤوليتهم عن النتائج الوخيمة التي ترتّبت على قراراتهم. لقد مضت سنتان ولم تُطرَح أسئلة حول السياسات المتّبعة – بما في ذلك سياسة استهداف المنازل المأهولة التي كانت نتيجتها أن قتل الجيش مئات الأشخاص، وسياسة إطلاق الصواريخ عشوائيًا على مناطق مأهولة وسياسة هدم آلاف المنازل وتدمير مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية.
وبحسب التقرير الإسرائيلي :"لقد صرحت النيابة العسكرية أنها قد بدأت - والقتال مازال دائرًا - في فحص شبهات انتهاك القانون. في نهاية آب 2016 أعلنت بيانها الخامس في هذا الشأن والذي أفاد بأنّه حتى ذلك الحين كانت قد وصلت شكاوى تتعلق بـ360 حادثة، وأنّه قد تمّ تحويل نحو 220 حادثة منها إلى جهاز الفحص التابع للقيادة العامّة – الذي أقيم في خضمّ القتال لفحص الوقائع الأوّلية المتعلقة بالشكاوى المقدّمة. في نحو 80 حالة أوعز النائب العامّ العسكري بأن يُغلق الملفّ دون تحويله إلى التحقيق في الشرطة العسكرية؛ وفي حالات 7 أوعز بتحويل الملف إلى التحقيق. في 24 حالة أخرى - معظمها حالات عنف ونهْب - أوعز النائب العامّ العسكري إلى الشرطة العسكرية فتح تحقيق فوريّ دون تحويلها إلى الجهاز الذي أقيم لفحص الشبهات. في 13 من هذه الحالات انتهى التحقيق وأوعز النائب العامّ العسكري بإغلاق الملف دون فعل شيء. وفي حالة واحدة فقط انتهى التحقيق إلى تقديم لائحة اتّهام – هي الوحيدة حتى اليوم - ضدّ جنديّين بدعوى النهْب وضدّ جنديّ آخر بدعوى مساعدتهما على ذلك.
وقال مركز بتسيلم :"لقد جرى تقييد التحقيق في أحداث "الجرف الصامد" سلفًا ليشمل حالات قليلة ليس إلاّ ومسؤوليات أصحاب الرّتب الميدانيّة لا غير. وبوصفها كذلك فإنّ فائدة هذه التحقيقات محدودة منذ البداية. ومع ذلك فإنّ التمعّن في بيانات النيابة وفي تبريرات النائب العامّ العسكري المفصّلة في تلك البيانات يُظهر أنه حتى هذه التحقيقات التي تديرها النيابة العسكرية لا تسعى إلى البحث عن الحقيقة ومحاسبة المسؤولين.
وبين التقرير ان تبريرات النائب العامّ العسكري لإغلاق الملفات تشير إلى تأويل غير مقبول لأحكام القانون. في 22 حالة قرّر النائب العامّ العسكري أن الجنود قد تصرّفوا وفقًا للقانون مستندًا في ذلك إلى فحص كلّ حادثة كأنما هي حادثة منفردة وشاذّة وبغضّ النظر عن أيّ سياق كان. حقًا إنّ القانون الدولي يفحص هو أيضًا قانونية كلّ هجوم على انفراد ولكن النائب العامّ العسكري يتمادى في تأويل ذلك حدَّ التطرّف وفي تجاهُل مطلق لحقيقة أن الأحداث التي تمّ التحقيق فيها كانت جزءًا صغيرًا من عشرات الهجمات المتشابهة تقريبًا والتي نُفذت خلال أيام القتال الخمسين وانتهت مرّة تلو الأخرى إلى نتائج مرعبة. من هنا لا يمكن قبول الادّعاء القائل إنّ المسؤولين عن تلك الهجمات كان يحقّ لهم أن يعتمدوا في تقييم الإصابات والخسائر المتوقّعة في أوساط المدنيّين فرضيّات قد ثبت بطلانها مرّة تلو الأخرى – وبأثمان باهظة في الأرواح – سواء من خلال أفعالهم هم أو أفعال زملائهم. التأويل الذي اتّبعه النائب العامّ العسكري يخلي جميع الأطراف التي كانت ضالعة في الهجمات – بدءًا من رئيس الحكومة ومرورًا بالنائب العامّ العسكري نفسه وانتهاءً بالشخص الذي أطلق النيران – يخليهم من واجب عمل كلّ ما في استطاعتهم لأجل تقليص الإصابات والخسائر في أوساط المدنيين.
واوضح التقرير إنّ رجال السياسة ورجال القضاء وقياديّين في الجيش وأصحاب مناصب عليا في النيابة العسكرية قد بيّنوا أثناء القتال وعلى نحوٍ أشدّ بعد انتهاء القتال أنه لا حاجة بتاتًا للتحقيق في الطريقة التي يُدار بها الجيش. هؤلاء يدّعون أنّ الجيش طيلة حملة "الجرف الصامد" قد تصرّف وفقًا لأحكام القانون الإنساني الدولي وعمل كلّ ما في وسعه لمنع الخسائر والإصابات في أوساط المدنيّين. من أقوال هذه الجهات الرسمية يبدو أنّ أحد أسباب دعمهم لإجراء تحقيق – ولو ظاهريّ – في شبهات انتهاك القانون أثناء حملة "الجرف الصامد" هو رغبتهم في منع انتقال معالجة الموضوع نفسه إلى المحكمة الجنائية الدولية ICC في لاهاي.
وقال بتسيلم يبدو أنّ إسرائيل لم تنجح حتى في هذه المهمّة. المدّعية العامّة في المحكمة الدولية في لاهاي لم تقرّر بعد هل للمحكمة صلاحية التحقيق في ما جرى أثناء القتال في حملة "الجرف الصامد"؛ ولكن إذا قرّرت أنّ الأمر يقع ضمن صلاحيات المحكمة فهنالك شكّ كبير أن تمنع التحقيقات التي تديرها إسرائيل تدخّل المحكمة.
واضاف إنّ التحقيقات الحقيقية والناجعة مطلوبة ليس فقط لتحقيق العدل للضحايا وأقربائهم؛ إنها مطلوبة أيضًا لأجل الرّدع ومنع تكرار مثل هذه الأفعال وكذلك منع إصابات وخسائر إضافية. عندما لا يجري التحقيق في شيء وعندما يوجد إجماع أنّ كلّ ما يجري أثناء القتال هو قانونيّ وأخلاقيّ – فالطريق ممهّدة لحصول كلّ هذه الأشياء مرّة أخرى بل وحصول ما هو أسوأ منها. بعد حملة "الرصاص المصبوب" لم تكن هنالك مساءلة ولا محاسبة بل الطمس فقط لا غير. وفي هذه المرّة أيضًا في أعقاب "الجرف الصامد" لا مساءلة ولا محاسبة هنالك فقط طمس للحقائق. إنها ليست مجرّد مسألة قانونية: نحن نتحدّث هنا عن حياة الناس (وموتهم).