افراسيانت - سعدى علوه - ما بين السلاح الذي أتى في العام 1969 وما قبله للمقاومين الأوائل من الفدائيين الفلسطينيين من بور سعيد بعيار تسعة ملليمترات، والصواريخ المضادة للطيران التي تمتلكها بعض التنظيمات الإسلاميّة اليوم، يعيد المخرج بلال خريس في فيلمه «أصبح عندي الآن بندقية» التذكير بالبوصلة الأساس للسلاح واستعمالاته.
الفيلم التي أنتجته وعرضته «الجزيرة الوثائقيّة» مساء أمس، يروي سيرة الأبطال الذين حملوا البندقية منذ منتصف الستينيات في وجه العدو الإسرائيلي، ويأتي في لحظة حساسة. اللحظة التي تحولت فوهات البنادق فيها عن وجهتها في قتال العدو الإسرائيلي، لتطلق ذخيرتها في صدور أبناء الوطن العربي. وعبر رواية أربعة فدائيين من المقاومين الفلسطينيين تجاربهم في الأماكن التي شهدت نضالاتهم وتضحياتهم مع غيرهم من رفاق السلاح، يذكّر خريس المشاهدين بالظروف القاسية التي قاوم فيها هؤلاء.
ومن أزقة المخيمات التي زادت بؤساً بعد 67 عاماً على النكبة، خرج الفدائيون المتروكون لمصيرهم، ليسيروا على الدروب نفسها عبر مشاهد تمثيلية زخر بها الفيلم. يعيد العمل الاعتبار لدور المرأة الفدائية المقاومة التي حملت السلاح إلى جانب الرجل دفاعاً عن الأرض وسعياً إلى تحريرها من المحتلّ، بينما أعادت التنظيمات المسلّحة الحالية النساء إلى ما وراء البرقع والخمار، وإلى الرجم وجهاد النكاح.
ولم تقتصر الإضاءة على دور المرأة على تجربة النقيب أم ياسر التي انخرطت في صفوف المقاومة وهي في الخامسة عشرة من عمرها. حضرت المرأة الفدائية أيضاً في كل المشاهد التمثيلية لبعض العمليات التي نفذها المقاومون. لم تكن وراء الجبهة، ولا بين العناصر المساندة، بل في مقدمة المهاجمين.
وبالرغم من غنى الفيلم بالمشاهد التمثيلية، إلا أن الصورة جاءت مطابقة لواقع الحال الذي كان سائداً حينذاك. يخرج المقاومون ببنادقهم المتواضعة، وبلباسهم المدني. تتحدث أم ياسر عن قطع السلاح الخمس التي اقتصرت عليها ذخيرة المقاومين في البدايات. يروي العميد البحري كيف كان يقاتل بسلاح «بور سعيد» من عيار تسعة ملليمتر وعينه على الإمساك بـ»كلاشنكوف» وإن بقبضة خشبيّة. تلمع عيناه وهو يتحدّث عن أول «كلاشنكوف أخمس» بقبضة حديدية وصل إلى يده، وخرج به للقتال.
وتأتي أغنية «أصبح عندي الآن بندقية فإلى فلسطين خذوني معكم» لأم كلثوم، والتي يحمل الفيلم عنوانها، لتعبر فعلياً عن واقع الفدائيين الذين وصل السلاح إلى أياديهم للمرة الأولى. فأم ياسر شعرت أنّها امتلكت الدنيا مع التدريبات الأولى التي أوصلتها إلى السلاح «صار فيي قاوم المحتل». أما أبو ربيع فكان صغيراً ينظِّف سلاحه ويضعه بقربه على وسادة فراشه، كطفل حصل على هديته الأولى.
رافق صوت الرصاص توثيق العمليّات عبر صور لأعداد جريدة «السفير»، «لإحياء الخبر» كما يقول خريس. الخبر نفسه أعطى زخماً لرواية المقاومين عبر تبيان نتائج العمليات وما أوقعته من خسائر بين قتلى وجرحى في صفوف العدو، كما من حركة سياسيَّة بين عواصم القرار.
يعيد الفيلم للأماكن، أماكن النضال، وظيفتها التي لم تملّ من أدائها، منذ المقاومين الأوائل في صفوف الفلسطينيين، مروراً بالمقاومة الوطنية ووصولاً إلى المقاومة اليوم. الدور نفسه أعيد لأهالي المناطق وصمودهم ومساندتهم للفدائيين والمقاومين، لكل من حمل السلاح في وجه الغاصب المحتل.
ما بين منتصف الستينيات، مروراً بالاجتياح الإسرائيلي في العام 1982 والذي نتج منه احتلال ما سمي بـ «الشريط الجدودي»، حكاية مقاومين حملوا السلاح وقاتلوا أعتى القوى باللحم الحي، وراكموا ما أنتج في النهاية تحرير الأرض من رجس المحتل. مقاومون ترك معظمهم لمصيرهم بعدما ساهمت دماؤهم في مدّ المفاوضين بأوراق وصلوا بنتيجتها إلى مراكزهم داخل فلسطين التي ما تزال محتلّة. هؤلاء أعادهم الفيلم إلى الضوء، كما أعاد معهم التخلي عنهم، وعن مخيماتهم. عادوا و «ما بدلوا تبديلا» يورثون حلم العودة وحقهم بها للأجيال الحالية كما المستقبلية، ومعها شغف الإمساك بالبندقية والاستعداد للقتال والمقاومة من جديد إذا ما استطاعوا إليهما سبيلاً.