افراسيانت - جميل السلحوت - عن دار الجندي للنّشر والتّوزيع في القدس، صدرت كتاب "أسرار أبقتها القدس معي" للأديبة الفلسطينيّة الشّابة نسب أديب حسين، ويقع في 418 صفحة من الحجم المتوسّط، بتذييل للكاتبة والباحثة اللبنانيّة بيان نويهض الحوت، ولوحة غلاف رسمتها الكاتبة نفسها.
ونسب أديب حسين، تنحدر من أسرة عريقة في قرية الرّامة الجليليّة، فهي بنت شقيق الأديب النّاقد نبيه القاسم، وابنة عمّ الشّاعر الكبير الرّاحل سميح القاسم. درست الصّيدلة في الجامعة العبريّة في القدس، وتدرس الآن في جامعة القدس للحصول على شهادة الماجستير في "دراسات مقدسيّة".
وأديبتنا موهوبة منذ طفولتها، فقد صدرت لها رواية "الحياة الصّاخبة" وهي طالبة في المرحلة الثّانويّة، ورغم دراستها لعلم الصّيدلة، إلا أنّ ذلك لم يصرفها عن موهبتها الأدبيّة، لذا فقد شاركت ومنذ وصولها إلى القدس طلبا للعلم، في ندوة اليوم السّابع الثّقافية في المسرح الوطنيّ الفلسطينيّ في القدس، بدور فاعل ولافت، وكانت تشارك في النّقاشات الأدبيّة، وتكتب رأيها في الكتب التي ناقشتها النّدوة، وواصلت كتابتها للقصّة القصيرة، وصدرت لها مجموعتان قصصيّتان هما:
"مراوغة الجدران" و "أوراق مطر مسافر" وهاتان المجموعتان القصصيّتان لقيتا ردود فعل ايجابية من النّقّاد والمهتمّين، وواصلت كتاباتها القصصيّة، ممّا جعلها تفوز بجائزة نجاتي صدقي للقصّة القصيرة من وزارة الثّقافة الفلسطينيّة، ولتفوز في العام 2015 بجائزة "فلسطين للابداع الشّبابيّ.
ولم يتوقّف اهتمام أديبتنا الشّابة بالنّشاطات الثّقافيّة عند حدود ندوة اليوم السّابع فقط، بل تعدّتها إلى تأسيس نشاط ثقافيّ شهريّ شبابيّ آخر عام 2011، بالاشتراك مع المبدعة مروة السّيوري تحت اسم"دواة على السّور" حيث يجمعن المواهب الشّابّة، ويستمعن ويوجّهن ويرعين.
ولا يفوتنا هنا التّنويه بأنّ أديبتنا قد أسّست متحفا للتّراث الشّعبيّ الفلسطينيّ، في رواق بيتها في الرّامة، لتخليد ذكرى والدها المرحوم الدّكتور أديب حسين.
وها هي أديبتنا الرّائعة نسب أديب حسين تتحفنا باصدارها الجديد" أسرار أبقتها القدس معي" وهو عبارة عن يوميّاتها في السّنوات الثلاثة الأخيرة في القدس.
التّجريب: من المعروف أنّ الكتّاب الشّباب في غالبيّتهم، يبدأون مسيرتهم الأدبيّة مقلّدين لسابقيهم، وهناك كتّاب كثيرون كتبوا يوميّاتهم، أو شيئا من ذكرياتهم، عن أماكن بعينها، ومنهم من كتبوا يوميّاتهم عن القدس كالأديب الكبير محمود شقير والأديب ابراهيم جوهر، وبالتّأكيد فإنّ نسب أديب حسين قرأت ذلك، بل إنّها كتبت عن يوميّات الأديبين جوهر وشقير، لكنّها لم تقلّد أحدا، وقد خاضت مجال "التّجريب" لتأتينا بجديد، فالقدس تسكن روح وعقل أديبتنا قبل أن تسكن هي القدس، وهذا ليس غريبا على مدينة تاريخيّة عظيمة كالقدس العاصمة السّياسيّة، الدّينيّة، الثّقافيّة، الاقتصاديّة والحضاريّة للشّعب الفلسطينيّ ودولته العتيدة، تماما مثلما هو ليس غريبا على أديبتنا المعروفة بانتمائها لشعبها العربيّ الفلسطينيّ وقضاياه العادلة.
يقول الناقد إبراهيم فتحي: "يجعل التجريب الرّواية أكثر مرونة وحرّيّة وقدرة على التّطوّر وعلى نقد نفسها، كما يجدّد لغتها ويدخل عليها تعدّد الأصوات والانفتاح الدلاليّ والاحتكاك الحيّ بواقع متغيّر وبحاضر مفتوح النّهاية."
ونسب أديب حسين التي تهيم عشقا بالقدس، دائمة التّجوال في حارات وأسواق وزقاق، ودور العبادة ومعالم القدس القديمة، تجوب المدينة تتمتّع بعبق تاريخها، متحسّرة على استلاب المدينة ومحاولات تزييف تاريخا، والعبث بجغرافيّتها، تراقب معالمها، وناسها، تدرس تاريخها، وتراقب حاضرها بوعي وعينان ثاقبتان لم تخطئا بوصلتهما. وفي يوميّاتها هذه كتبت رؤيتها من منظار شبابيّ مختلف، وكما يرى النّاقد المغربي محمد برادة "أنّ التّجريب لا يعني الخروج عن المألوف بطريقة اعتباطيّة، ولا اقتباس وصفات وأشكال جرّبها آخرون في سياق مغاير."
ونسب أديب حسين التي تسكنها القدس، استفادت من سكنها في القدس لما يزيد عن ثماني سنوات، خاضت التّجريب في يوميّاتها، وربّما لم تقصد ذلك، بل هذا هو ما تراه، ويعكس وعيها وموهبتها، وكما تقول الأديبة الجزائريّة شهرة بلغول:" يمكننا أن نحدّد مفهوم التّجريب في أنّه حركة واعية وموقف نقديّ من الحصيلة الثّقافيّة للأمّة، فهو ليس حركة عشوائيّة مبنيّة على الصّدفة، بل هو نتيجة حتميّة لتحوّلات الواقع وتغيّراته."
وممّا لا شكّ أنّ يوميّات أديبتنا نسب أديب حسين تشكّل اضافة نوعيّة للرّواية الفلسطينيّة حول القدس، كما تشكّل إضافة نوعيّة للمكتبة الفلسطينيّة بشكل خاص، والعربيّة بشكل عام.