افراسيانت - جميل السلحوت - صدرت قصّة"خذلان شتاء" للفتاة الكرميّة الواعدة، شهد عبد الرحيم محمد، وقد صدرت القصّة التي صمّمت غلافها رشا السرميطي، وقدّم لها عزيز العصا، وتقع في 53 صفحة من الحجم المتوسط عام 2015 عن المكتبة الشّعبية ناشرون في نابلس.
قبل الحديث عن هذه "السّرديّة" دعونا نتساءل: هل نحن أمام رواية قصيرة، أم قصّة طويلة؟ وهل تحتمل القصّة القصيرة كلّ هذه الأحداث؟ وهل يمتدّ زمن القصّة إلى أكثر من خمسة عشر عاما، فالنّصّ الذي نحن بصدده يحمل في ثناياه مجموعة قصص وحكايات، منها: اقتحام البيوت بطريقة وحشيّة والاعتقال، وتأثير ذلك على نفسيّة الأطفال والكبار، التّحقيق والأحكام الجائرة، زيارة الأسرى ومعاناة ذويهم، زواج الأخ أثناء غياب أخيه وراء القضبان، مرض الأمّ بالسّرطان وخوفها من الموت قبل أن تلتقي بابنها الأسير، استقبال الأسير المحرّر والاحتفاء به، معاناة الأسير المحرّر وعدم تأقلمه مع المجتمع بعد تحريره، زواج الأسير المحرر وفرحته بالانجاب والأبوّة، وعدم اكتمال الفرح بالموت المفاجئ. فهل تحتمل القصّة القصيرة هذه الأحداث كلّها؟ وهذه القصص والحكايات التي ربطتها الكاتبة النّاشئة شهد محمد بخيط متين، تقودني إلى القول أنّنا أمام رواية قصيرة، وليست "قصّة قصيرة" كما جاء على غلاف الكتاب.
والقضيّة الثّانية التي لفتت انتباهي أنّ هذه "السّرديّة" يمكن ادراجها ضمن "أدبيّات الاعتقال والسّجون" وهذا هو مضمون النّص الي بين أيدينا.
أمّا القضيّة الثّالثة اللافتة فهو الكاتبة نفسها، فأن تكتب طفلة نصّا كهذا من حيث الشّكل والمضمون، قبل أن تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها،-النّص كان مكتملا وجاهزا قبل نشره بعامين- فهذا يدعو إلى ضرورة الانتباه لما يتركه الاحتلال وممارساته من سلبيّات على الصّحّة النّفسيّة لأطفالنا، فياسمين شقيقة الأسير حسام، - وأعتقد أنّها الكاتبة نفسها-، تعود بذاكرتها عندما كانت في السّابعة من عمرها يوم اعتقال شقيقها حسام، وتسجّل ذلك بلغة رشيقة متابعة وجود شقيقها في الأسر لمدّة أحد عشر عاما، وما عاناه هو وأسرته خلالها. فهل تحتمل طفلة بهذا العمر هذه المعاناة كلها؟ وهل تدرك طفلة بهذا العمر انعكاسات سنوات الأسر على نفسيّة الأسير المحرّر؟ "قال لي ذات حديث: أشعر بأنّني غريب، وأنّ هذا ليس ما توقّعته قبل خروجي من السّجن"ص51. وهذا بالطّبع يدعو إلى ضرورة إعادة تأهيل الأسرى المحرّرين كي يستطيعوا التّأقلم من جديد مع مجتمعهم. وكذلك انهاء الكاتبة سرديّتها بقولها" الحياة موسميّة الفرح، دائمة الأحزان" ص 53، تصرخ بصوت عال: أن لا مكان للفرح في نفوسنا ما لم ينته الاحتلال.
لقد أجادت الكاتبة الطفلة عندما أوردت المثل القائل " من قلّة الرجال سمّينا الدّيك أبو قاسم" وأورت قصّة هذا المثل الذي يحمل في ثناياه حكمة كبيرة، أقلّ ما يمكن القول عنها أنّ هذه الأمّة ما عاد فيها معتصم.
ويلاحظ أنّ لغة الكاتبة جميلة انسيابيّة حملت في ثنايا التّشويق.
بقي أنّ نقول بأنّ هذه "السّرديّة" تنبئ بأنّ شهد عبد الرحيم محمد ستكون أديبة ذات شأن.
ابراهيم جوهر :
هدية يوم ميلاد شهد
كنت أتمنّى لو أهدي لـ"شهد محمد" هديّة في يوم ميلادها في الحادي والثلاثين من شهر آذار 2016، لكنّها أهدتنا –نحن القرّاء- هديتها الحزينة تحت عنوان "خذلان شتاء" على شكل قصّة قصيرة، فيها الحدث الرّئيس هو اعتقال الأخ الأكبر وتغييبه وراء جدر العتمة والإهانة، ليواصل الصّمود والسّعي للحياة بأمل.
"شهد" ابنة السّابعة عشرة تكتب رسالتها إلى العالم والتّاريخ بلغة القلب والعاطفة والطفولة لتقول: نحن نستحقّ حياة أفضل وأجمل، تعتني بالطفولة والأطفال والفرح. لكنّها غرفت من واقعها الطفولي المشوّه –كحال الطفولة في بلادنا- فجاء الحدث منصبّا على الاعتقال والتّعذيب والحصار والانتقام، وغياب الفرح عن حياة الفلسطينيّ الذي يعيش حزنا متواصلا يشكّل الفرح فيه مناسبات موسميّة.
تبدأ قصّتها وتنهيها بقولها: "الحياة موسميّة الفرح دائمة الأحزان"،
وحين بدا أنّ نافذة للفرح في نهاية القصّة قد بدأت تشرع أصرّ الحزن والفراق على إغلاقها...
لقد حاولت الالتفات لمفردة "الحزن" وأخواتها ومرادفاتها لغة ومعنى في "خذلان شتاء" شهد محمد، فهالني هذا التّكرار والاصرار على مفردة الحزن والتّعب والدّموع والضّياع، والحسرة والانكسار والظلام والألم والحياة الموحشة، والغياب والبكاء والحذر والأوجاع والمعاناة ورماد الأمل والكسر والغربة... وهذه المفردات أحصيتها في القصّة التي حملت عنوان "خذلان شتاء".
عتبة القصّة هنا تشير إلى مضمونها، وحين تكون الكاتبة طفلة في عمر السّابعة عشرة فإنّ هذا يشير إلى حالة الخذلان العامّة والحزن المقيم في أطفالنا، مما يدفع المهتمين المتابعين للمزيد من البحث والتّمحيص وتلمّس وسائل الدّعم والعلاج النّفسي- الاجتماعيّ- الثّقافيّ.
في بداية نصّها القصصي- التّوثيقي بدأت "شهد محمد" بما أسمته "توطئة" عبّرت عن وعيها بدور القلم في المقاومة، وعن اتّساع الوطن عن قدرة القلم بالكتابة عنه لذا فستكتب له.
وقفت عند وعي الكاتبة برسالتها الممتزجة بالحزن والخذلان النّاتجين عن هذا الوعي نفسه، بما يجب أن يكون مقارنة مع ما هو كائن: لقد أنضجت الظروف المعيشيّة أطفالنا قبل أوانهم، فدفعت بهم إلى البحث عن ذواتهم الخاصّة وعن ذاتهم العامّة.
كنت أتمنّى أن أقدّم باقة ورد لـ"شهد" في يوم مولدها السّابع عشر، فسبقتني وهي تقدّم لي باقة حزن نتيجة خذلان عالم الكبار لعالمها الصّغير الوديع.
خذلان شتاء- قصّة قصيرة في 53 صفحة صدرت عن المكتبة الشعبية في نابلس. 2015م. وستناقش في "ندوة اليوم السابع المقدسية" مساء الخميس 31 آذار، وهو يوم ولادة الكاتبة.