افراسيانت - حوار أسطوري..!!* - د. جودت العاني
"إنليل"
(1)
يقول "إنليل"، إله الجو
الحياة كانت قاحلة موحشة
تحيطها القفار
إنسانُها يسيرُ كالبهائم..
وحين أينعت بمعولي الحقول
تفتقت في لجة الهضاب والسهول
حشائش الربيع
وبانَ شعب "سومر" كحزمة الحشيشِ
في وهادنا
تفجرتْ منابع المياه..
وعندها
دعوتُ "إنكي" إله المياه
لكي يباشرَ النماء..
(2)
كافح "كلكامش" كي يُغيَيرَ
المصير..
لكن، رأى الخلود مستحيل،
استأثر الإله بالخلود،
فكيفَ يُخَلَدُ الإنسانْ؟!
أجابَ،
بالأعمالِ والمآثرْ..
وحينَ يسمو بحسهِ الإنساني
يقتربُ من الآلهة
فيمسي نصف إله
وحينَ ينقادُ للغرائز
يصبح مكانه في العالم السفلي
حيثُ موطن الحضيض..!!
(3)
آاااه.. يا إله السماء
يا إله الأخلاق
متى تخلصنا من "أنكيدو" القوي الفاسق؟
كيفَ تكبح جماح قسوته وفسقه..
وكيفَ توقف أفعال اغتصابه للنساءْ..؟!
(4)
يتثائبُ "إنليل"، يتمطى
يسيرُ كئيباً في الأرضِ
يحملُ في يدهِ المعولْ..
لا يدري في أي بقاع الأرض يموت
لا يعرف كيفَ
تشق عصاه الجدولْ..
لتخْضر الأرض
وتغرق أحشاء الأرض بالماءْ..
هو يحلم
يظل يسيرُ،
كأن الأرض تسير به نحو المجهول..
تتركه في آخر ساعات الليل يجول..
يعاشر محنته فوق أديم الأرض
لم يبصر عشباً
جفت غيمات في قلب "إنليل"
وإذا طلع العشب من بين شقوق الأرض
يموجُ جراد الشرق
لا يبقي شيئاً أخضر فوق الأرض..!!
(5)
كان الراعي يعزف لحناً
يحسبُ في المرعى الأيامْ..
والكلبُ لا يغمض عينيه
يراقبُ سير الأغنامْ..
وعند ضياء الصبح
هبطتْ عشتارُ
تحملُ سلتها
تقطفُ في الفجرِ الأزهار
تتمايلُ غنجاً
بينَ مهب الريح وبين الآكامْ..
دخلتْ فتنتها قلب الراعي
نسي الراعي أحلام الليل
نسي الكلبُ أن يفتحَ عينيه، فنام..
وعند طلوع الشمس
أشعل في قلب المرعى الراعي النار..
قدم رغيف الخبز لعشتار..
وشوى لحم الأغنام لعشتار..
كي يبقى ينظر
في خضرة عينيها
في شفتيها
يراقب مشيتها فوق العشب
تطارد جندبة بين الأعشابْ..
تقتطفُ الأزهار
وتحتسي الأنخابْ..
وحين انطفأت نار التنور..
وفي أحشاء الراعي يمور
شغف الحب لعشتار..
غابت عشتار..
ما عادت
في المرعى عشتار..
وبات الراعي يعوي كالذئب
التائه بين الأشجار..!!
***
* قصيدة من الديوان الثالث (ألق البحر)