افراسيانت - نزهة أبو غوش - بقلب واثق وجريء كتبت بيان شراونة روايتها البكر " قلب مرقّع"، التي صدرت مؤخّرا عن دار الجندي للنّر والتّوزيع في القدس مستمدّة أحداثها الواقعيّة من المجتمع الّذي تحياه . ذلك المجتمع الّذي ما زال يهمّش الأُنثى ويستضعفها، رغم القوّة الّتي منحها الله سبحانه وتعالى.
استلّت الكاتبة الشّابّة بيان شراونة قلمها؛ لتعلن حربا ضدّ من يقف عائقا أمام الأُنثى في المجتمع. ضدّ من اغتصب حقوقها وكرامتها وأُنوثتها، وقالت: لا لقيمكم وعاداتكم البالية. لا لظلمكم. لا لقوّتكم الفيزيائيّة الّتي تستغلّونها للأسوأ في حياتكم.
تناولت الرّاوية سالي قلبها، وبدأت بترقيعه بعد أن تعاون على تمزيقه أفراد مجتمعها، وخاصّة والدها، وفتاها الّذي أحبّت خالد، ووالدتها، وسائر أفراد المجتمع سواء كانوا ذكورا أم اناثا؛ علّ هذا التّرقيع يعيد للقلب طبيعته.
وقفت الرّاوية أمام قضيّة شائكة طالما أقلقت مجتمعنا الاسلامي والعربي. هل الفتاة الّتي فقدت عذريّتها لسبب ليس لها به ذنب تعتبر فتاة فاقدة لشرفها؟ ما هي المعايير والمقاييس الاجتماعيّة الّتي يبني عليها المجتمع هذا الحكم؟ ناقشت الكاتبة بروايتها هذه القضيّة وعاتبت المجتمع بأسره على حكمه الظّالم تجاه المرأة.
أدخلت الرّاوية القارئ إِلى المؤسّسات الّتي أُعدّت للأطفال الّذين فقدوا مكانهم بين أهلهم وأُسرهم. تبيّن للقارئ أشياء كثيرة كان يجهلها، ويجهل ما يدور هناك في تلك الأروقة، وأيّ قوانين وعادات تمارس عليهم، وما هي علاقتهم بالمجتمع الخارجي، وكيف يمكن معالجة تلك الفئة المظلومة من خلال المربّين والمربّيات وأصحاب (الدّار، أو السّكن)، كما أطلقت عليها في نهاية الرّواية.
تغلّبت العاطفة على أحداث الرّواية من بدايتها حتّى نهايتها، وقد جهدت لاستدرار عطف القارئ من خلال الرّاوية البطلة، سالي حيث أسهبت في التّعبيرعن عاطفتها الحزينة، الغاضبة، المتألّمة، المقهورة من ظلم والدها الّذي رفض الاعتراف بها، وقد ميّز بينها وبين أُختها بشكل واضح ومباشر، ونبذها، وضربها ضربا مبرحا دون سبب جنته. أعتقد بأنّ العاطفة هنا كان مبالغا بها؛ لأنّ مهما وصل رفض الوالد للمولود الزّائد – حسب رأيه- لا يصل به أن ينتقم منه بهذه الطّريقة المرفوضة عرفا وقانونا.
عاطفة حنان الجدّة وحبّها لحفيدتها واحتوائها لها كانت منطقيّة وواقعيّة؛ لأنّ الأجداد يحبّون الأحفاد ويعطفون عليهم أكثر من أولادهم.
عاطفة الشّفقة والحنان معا من قبل الأُمّ لم تتقبّلهما سالي، بل طمحت بعاطفة أكبر، وحنان ومودّة واحتواء، وتفهّم. أرى بأنّ عاطفة الشّفقة من قبل الأُمّ هي وليدة ضغط المجتمع، فقد خلق منها شريكة رافضة لما وقع لابنتها المغتصبة،؛ لأنّ المجتمع نفسه يرفض، ولا تقدر على مواجهته وحدها. نلحظ في الرّواية كيف استغربت الأمّ عندما تقدّم عريس لطلب يد ابنتها، وهي فتاة غير عذراء. هذا ما حصل مع الأخ الكبير رفعت، إِذ أحبّ أُخته سالي دائما وأحضر لها الحلويات وغيرها، لكنّه حين سمع بأنّها قد اغتصبت ابتعد عنها، ولم يفسّر لها سبب بعده.
عاطفة شعور سالي بالظّلم والقهر وعدم المساندة المجتمعيّة لها، خلقت بداخلها فتاة قويّة جعلتها تقف متحدّية أمام هذا الظّلم، بحثت لها عن عمل في مكتبة، وطوّرت نفسها من خلال كتاباتها للأطفال ومشاركتهم الفعاليات. أمّا الانتقام المباشر فكان أوّلا انتقامها من والدها حين أصبح لا حول له ولا قوّة، حينها أدارت له وجهها وأشبعته كلاما كانت قد خزّنته لمدّة سنوات؛ ثمّ انتقامها الآخر من محبوبها الّذي تخلّى عنها، خالد، إِذ رفضته زوجا بعد تعبيره لها عن ندمه بعد فقدان زوجته بحادثة سير.
أشبعت الكاتبة بيان شراونة عاطفتها بالانتقام لبطلة روايتها سالي من الرّجل القبيح الّذي اعتدى عليها، وأفقدها عذريّتها من خلال تعرّضه لحادثة سير وموته على الفور، وذلك بعد ملاحقة خالد له.