افراسيانت - إن النضال الإنساني , أو التزام مبادئ حقوق الإنسان , لم يعد مجرد حركة ثقافية أو دعوة سياسية ,لقد أصبح حركة علمية منظمة تعمل على تنظيمها وتطويرها عقول وجهود كثيرة , وقد حققت هذه المنظومة انتصارات فكرية وأخلاقية, حتى صار معارضيها وخصومها يضطرون لاستخدام لغة حقوق الإنسان.
إن حركة حقوق الإنسان طبعا حركة سلمية , تثق بفعالية مخاطبة العقل , وترفض العنف, والأهم أن محورها الإنسان والمواطن الفرد الذي صار جزءا من أشخاص القانون الدولي ومخاطبا بقواعده ونصوصه , فالإنسانية صارت تضع حدا أدنى في معاملة الإنسان يجب أن تلتزم به كافة الهيئات والدول , وهذا يعتبر جزءا من الآليات العالمية لتطبيق حقوق الإنسان . وبالتالي تغيرت النظرة التقليدية عن القانون الدولي ولم يعد خطابه موجها للدول فقط بل إنه يلزم هذه الدول بطرق معينة في معاملة رعاياها.
إن آليات تطبيق حقوق الإنسان ليست محورا صغيرا يمكن اختصاره بعدة كلمات , إنها ترتبط بواقع دولي وإقليمي وطني, وإذا كنا تطرقنا للقانون الدولي بشكل عابر , فهذا ما اقتضته الضرورة لإيضاح أهمية الفرد في الاعتبار القانوني الدولي لحماية هذا الفرد الإنسان, وفي واقع عملنا في منطقتنا المترعة بمشكلات دولية وداخلية محلية , وأخطار اجتماعية وسياسية و اقتصادية قد يكون من الأمانة أن نقول أن انغماس عدد كبير من متعاطي القانون والفكر بهذا العمل ليس مرده إلى آلية العمل لحماية الشعوب بطريقة الغرب المتفرج , أو بشكل إداري سياسي كما تؤدي منظمات الأمم المتحدة دورها وفقا لخارطة تعاملات دولية ومرتكزات معينة , إنما نحن في واقع الأمر مضطرون أمام مناخ مفروض من الهزائم وانتهاك الإنسانية بفعل نظم متسلطة أو منظومة مجتمع يرزح تحت وطأة حصار التقاليد والفقر والجهل , وفي غياب التعددية السياسية وحماية القانون , ومصادرة حق التعبير والرأي , واستخدام الموروث الديني في مواجهة الآخر وحالات الاقتتال الطائفي, كل هذا فرض علينا بشكل أو بآخر أن نلتزم بهذا النضال.
وبما أننا أشرنا إلى الواقع الدولي كمؤثر في خارطة حقوق الإنسان و نضالاتها فإنه ليس مبتكرا أن نتحدث عن أول أوليات الآليات الوطنية وأهمها لتحقيق التقدم في مجال حقوق الإنسان وإرساء قواعدها وهو النظام القضائي المستقر والمحترم , والذي يتكرر ذكره في كل حديث لنا عن حقوق الإنسان كتأكيد على أن القضاء النزيه قادر على تحقيق نقلة حقيقية وتغيير جذري في مسألة حقوق الإنسان , والواقع إن عددا قليلا من دوال آسيا وإفريقيا تتمتع بنظام قانوني مستقر ومحترم , بل غالبا ما تستطيع السلطة التنفيذية السيطرة على هذه المؤسسة, وهكذا يتم توجيهها ضد الحريات العامة , وكثيرا ما دفع نشطاء الرأي أثمانا باهظة أمام هذه المؤسسات التي تعجز بقيودها عن الإنصاف.
إن المنظمات غير الحكومية التي انخرط نشطاؤها في هذا العمل طوعا وضمن قناعة تامة بأهمية ثثبيت هذه الحقوق وإرساء قواعدها لضمان إنسانية الإنسان, وفي أجواء سياسية واجتماعية تعيق هذا العمل وأحيانا تحاربه وترهبه, ويتعرض النشطاء للخطر والتهديد , خاصة في الدول التي تنتهك سلطاتها هذه الحقوق ,تعتمد في عملها على حماس وإخلاص أنصار ها لقضية حقوق الإنسان , وهي بالتالي الأكثر تعبيرا عن التقاليد الأصيلة لحركة هذه الحقوق.
المحامي محمود مرعي
رئيس مجلس الإدارة