افراسيانت - جميل السلحوت - عن مؤسّسة تامر للتّعليم المجتمعي في رام الله-فلسطين، صدرت عام 2016 رواية للفتيات والفتيان للأديب الكبير محمود شقير تحت عنوان"أنا وصديقي والحمار"، وتقع الرّواية في 85 صفحة من الحجم المتوسّط.
بعد قراءتي لهذه الرّواية تأكّدت من جديد ممّا قاله أديبنا محمود شقير أكثر من مرّة، وفي أكثر من لقاء ثقافيّ،" بأنّ كاتب الأدب الواقعيّ ليس ناقلا للواقع كما هو" وهو بهذا ينبّه بطريقة غير مباشرة إلى دور الخيال، العاطفة، الأسلوب، عنصر التّشويق وغيرها في البناء السّرديّ للقصّة أو الرّواية.
وهذه الرّواية التي بين أيدينا " أنا وصديقي والحمار" اعتمدت على حدث حقيقيّ، وهو سرقة "حمار محمد السلحوت" صديق الكاتب المغترب في أمريكا، أيّام طفولته، والذي يحلو له ترديد ذلك الحدث على مسامع الأقارب كلّما عاد إلى البلاد زائرا، أو التقى بأحدهم في بلاد الغربة، ويبدو أنّ تكرار السّلحوت لسرد تلك الواقعة، هي التي أوحت لصديقه شقير لكتابة هذه الرّواية، والذي بدوره أهداها لصديقه محمد السلحوت صاحب الحكاية.
ومن يعرف الكاتب وصديقه عن قرب، لا بدّ أن يكون قد سمع الحكاية أكثر من مرّة على لسان بطلها الذي يرويها ضاحكا، وهو يستعرض طفولته المعذّبة التي عاشها هو وأبناء جيله، مع أنّ الحادثة حصلت قبل حوالي ستّين عاما.
وواضح هنا أنّ الكاتب التقط الهيكل العظميّ للحادثة، فكساه لحما، وشحنه بدم ليبعث فيه الحياة، مارّا بعدّة محطّات من حياة صديقه، وهذه المحطّات وردت في الرّواية بالأسماء الحقيقيّة، وبأحداث حقيقيّة، فالكاتب "محمود"، وصديقه "محمّد". ومن الحقائق التي وردت في الرّواية أيضا:
• سرقة الحمار حدثت حقيقة.
• الصّديق محمد لعب الملاكمة وهو طالب، واصطحبه والده إلى مطعم شواء لتغذيته كي يقوى وينتصر في المباراة.
• الصّديق محمد عمل مدرّسا في السّعوديّة، وكان أهالي القرية التي درّس فيها يرتادونه طلبا للعلاج.
• الصّديق سافر بعد حرب حزيران 1967 مباشرة إلى أمريكا طلبا للعلم، حيث درس في هيوستن-ولاية تكساس، وهناك تزوّج من فتاة اسمها جويس، تعود في أصولها إلى ايطاليا، وأنجبا بنتا أسمياها أماندا.
• عمل في هيوستن في مجال الصّرافة وتجارة العقارات.
• يعود كلّ بضع سنوات لزيارة الأهل والأصدقاء.
• حجبت فيزا دخول أمريكا عن الكاتب ممّا حال دون زيارته لأمريكا والالتقاء بصديقه في بيته الرّيفي في "سانتفييه" في ولاية نيو مكسيكو.
هذه حقائق موجودة في الرّواية، وقد استغلّها الكاتب بطريقة جيّدة لكتابة هذه الرّواية التي يطغى عليها عنصر التّشويق، وقد استطاع الكاتب بلغته الرّشيقة الجميلة، وقدرته الفائقة على السّرد، بأن يمزج الواقع بالخيال، ليأتينا بهذه "الوجبة الرّوائيّة الدّسمة" بحيث يصعب على من لا يعرف جزئيات حياة الكاتب وصديقه، وعلاقتهما الشّخصيّة المميّزة، والتي استمرّت منذ طفولتهما وحتّى يومنا هذا، أن يميّز الواقع من الخيال.
وفي تقديري أنّ هذه الرّواية تعتبر نموذجا يحتذى للكتّاب الذين يكتبون أدبا واقعيّا.