افراسيانت - صعدت الولايات المتحدة من ضغوطاتها على روسيا من خلال فرض أشد حزمة عقوبات عليها في خطوة ترمي إلى رعاية مصالح الشركات الأمريكية في الأسواق العالمية، بخاصة الطاقة والأسلحة.
التوسيع الجديد للعقوبات الأمريكية ضد روسيا شمل 7 رجال أعمال كبار و17 مسؤولا رفيعا مما يعرف بـ"قائمة الكرملين" و15 شركة ومؤسسة، بما فيها "روس أوبورون أكسبورت" الحكومية الرئيسة والوحيدة لتصدير الأسلحة الروسية إلى الخارج.
وأعلنت الإدارة الأمريكية أن هذه العقوبات "لا تمثل ردا على حدث معين، بل اتُخذت للرد على كافة نشاطات روسيا الشريرة والجريئة".
كما اتهمت واشنطن، عند تبريرها خطوتها غير الودية بالنسبة للعلاقات الثنائية، الحكومة الروسية بانتهاج سياسة "خبيثة مزعزعة للاستقرار" في أنحاء العالم، بغية "تقويض الديمقراطيات الغربية".
وأوردت وزارة الخزانة الأمريكية الموقف الرسمي بشأن العقوبات في بيان صدر امس الجمعة، زعمت فيه أن "الحكومة الروسية تعمل في مصلحة المنفعة غير المتناسبة للأوليغارشية والنخب الحكومية وتشارك في مجموعة من الأنشطة الخبيثة حول العالم، بما في ذلك استمرار احتلال (شبه جزيرة) القرم والتحريض على العنف في شرق أوكرانيا وتزويد نظام (الرئيس السوري) بشار الأسد بالمواد والأسلحة، ما يمكنه من قصف المواطنين المدنيين، في محاولة لتخريب الديمقراطيات الغربية والقيام بالأنشطة السيبرانية الضارة".
وتطبق الحزمة الجديدة من العقوبات بموجب قانون "مواجهة أعداء أمريكا عبر العقوبات" CAATSA الذي وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عليه في أغسطس الماضي.
ويختلف هذا النظام التقييدي عن أمثاله بأنه يتيح إمكانية فرض عقوبات لا على شخصيات ومؤسسات مدرجة في القوائم فحسب، وبل على الأطراف المتعاقدة معها حال "نفذت تحويلات مالية كبيرة" لصالح المدرجين على القائمة.
وإلغاء العقوبات المفروضة وفق قانون CAATSA أمر في غاية الصعوبة إن لم يكن مستحيلا تقريبا إذ القانون يتيح للكونغرس منع قرار رئيس الدولة برفع العقوبات.
وتشمل العقوبات تجميد جميع الأصول التابعة للشخصيات أو الشركات المدرجة على القائمة السوداء، ومنع المواطنين الأمريكيين من العمل معها، بالإضافة إلى فرض قيود على نظام تقديم تأشيرات الدخول إلى أمريكا للأشخاص الذين حددتهم الخزانة الأمريكية.
العقوبات تأتي ضمن خطة تقويض الخناق على روسيا
وانتقدت السفارة الروسية لدى واشنطن العقوبات واصفة إياها بـ"ضربة جديدة للعلاقات الأمريكية الروسية" و"خطوة خاطئة أخرى تهدف إلى تدمير حرية ممارسة الأعمال التجارية والمنافسة الحرة والإضرار بعمليات التكامل في الاقتصاد العالمي".
وشددت السفارة الروسية على أن إدراج رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي، قسطنطين كوساتشوف، في "القائمة السوداء"، علما أنه كان يعمل جاهدا على إنعاش الحوار بين برلماني البلدين، خير دليل على أن الإجراء "يحمل طابعا شاملا ومدبرا".
كما رأت السفارة أن العقوبات تعكس كذلك سعي الولايات المتحدة إلى "تقسيم المجتمع الروسي".
خطوة متعمدة نحو حرب باردة جديدة
واتفق النائب الأول للجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد الروسي، فرانس كلينتسيفيتش، مع الفكرة المذكورة قائلا إن "حرب العقوبات التي تخوضها الولايات المتحدة وحلفاؤها ضد روسيا منذ أكثر من 4 سنوات ازدادت خبثا حيث وجه مدبروها كل طاقاتهم إلى تقسيم المجتمع الروسي من الداخل بعد أن أدركوا أن خطتهم لتقويض عمل القطاعات الأساسية للمجتمع، بما فيها الاقتصاد والمجال الاجتماعي، عن طريق فرض عقوبات قد فشلت".
وأضاف أن تطبيق العقوبات "عمل متعمد نحو حرب باردة جديدة".
وعلى الصعيد العالمي، اعتبر كلينتسيفيتش أن العقوبات ستؤثر سلبا على "المناخ السياسي العالمي" إذ أنها تخدم تخفيض مستوى الأمان العالمي، فضلا عن أنها تقلص فرص التفاعل بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب.
الهدف هو تأمين تفوق تنافسي للشركات الأمريكية في الأسواق العالمية
ومؤسسة "روستخ" الحكومية المالكة لشركة "روس أوبورون أكسبورت" المصدرة للأسلحة الروسية والتي فرضت العقوبات الجديدة عليها، شددت على أن دافع الخطوة هو "مجرد ذريعة لإزاحة روسيا من سوق السلاح العالمية"، علما أن روسيا أقوى منافس للولايات المتحدة في تلك السوق، حيث تصدر أسلحة ومعدات بقيمة نحو 15 مليار دولار سنويا.
كما وصفت "روستخ" فرض العقوبات بـ"عبارة عن منافسة غير نزيهة بحد ذاتها، وفظة وبراغماتية".
بدوره، أكد رئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب الروسي، ليونيد سلوتسكي، أن العقوبات "ظاهرة من ظواهر الهستيريا الأمريكية ضد روسيا والتي تحاول تصديرها إلى القارة العجوز، إضافة إلى ذلك تواصل واشنطن استغلال نظام العقوبات من أجل ضمان تفوق تنافسي للشركات الأمريكية في الأسواق العالمية".
وعبر عن قناعته بأن محاولات الضغط على السياسة الروسية ودوائر الأعمال "محكوم عليها بالفشل" وبأنها تعمق الفجوة في العلاقات الأمريكية الروسية.
وأشار سيرغي جيليزنياك، نائب الأمين العام لحزب "روسيا الموحدة" الحاكم، إلى أن حملة العقوبات الأمريكية تأتي بالتزامن مع فبركة قضية تسميم الجاسوس سيرغي سكريبال في بريطانيا "للضغط على موقف روسيا التي ترفض محاولة إلقاء اللوم عليها والاعتراف بجريمة لم ترتكبها".
وأضاف نائب رئيس غرفة التجارة والصناعة الروسية، فلاديمير بادالكو: "لا أحد يخاف من هذه العقوبات لكنها بلا شك تشكل عاملا مزعجا، والأمريكيون من خلال إجراءات كهذه يقصدون إلى إبعاد منافسيهم، وفرض العقوبات على أليكسي ميلر، رئيس شركة "غازبروم" يدل على محاولة درء المنافسين".
محاولة إيقاف تطوير مشروع أنابيب غاز "السيل الشمالي 2" الروسي
قال ألكسندر باسيتشنيك، رئيس قسم التحليل في صندوق الأمن القومي في مجال الطاقة، إن الأمريكيين فرضوا العقوبات في محاولة منهم لتجميد مشروع "السيل الشمالي 2"، "لكن ذلك مهمة صعبة نظرا إلى أن الدول المعنية فيه تواصل إصدار رخص عمل".
وتابع: "نمو سريع للمشروع يدفع واشنطن إلى إيقاف توسّع روسيا في سوق الطاقة الأوروبية بطريقة أو بأخرى".
حان أوان الاعتراف بأن "شركائنا الغربيين" هم في الحقيقة خصوم وأعداء
وتوقع المحلل السياسي وأستاذ التاريخ في جامعة موسكو الحكومية، أندريه فورسوف، أن تزيد الدول الغربية ضغوطاتها على روسيا من مختلف النواحي وعلى كل المستويات، لكن "التركيز على ذلك والمبالغة في أهمية العقوبات على المستوى الرسمي والإعلامي من غير صحيح".
ومنذ أن قال الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون: نسمح لروسيا بأن تكون قوة عظمى، لكن الدولة الوحيدة فقط ستكون إمبراطورية، وهي الولايات المتحدة؛ لم تغير واشنطن من جوهر مواقفها تجاه روسيا، بل زادت من ضغطها على البلاد في الفترة الأخيرة حينما بدأت روسيا تتصرف باستقلالية على الساحة العالمية وبخاصة منذ إعادة شبه جزيرة القرم إلى قوام روسيا - أضاف فورسوف.
وأكد أن هؤلاء الذي تسميهم وزارة الخارجية الروسية بـشركائنا الغربيين" صرحوا علنا في الآونة الأخيرة أنهم ينظرون لروسيا كـ"منافس وخصم"، وأضاف: "حان الوقت للاعتراف بأنهم أعداء لنا".
كما ترمي العقوبات إلى تأجيج الوضع الداخلي في روسيا وتفاقم التوتر الاجتماعي أكثر من قبل.
وختم المحلل الروسي بالقول إنه يجب التخلي عن "عادة الاستجابة على تصرفات الغرب وانتظار تصريحاته ومواقفه التي تعود إلى فترة رئاسة بوريس يلتسين، وبدلا من ذلك ينبغي على روسيا عدم إلقاء انتبه لسلوكه والتصرف باسقلالية حقيقية".
المصدر: وكالات