افراسيانت - واصل الخطيب - ثمة شعور يمزج بين القهر والحزن والغضب في آن معا، عندما يقترب الموت منك وانت غير مستعد لهذا الاحتمال الاسود، والأكثر مرارة في الحلق، ان ترى والديك مهددين دون أي ذنب اقترفاه، وتقف عاجزا امام بنادق الـ "ام ١٦" والضوء الازرق المنبعث منها، الذي يكاد يخترق كلتي عينيك من شدة حدته.
هذا ما حدث في الهزيع الاخير من الليلة قبل الماضية، عندما اقتحم عشرات الجنود الاسرائيليين حارة الجبل في مخيم قلنديا وداهموا العديد من المنازل واعتقلوا خمسة شبان تتراوح اعمارهم بين ١٨ و٢٢ عامًا، واقتادوهم إلى جهة غير معلومة.
في وسط حارة الجبل، يقبع منزل الكاتب والمحلل السياسي محمد الخطيب، الذي يكتب مقالاً أسبوعيا في "القدس"، وهو أسير محرر أمضى نحو عشر سنوات في سجون الاحتلال، وحيث كان الجميع يغط في سبات عميق، كان ما لا يقل عن عشرين جنديًا، قد اقتحموا البيت بعد أن فجروا أقفاله الخارجية دون إصدار اي صوت، وصعدوا الى الدور الثاني ليبدأوا المسرحية.
الفصل الاول..
الجنود يدمرون بوابة مرآب السيارات للوصول الى بوابة المنزل الرئيسية، فوجدوها مقفلة، أخرجوا من جعبتهم أداة تفجير صامتة، وضعوها على القفل وفي ثوان معدودات كان قد "طار" من مكانه، تروي الطالبة الجامعية أسمهان الخطيب، وهي تراقب الخطر الداهم من شقوق أحد الشبابيك.
الفصل الثاني..
الجنود يقتحمون باستنفار لافت، ردهات المنزل والضوء الازرق المنبعث من بنادقهم يبدد الظلام الدامس، بعد ان اطفأوا الأضواء الملونة، لـ"ينيروا" لنا المكان بوجودهم "الجميل" الذي أعاد الى الذاكرة السنوات الخالية في سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، فأصيبت الستينية "مريم" زوجة الخطيب، بانهيار عصبي حيث تجلى باب السجن امام كلتي عينيها.
الفصل الثالث..
الجنود يلهثون وأصوات "المخاشير" مسموعة بدقة، وأرقام النداءات بين الضباط كانت شديدة الوضوح، صعدوا بسرعة البرق الى الدور الثاني وأيقظوا بعنف جميع النائمين من الاطفال والفتيات، وقالوا بصوت موحد "هش" بمعنى اصمتوا وطلبوا من الاب ان يستدير الى الحائط، فيما انا كاتب هذه الفصول، وضعوا الـ "أم ١٦" في جبيني وانا على سرير النوم، وسألوني عن اسمي فأجبت، فتبين لهم بأنهم اخطأوا الهدف.
الفصل الرابع..
قام الجنود بمحاصرة جميع افراد العائلة الـ "١٣" في "مردوان" الشقة، وبدأوا باستجوابي عن اسماء لم أعرفها فكذبوني، وكان لهاث الضابط الذي يتكلم معي كريها جدا، فيما كان زميله الضابط الآخر يحاول استفزازنا، كي ينفذ ما يدور في خلده، فأبرزت له بطاقتي الصحفية، ووثائقي فتبين انه يبحث عن شبان أعمارهم بين سن الثامنة عشر والعشرين عاما، وانا في الاربعينيات من عمري، وقتها شعر بالخجل.
الفصل الخامس..
الأم يزداد خوفها وقلقها بعد ان احاط بي نحو خمسة جنود و"جروني" من منكبي في وسطهم واستخدموني كدرع بشري، بعد ان ضربني احدهم بعقب البندقية في اسفل رقبتي وجعلوني حاجزا بينهم وبين اي احتمال مواجهة مع شباب الحارة، الا ان ذلك لم يحصل وظل الموقف على حاله حتى انتهوا من مداهمة ثالثة من منازل في نفس المنطقة واعتقلوا من يريدون.
الفصل السادس..
كلب الاثر المغطى وجهه بشبك فولاذي يقترب مني وانا بملابس النوم، فلم يشتم الا رائحة الارق والاشمئزاز من هول المشهد الذي يشير الى رعب غير مبرر من قبل جنود مدججين بأعتى الاسلحة في مواجهة ابرياء عزل لا يملكون الا شرفهم وكرامتهم التي لا يفرطون بهما مهما كانت التضحيات.
الفصل السابع..
الجنود يستنفرون مرة اخرى وينتشرون في "قاع البيت"، ويتمترسون استعداد لاطلاق النار، بعد ان بدأت تدب الحياة في الحارة، حيث يذهب الناس الى أمالهم، فيما كانت القطط تعتلي "براميل" القمامة المنتشرة امام منازل بيوت النتس في المخيم المتراص، فاعتقدوا انها مسلحة فاستعدوا للمواجهة، وقد كنت مازلت في قبضتهم.
الفصل الثامن..
الجنود يتأكدون بأن الحركة طبيعية في الجانب الاخر من الحارة، فيقررون الافراج عني بدفعي بعنف لكن "كبيرهم" قال لي: "آسفين"، وغادروا المكان بكلابهم وصيدهم، وتركوا الجارة "أم معاذ" تذرف الدموع هي وبناتها بعد ان عاثوا في بيتهن خرابا وفسادا لاكثر من ساعة، ثم اعتقلوا نجلها واقتادوه الى حيث هم يعلمون، ليخيم الصمت على المكان مرة اخرى، فيما تحبس هي "أم معاذ" عويلها حتى تبقى قوية بنظر أبنائها الذين شعروا بأن بينهم وبين الموت "رمشة عين".