الكاتبة الرّاحلة آسيا جبّار كانت تعرف بنضالها ودفاعها عن قضايا مصيرية خاصة قضايا المرأة التي أولتها عناية خاصة في أعمالها الروائية.
افراسيانت - ممدوح فرّاج النّابي - مع مطلع شهر أكتوبر من كلّ عام يعلو اسم آسيا جبار الكاتبة الجزائرية المقيمة في باريس، والتي رَحلت مساء الجمعة الماضية في أحد مستشفيات باريس عن عمر يقارب 79 عاما، كواحدة من اللاتي تتصدر أسماؤهن بورصة التخمينات في سباق جوائز نوبل للآداب، ومع كلّ هذا الحضور للاسم في الصحافة والمراهنات إلا أن الإعلان دائما ما يخلو من اسمها.
رحلت ولم تعلن الأكاديمية السويدية اسمها كفائزة عربيّة بالجائزة بعد نجيب محفوظ الروائي العربي الذي توّج بها في 1988، وهو الحلم الذي شغل المثقف العربي تأكيدا لدورها ومكانتها الأدبية التي لا تقل عمّن منحتهم اللّجنة الجائزة من قبل، إلا أن المثقف العربي وبورصة التوقعات منحاها الجائزة الشّرفية، وأدرجا اسمها على القائمة كل عام، بل وتمّ منحها لقب “المرشحة الدائمة” تعويضا عن لقب “مظلومة نوبل”، الذي سيطر على الكتابات الصحفية بعد تخطي الجائزة لها.
تغيير اسمها من فاطمة الزهراء إلى آسيا جبّار، الذي اشتهرت به ككاتبة، جعلها تتعرّض لهجوم ما عرف بحرّاس “الوطنية المزعومة”، وَنقاد الأدب الأيديولوجيين، وهو ما حدا بالمفكر مصطفى الأشرف إلى وصفها بـ”الكاتبة البرجوازية”، وظهر اسمها البديل “آسيا جبّار” مع رواية «الظمأ» عام 1957 التي نشرتها بالفرنسية.
لكن ذلك لم يمنع الجزائريين عن مقارنتها بجميلة بوحيرد في النضال ودفاعها عن قضايا مصيرية خاصّة قضايا المرأة التي أولتها عناية خاصة في أعمالها الروائية مدافعة عن حق المرأة في الوجود، في ظل استعمارين كما قالت الأوّل “استعمار سياسيّ وهو الاستعمار الفرنسيّ الذي صادر الأرض والحرية وَمَسخ الكينونات التاريخيّة للجزائر، والثاني استعمار التخلّف العاداتي والثّقافيّ المحليّ الذي جعل من المرأة إنسانا من الدرجة الثانية”، وهو الاهتمام ذاته الذي نقلته إلى السينما التسجيليّة التي شغلتها إلى جانب المسرح، وإن لم تحقق في هذا الأخير ما حقّقته في الرواية.
الكاتبة نالت شهرة عالمية بكتاباتها الأدبيّة باللغة الفرنسية
الكاتبة الرّاحلة آسيا جبّار كانت أوّل امرأة عربية تطأ قدماها “الأكاديمية الفرنسية” أو ما يطلق عليها «مؤسسة الخالدين» وأول أستاذة جامعية في الجزائر ما بعد الاستقلال في قسم التاريخ والآداب، وأول امرأة جزائرية تنتسب إلى دار المعلمين في باريس عام 1955، ونالت العديد من الجوائز الدولية في إيطاليا والولايات المتحدة وبلجيكا، كما شغلت منصب مديرة في “مركز الدراسات الفرنسية” في جامعة لويزيانا، وعملت أيضا أستاذة محاضرة في جامعة نيويورك.
وقد نالت الكاتبة شهرة عالمية بكتاباتها الأدبيّة باللغة الفرنسية أو حتى بأفلامها التي كتبتها وأخرجتها مثل الفيلم التسجيلي “نوبة نساء جبل شنوة” و فيلم “زردة أو أغاني النسيان”، الذي تحصّل على جائزة أفضل فيلم تاريخي وثائقي في مهرجان برلين الدوليّ، وفيهما رصدت الواقع الجزائري، والمرأة والذاكرة.
ومع أنها ظلّت طيلة عقود، أهمّ كاتبة عربيّة -إلى جانب محمد ديب ومالك حداد وكاتب ياسين- تكتب بالفرنسية، إلا أنها في كتاباتها تستحضر الجزائر، بكافة صورها جزائر الحرب التحريرية، وجزائر بناء الدولة الوطنية، وجزائر العشرية الدموية.
“لا مكان في بيت أبي” هو العنوان الذي اختارته لسيرتها الروائية التي صدرت عام 2007، وهو عبارة عن سيرة فتاة تعيش في الجزائر العاصمة.
تتحدث جبار في هذه السيرة الذاتية كيف تخرج من الثانوية حيث تتابع دروسها وتتجوّل في الشوارع فرِحَةً بما ترى، مأخوذة بفضاءات المدينة وبالشعر، كما تتحدّث فيها عن نشأتها في جبل شنوة وتأثير الثقافة الأمازيغية التي تنتمي إليها ونظرتها الاجتماعية التي كانت ترى أن البيت هو الفضاء الطبيعي للمرأة.
وكذلك عن دور الأب الذي وصفته بالحداثي، فبعد دخولها المدرسة القرآنية، استطاع والدها أن يجد لها مكانا في المدرسة الفرنسيّة، ثمّ عن عملها الأول “العطش” الذي رصدت من خلاله هواجس المرأة وهي تبحث عن سعادتها، ورحلتها إلى باريس وانتسابها إلى دار المعلمين عام 1955.
في كتاباتها كانت تستحضر الجزائر بكافة صورها
وقد تزوجت من الكاتب أحمد ولد رويس، واشتركت مع زوجها، بعد الانتقال للعيش في سويسرا، في كتابة رواية “أحمر لون الفجر” وهو بدوره عمل عن جروح الوطن وجروح الذات المقيمة في الوطن.
وعن حال التمزّق أمام واقع شديد التناقض والتعقيد والقسوة، حتى أنها تقول فيه “أكتب ضدّ الموت، أكتب ضدّ النسيان. أكتب على أمل أن أترك أثرا ما، ظلا، نقشا في الرمل المتحرّك، في الرماد الذي يطير وفي الصحراء التي تصعد”، كما مرّرت أجزاء من سيرتها وسيرة بلدها في عملها “ليالي ستراسبورغ”.
تعدّدت المجالات التي كتبت فيها كالرواية والشعر والقصة القصيرة والمسرح والسينما إلا أن التحقّق الحقيقي لها رغم بعض النجاح في السينما كان من نصيب الرواية التي حفرت لنفسها اسما يضاهي الكتاب الفرنكوفونيين في عالمنا العربي. وصفت من قبل الكتّاب بأنّها الروائيّة الجزائرية الأولى وأيقونة الجزائر الكتابيّة، وإن كان هناك آخرون وصفوها بالكاتبة الفضائحية.
من أعمالها: العطش (رواية 1957)، القلقون (رواية 1958)، أطفال العالم الجديد (1962)، القبرات الساذجات (1967) قصائد الجزائر السعيدة (شعر 1969)، نساء الجزائر في شققهن (مجموعة قصص عام 1980)، الحب ـ الفناتازيا (رواية 1985)، الظل السلطان (رواية 1987)، بعيدا عن المدينة المنورة (رواية 1991)، واسع هو السجن (رواية 1995)، وهران: لغة ميتة (رواية 1996) أبيض الجزائر (قصة 1996)، ليالي ستراسبورغ (رواية 1997) هذه الأصوات التي تحاضرني: على هامش فرنكفونيتي (دراسة 1999)، امرأة بدون قبر (رواية 2002) اندثار اللغة الفرنسية (رواية 2003)، لا مكان في بيت أبي (سيرة روائية 2007)، نوبة نساء جبل شنوة (فيلم 1978)، زردة أو أغاني النسيان (فيلم 1982).