نابلس - افراسيانت - بين زحام شوارع مدينة نابلس، وزقاق مخيم بلاطة الذي يعتبر من أكبر مخيمات الضفة، من حيث عدد سكانه البالغ نحو 30000 نسمة الذي يعاني من ضغط المساحة البالغة ربع كيلو متر مربع، حيث مركز يافا الثقافي المليء بالأطفال والشباب والفتيات الذي تعلّقت قلوبهم به، تفوح منه رائحة الإصرار على العودة، وإرادة تأبى أن تنكسر بعيون أطفاله.
مركز يافا الثقافي هو مكان أكثر ما يقال عنه أنه عائلة بل زاد حدّ وصفه، حتى أصبح كالأم الحنون التي تربي أطفالها على حب الوطن، وترسّخ في عقولهم حقهم في العودة الى ديارهم.
منذ عام 1996 كانت بداية انطلاقة مركز يافا العريق ذو الجاذبية الخاصة في قلوب أطفال المخيم، وكانت سبب تسميته بذلك هو أن اغلب لاجئي مخيم بلاطة من مدينة يافا، والذي يتكون من 14 موظفا وموظفة، وعدد من المتطوعين. ومن الجهات الداعمة 90 % أجنبي ودولي، و10 % محلي.
تيسير نصر الله رئيس مجلس إدارة مركز يافا الثقافي يقول " المركز شق طريقه كأول مركز ثقافي في المخيمات، وأثبت حضوره في المجال الثقافي كحاضنة للناشئة، وساهم في نشر ثقافة حق العودة وترسيخها في أذهانهم، وقدّم الصورة الحضارية عن الإنسان الفلسطيني المؤمن بحقه، والعامل من أجل تحقيقه مهما طال ليل النكبة."
وأضاف نصر الله "إن المركز ما وصل لهذا المستوى من التميز والتألق، لولا إخلاص أعضائه وتضافر جهودهم، وتراكم خبراتهم، وتعدد البرامج التي ينفذونها، وما يتمتعون به من مهنية عالية، وشفافية مالية وإدارية، وثقة الممولين بهم وبمصداقيتهم، فاستطاعوا توفير البيئة الآمنة للأطفال لممارسة هواياتهم المختلفة، وتطوير قدراتهم الإبداعية".
فايز عرفات مدير مركز يافا الثقافي يقول " أسمى أهدافنا هو تمكين كافة الفئات من المخيم بمواضيع عدة، أهمها ثقافة حق العودة وعدة برامج منها الموسيقى، الدبكة الشعبية، دروس تعليمية وتقوية، والدراما، والإعلام، والحاسوب".
ويضيف عرفات "يوجد عدة وحدات بالمركز كل منها يعنى بموضوع محدد، فهناك الدائرة الثقافية التي تركز على الأطفال بشكل مكثف لأنهم هم البناء للأجيال القادمة، ووحدة الكمبيوتر، وحدة فنية تعنى بالرسم وتطوير المهارات، ولكن تبقى وحدة الدعم والإرشاد النفسي هي الأهم إذ تبقى الوحدة متابعة للتخفيف عن الأهالي وخاصة طلاب المدارس، حيث يتم متابعتهم بالمدارس بالتعاون مع وكالة الغوث ووزارة الصحة".
"خلية نحل كبيرة تجول في أرجاء المركز في كل يوم يمر علينا، حيث تمتلئ قلوبنا بحبهم وانتمائهم للمكان"، بهذه الكلمات يصف عرفات اكتظاظ المركز بأطفال وشباب وفتيات المخيم، مشيدا : "منذ نعومة اظفار أبناء المخيم، حيث يلجأون إلينا ليعززوا قدراتهم ومواهبهم، إذ أن المركز لم يقتصر دوره على ذلك بل خرّج الكثير من المبدعين أمثال محمد ذوقان الذي يعمل حاليا في تركيا في مجال الميديا، واحمد الزيات الذي يعمل في لندن مع مؤسسة تمنح مشاريع للشرق الأوسط وغيرهم الكثير من الشبان الذين أبدعوا في مجال حياتهم".
في عام 2016 حصل مركز يافا على جائزة الأثر العالمية (امباكت اوورد)، من قبل مؤسسة ستارز فاونديشن في لندن وذلك من بين 24 مؤسسة في العالم، كان لهذه الجائزة اثر كبير في قلب كل من جد وعمل في المركز ليصل الى هذا النجاح، يقول عرفات "يكمن النجاح في هذه النقطة بالعمل على ترك أثر جميل في الأطفال، وأهم انجاز بالنسبة لنا هو أننا نملك عدداً كبيراً جدا من الأطفال ومن الشباب والفتيات الذين تركنا فيهم أثرا حسنا، والاهم من البناء العمراني هو بناء الأطفال لأنهم هم من سيكونون حماة الوطن".
ابراهيم جمال (30 عاما) أحد موظفي مركز يافا يقول " 20 سنة من عمري قضيتها في هذا المكان الجميل، ساعدني كثيرا في تنمية مواهبي وقدراتي، درست إدارة أعمال وعند تخرجي بدأت العمل هنا كمنسق للأنشطة المختلفة في المركز، مؤكدا أن وجودنا هنا لتطوير أبنائنا من كل النواحي، وانصح جميع الأطفال التوجه للمركز من اجل تطوير قدراتهم".
نسرين بشارات أخصائية اجتماعية وهي أحدى الموظفات في وحدة الإرشاد والدعم النفسي تقول "منذ 8 سنوات وأنا أعمل هنا، وحاليا أطرح برنامجين: الأول هدفه خفض مستوى الضغط النفسي لدى النساء والأطفال، إذ نسعى لتخفيف حدة التوتر والضغط لديهم من خلال عدة أنشطة لتعلم التسامح وكيفية تقبل الآخر والتعاون وزرع المحبة والألفة في قلوبهم، ونعمل بشكل تكاملي مع الأهل والأطفال، والآخر يهدف لتعلم الحماية من الاستغلال الجنسي، وذلك بالتعاون مع مركز الدراسات النسوية".
وتشير بشارات " هناك طفل استشهد والده وتركته أمه فكان دائما يحاول الانتحار فكان تعاملي معه أنني حاولت جاهدة معرفة مفهومه للموت كي أعالج نفسيته، وبعد محاولات حثيثة لرفع معنوياته وبالتعاون مع وزارة الصحة، حاولنا قدر الإمكان أن يتكيّف مع الواقع الذي يعيشه".
إسلام السروجي متطوعة منذ خمس سنوات في مركز يافا تقول " تدربنا كثيرا على عدة مواضيع هنا وساعدنا المركز على صقل مواهبنا، فكان المركز سببا في نقطة تحول في حياتي وهي عندما منحني فرصة المشاركة في دورة الرياضة من اجل التنمية، لأصبح من خلالها مدربة كرة قدم لأطفال المركز".
"مركز يافا الثقافي هو كالأم الثانية، جمعنا كأسرة واحدة، ووفر لنا الكثير من الفرص، وأي شيء نقدمه للمركز هو من نتاجه" بهذه الكلمات عبرت السروجي عن حبها وانتمائها لمركز يافا الثقافي طالبة من جميع الأطفال التوجه للمركز لتنمية مواهبهم وصقل مهاراتهم.