افراسيانت - محمد السهلي - إنكار الاحتلال وجود لاجئين فلسطينيين في القدس ترجمة إسرائيلية لمواقف ترامب..
تشكل سياسة الاحتلال تجاه مدينة القدس تكثيفاً عملياً للمشروع التوسعي الإسرائيلي، ويجتمع فيه مثلث الاستيطان والتهويد والتطهير العرقي. ولذلك، شهدت المدينة خلال السنوات الماضية مقاومة شعبية عارمة لهذا المشروع، كما تحتل المدينة موقعا جوهرياً في سياق السعي الصهيوني لتحقيق مشروع إسرائيل الكبرى .
وفي القدس (كما الخليل) نشط الاحتلال في توسيع الاستيطان داخل المدينة وحولها، ويعمل راهناً على خطين متكاملين: توسيع الأحياء اليهودية وتفريغ الأحياء الفلسطينية من سكانها، مستفيدا من مواقف إدارة ترامب تجاه المدينة.
ولأنه يتعامل مع القدس كمنطقة إسرائيلية، يحاول الاحتلال أن يفرض الانتخابات المحلية والبلدية على أهلها. ومع أنه يدرك أن محاولته لن تنجح، إلا أن المهم بالنسبة له هو فرض هذا المشهد أمام أطراف إقليمية ودولية كرسالة تحذير من محاولة الخوض في مستقبل القدس خارج محددات الرؤية الإسرائيلية.
أكد المقدسيون مجددا هوية مدينتهم بمقاطعتهم انتخابات بلدية الاحتلال، رغم جميع الضغوط التي مارستها سلطات الاحتلال وبلدية نير بركات طيلة الفترة التي سبقت موعد الانتخابات. ولم تستطع هذه الضغوط كسر قرار المقاطعة الذي دعت له جميع القوى السياسية والمجتمعية والمرجعيات الروحية الاسلامية والمسيحية والشخصيات الوطنية لتبدو مراكز الاقتراع خالية من المصوتين. وأظهرت عملية التصويت أن نسبة المشاركة في الانتخابات كانت قريبة جداً من الصفر بالمائة كما كانت في السنوات الماضية.
ومن نافل القول، إن هذه المقاطعة شكلت صفعة قوية الحكومة الإسرائيلية وأكدت تمسك المقدسيين بهوية مدينتهم وموقعها كعاصمة لدولة فلسطين، كما شكلت رداً قوياً على اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقدس عاصمة للاحتلال ونقله السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، على عكس ما قررته الشرعية الدولية مرات عدة من أن القدس جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة بعدوان حزيران 1967. والموقف الفلسطيني هذا يوجه رسالة قوية إلى المجتمع الدولي تضعه أمام مسؤولياته تجاه محاولات الأسرلة والتهويد وسياسة التمييز العنصري والتطهير العرقي التي تمارسها حكومة الاحتلال بحق القدس وأهلها.
وفي مواجهة هذه السياسات الاحتلالية، من الضروري التأكيد مجدداً على ضرورة توحيد مرجعيات القدس في مرجعية وطنية واحدة كما قررته اجتماعات القوى والهيئات والشخصيات الوطنية وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية واللجنة التنفيذية للمنظمة. ومن أجل تعزيز صمود المقدسيين أمام هذه السياسات وأخطارها، طالبت هذه القوى والفصائل حكومة السلطة الفلسطينية بتخصيص الموازنات الكافية والضرورية للمدينة.
اللافت أن الانتخابات المحلية المذكورة شملت المستوطنات والأحياء اليهودية في القدس، وهذا يعني أن الاحتلال بات يتعامل مع الأراضي الفلسطينية التي أقيمت عليها هذه المستوطنات كأراض إسرائيلية، وبذلك تنفي إسرائيل عن نفسها صفة المحتل، وبالتالي، لا يوجد بالنسبة لها أي مبرر لأية مفاوضات يكون على جدول أعمالها البحث في مستقبل الاستيطان خارج المشروع الصهيوني.
وفي داخل القدس وفي محيطها، اتخذت حكومة الاحتلال مجموعة من القرارات والاجراءات في محاولة لفرض سيادتها الاحتلالية على أهل المدينة، ومن بين هذه الاجراءات، ما كشف عنه رئيس بلدية الاحتلال في القدس نير بركات مؤخرا عن نيته تقديم خطة لوقف أنشطة الأونروا في المدينة، ناكراً وجود لاجئين فلسطينيين في القدس، واعتبر اللاجئين المسجلين في الوكالة سكاناً فقط و سيحصلون على خدماتهم من بلديتنا وحدها كما قال!.
هذا الموقف ترجمة إسرائيلية لمواقف إدارة ترامب من قضية اللاجئين الفلسطينيين ووكالة الأونروا وإنكارها صفة اللاجىء الفلسطيني ومكانته التي منحته إياها قرارات الشرعية الدولية، التي شكلت وكالة الأونروا وحددت وظيفتها ربطاً بالقرار 194، الذي يكفل للاجئين الفلسطينيين حقهم في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها إبان النكبة وبعدها. ولم ينس بركات بالطبع اتهام الأونروا بالتحريض على الكراهية والإرهاب ،مؤكداً سنُغلق مدارس وكالة الغوث،وسنضع حداً للتحريض ونمنح التلاميذ الأمل بإقرار المنهاج الإسرائيلي .
وفي أنحاء الضفة، اتبعت حكومة نتنياهو آليات مستجدة في نشر الاستيطان، تقوم على تناسل المستوطنات ، بدءاً من ضم البؤر الاستيطانية إلى أقرب مستوطنة باعتبارها أحد أحيائها المحيطة، والقيام بعد ذلك بـ تسمينها ، بانتظار الفرصة المناسبة كي تعلنها مستوطنات جديدة.
فمع مجيء إدارة ترامب، وإطلاق عناوين مشروع صفقة العصر ، رأت حكومة نتنياهو أن الظروف باتت مشجعة كي تعلن أهدافها الفعلية، وتخرج من إطار المناورة والالتفاف على الرأي العام الدولي باتجاه التنفيذ المباشر لمحاور سياستها التوسعية.وقد اختلقت منظومة قضائية وقانونية لتسهيل عملية استيلاء المستوطنين على أملاك الفلسطينيين. وفي هذا السياق، لجأت إلى تزوير عقود تمليك لعقارات وأراض فلسطينية باسم مستوطنين كي يتمكنوا من الحصول على قروض من البنوك الإسرائيلية، التي تعمل كرأس حربة في توسيع الاستيطان.
ماسبق، هو ترجمة عملية لتطبيق القانون الإسرائيلي على المستوطنات والمستوطنين في القدس والضفة الفلسطينية.كما أنه ترجمة وتطبيق لقانون القومية . وبفعل ذلك، وصلت السياسة التوسعية الإسرائيلية مستوى غير مسبوق في تغولها. وهو في الوقت نفسه استثمار لحرص القيادة الرسمية الفلسطينية على التمسك ببقايا أوسلو والرهان العملي المتواصل على الدور الأميركي،على الرغم من جميع المواقف الأميركية التي أكدت اتحاد الرؤيتين الأميركية والإسرائيلية تجاه الحقوق الفلسطينية.
لقد سبق لنتنياهو أن وجه رسالة إلى الفلسطينيين بأن لادولة غير إسرائيل بين النهر والبحر ، وأن نصيبهم من التسوية أقل بكثير من دولة، وأكثر من حكم ذاتي ، وأن الاستيطان في الضفة والقدس حق سيادي إسرائيلي.وبالتالي يبرز التساؤل المشروع: لماذا لم تتقدم القيادة الرسمية الفلسطينية بشكاوى نافذة ضد الجرائم الإسرائيلية المتعددة والمتواصلة ومنها الاستيطان والتهويد وهدم المنازل وممارسة التطهير العرقي؟
لقدد قرر المجلس المركزي في دورتيه السابعة والعشرين والثامنة والعشرين على تفعيل عضوية فلسطين في المؤسسات الدولية وفي المقدمة محكمة الجنايات الدولية ووضع الاحتلال أمام المساءلة. كما قرر مغادرة اتفاق أوسلو وقيوده السياسية والأمنية والاقتصادية،وخاصة وقف التنسيق الأمني والانفكاك من بروتوكول باريس الاقتصادي. جميع هذه القرارات تم تجاهلها ووإحالتها من لجنة إلى أخرى.
والمؤسف أن سياسة التأجيل والتسويف ماتزال متواصلة . ويتضح ذلك من القرارات التي تضمنها البيان الختامي للمجلس المركزي الفلسطيني في دورته الثلاثين، وتكرار مسلسل إحالة القرارات المتقدمة السابقة إلى عهدة لجان لاتملك صلاحية اتخاذ القرار، فيما تطفو على السطح سياسة التمسك ببقايا أوسلو .. واستمرار الرهانات الفاشلة.