افراسيانت - نزهة أبو غوش - قلبي هناك، الرّواية البكر للكاتب المقدسيّ الشّابّ مهنّد محمد صبّاح، تقع في 218 صفحة، وصدرت قبل أيّام عن دار الجندي للنّشر والتّوزيع في القدس.
في رواية "قلبي هناك" نلمح مدى الصّراع الّذي يعيشه الشّابّ الفلسطيني الّذي هجّر عن أرضه ووطنه، علمًا بأنّ مهنّد الصبّاح من بلدة قالونيا المتاخمة لمدينة القدس والمهجّرة عام 1948.
عاش ابراهيم الرّاوي بطل الرّواية حياة صراع مع الحياة والأحداث منذ نعومة أظفاره.
صراع الأسئلة مع الاجابات عليها. هو يسأل عن حياته في مخيّم، عن الأرض، عن ترك الأرض الكنز الّتي يتحدّث عنها الجدّ في كلّ مناسبة؛ لكنّ الاجابات لم تكن لتقنع طفلا يعيش حياة البؤس في مخيّم انعدمت فيه كلّ وسائل الحياة المحترمة.
الصّراع القائم داخل المجتمع الفلسطينيّ، صراع الطّبقيّة الّذي خلق فجوة عميقة داخل نفسيّة ابراهيم وصديقه محمود في نفس المخيّم.
نتيجة لمفهوم الطّبقيّة، فقد محمود محبوبته سلمى، الّتي فضّلت آخر عليه من طبقة تؤهّلها لحياة مادّيّة أفضل.
انفصال سلمى، محبوبة ابراهيم عنه، خلقت في داخله صراعا مريرا وتساؤلات تشير لوقوع السّبب على شخصيّته الضّعيفة، ربّما؛ لأنّها كانت تلومه دائما لعدم انخراطه في أيّ من الأُطر النّضاليّة. كان صراعه مع نفسه في هذه المرحلة من أصعب الصّراعات، رغم أنّه ينحاز فكريّا إِلى سياسة القوّة والارادة؛ من أجل أن ينال الفلسطيني حقّه.
عمل محمود، صّديق ابراهيم على ملء الفجوة الطّبقيّة من خلال سفره إِلى النّرويج، وحاول اقناع صديقه ابراهيم بالرّحيل معه؛ من أجل تكملة دراستة لحقوق الانسان.
عاش ابراهيم فترة من الصّراع، ما بين تركه الوطن، أو البقاء فيه دون عمل أو أمل للتّقدّم؛ حتّى قرّر أخيرا الرّحيل بعد الضّغط الّذي تعرّض له من قبل صديقه.
بيّن لنا الكاتب مهنّد صّباح صورة الصّراع الّتي يحياها الشّاب هنا في فلسطين. مرحلة بناء الذّات كانت هي الأصعب. كسب لقمة العيش بكرامة، وعدم إتاحة الوسائل والفرص لها، خلقت في نفسيّة الشّاب صراعا رهيبا توجّب عليه أن يقرّر الخروج للبحث عنها خارج الوطن بعيدا عن الأهل والأرض.
الصراع مع الغربة عاشه الصّديقان ابراهيم ومحمود.
بحث محمود عن فتاة نرويجيّة وعاش معها؛ من أجل ارضاء غرائزه، كانت صديقته بمثابة المسكّن، كما يقول." انغريد هي مسكّن آلامي الّذي لا ينسى" ص 91. هنا نرى في تعبير الكاتب مهنّد، كم هو صعب ذلك الضّياع الّذي يعيشه الشّابّ الفلسطيني في الغربة! هو يتأرجح ما بين قيم ومعايير اجتماعيّة موروثة؛ وبين حياة حرّة طليقة من هذه القيود المرهقة لأفكاره وغرائزه.
ربّما استطاع ابراهيم الثّبات والسّيطرة وعدم التّأرجح ما بين الحضارتين، حيث أحبّ بصدق صوفيا، فتاة من أصل عربيّ لأمّ نرويجيّة، أخلص لها وتزوّجها وعاش معها بين أهله؛ لكنّه ظلّ يعيش صراعًا اجتماعيا وثقافيّا ما بين " نحن، وهم" حيث المقارنات الّتي كان يعقدها في خياله ما بين الحضارتين خلال احتكاكه المعيشي في النرويج.
صراع المغترب الفلسطيني في توصيل رسالته، بينما يقف بالمقابل آخر من الدّولة اليهوديّة. هل يقف له بالمرصاد، أم يتعامل بحنكة ودبلوماسيّة – كما فعل محمود- من أجل كسب مواقف الآخرين وفضحهم أمام مواقف المؤيدين لهم؟
ظلّ ابراهيم يعيش هذا الصّراع ولم يتوصّل لقرار.
الصّراع الّذي ما زال قائما بين أن يعيش الانسان الفلسطيني في مخيّم على أثر نكبة، ويعاني ضيق العيش والحرمان في وطنه؛ وبين أن يعيش طليقا بظروف توفّر له العيش بكرامة، غريبا عن الوطن الأُمّ؟
أثناء التّجوال في البلدات المهجّرة المتاخمة لمدينة القدس، منها بلدة قالونيا، وعين كارم والقسطل؛ يتحدّث الرّاوي وكأنّ الزّائرين، أصحاب هذه القرى، وكأنّما "يحملون أشلاء ماضيهم" ص 164. " هم الآن في اغتراب زماني: زمن معاش وزمن آخر مفترض"ص164. وهل هناك أصعب من هذا الصّراع والاغتراب للإنسان الفلسطيني؟
تحدث المفارقة عندما يحاول منظمو الرّحلات للقرى المهجّرة، وهم من أعضاء جمعيّة حقوق الانسان: ابراهيم ومحمود وزوجاتهم؛ حين يقابلون بمعاملة مخالفة لحقوق الانسان على أرضه، حيث يمنع من الصّلاة في مسجد القرية القديم في بلدة عين كارم، ويؤخذ ابراهيم للتّحقيق؛ بتهمة إثارة الفوضى والازعاج في البلدة.
يمكننا القول بأنّ الكاتب صبّاح تمكّن من عرض الأحداث بأسلوب مشوّق وبلغة سلسة متينة، تحمل في ثناياها الواقعيّة التّاريخيّة المطعّمة بأُسلوب روائي؛ كما تمكّن من إيصال رسالته الّتي تعبّر عن صراع الشّاب الفلسطيني على أرضه.
26-4-2017