واشنطن - افراسيانت - تسود وزارة الخارجية الأميركية، وخاصة الأوساط الدبلوماسية العليا التي تتابع الملفات السياسة الشائكة، مزيج من مشاعر الارتياح والقلق والتوجس بعد اقالة تيلرسون المفاجئة وقدوم بومبيو.
وقال أحد المسؤوليين لـ "القدس" التي تابعت اقالة تيلرسون وتعيين مدير وكالة الاستخبارات المركزية مايك بومبيو مكانه، شريطة عدم ذكر اسمه "الوزير تيلرسون أبقى على الوزارة تسير باتزان في فترة توليه القصيرة، وذلك بمساعدة وزير الدفاع جيمس ماتس ومستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي إتش.آر.مكماستر، بينما كانت السياسة الخارجية عملياً تتأرجح بارتباك، ولكنه في الوقت ذات انكفأ على نفسه، وسمح بتهميش البيت الأبيض لدور الوزارة عبر كل الملفات التي تخص السياسة الخارجية، علماً أنه-رغم خلفيته كرجل أعمال - كان له معرفة واسعة بشؤون السياسة الخارجية الأميركية".
ويرى المتفائلون بإقالة تيلرسون فرصة لتخليص الوزارة من شخصية تكمن خبرته في العمل كمدير تنفيذي لشركة نفطية عملاقة، وطالما كان قنوعاً بعزل نفسه عن بقية الدبلوماسيين الحاليين، وعدم الأخذ برأيهم أو إظهار استعداده لمواجهة البيت الأبيض دفاعاً عنهم "مركزا على محاولات خفض ميزانية الوزارة، ورضاءه بعدم ملء الشواغر العديدة في المواقع الحساسة في الوزارة ، وتصحيح الأخطاء المطبعية وغيرها من الأخطاء التقنية في المذكرات الداخلية التي يقدمها إليه مساعدوه".
ولإدراك أهمية قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب باستبدال ريكس تيلرسون بمايك بومبيو ، رئيس ال"سي.آي.إيه" الذي يعرف عنه تبني أفكار اليمين المتطرف والمغامر، يجدر أن نتذكر كيف أصبح تيلرسون وزيراً للخارجية في المقام الأول، حيث كان تيلرسون حصل على وظيفة الوزير، إلى حد كبير ، لأن وزيرة الخارجية السابقة (في عهد الرئيس جورج دبيو بوش) كوندوليزا رايس وروبرت غيتس (وزير الدفاع الجمهوري في عهد أوباما) حثوا ترامب على توظيفه.
وكان كل من رايس وغيتس عرفوا تيلرسون كمستشارين لشركته "إكسون-مومبيل " العملاقة التي كان يرأسها.
يشار إلى ان رايس دافعت عن "المنطق في تعيين تيلرسون" في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز آنذاك بقولها "إن هذا الرئيس (ترامب) لا يثق في مؤسسة السياسة الخارجية، ولذلك فإن رجل أعمال مثل تيلرسون أقام صفقات نفطية كبيرة سيكون أمراً مريحًا بالنسبة لترامب".
ومن المتوقع أن يتمتع مرشح الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجديد، مدير وكالة الاستخبارات المركزية مايك بومبيو، بعلاقة عمل قوية مع الرئيس.
وبحسب المعروف عنه، فانه سيعطي حداً من الاستقلالية والحرية لمعاونيه، غير أن الدبلوماسيين الأميركيين أعربوا أيضاً عن قلقهم بشأن بومبيو، الذي تضمنت الفترة التي قضاها كعضو من الحزب جمهوري في الكونغرس عن ولاية كانساس سلسلة طويلة من التعليقات العنصرية الحادة بشأن الإسلام والمسلمين والتعذيب، والمواقف المتشددة التي تتعارض مع الأخلاقيات التقليدية للعمل الدبلوماسي، علما أن مواقف بومبيو المتشددة وأسلوبه الحاد هو بالضبط ما جعله مرشحاً مفضلاً بالنسبة لترامب، الذي أوضح أن قراره بإقالة تيلرسون يستند بشكل كبير إلى خلافاتهما السياسية حول عدة قضايا، من بينها الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، وأنه من غير المتوقع أن يواجه الرئيس ترامب مثل هذه الخلافات مع بومبيو، الذي يشاطر ترامب ازدراءه لاتفاقية باريس للمناخ التي انسحب منها الرئيس خلال العام الماضي؛ وللاتفاق النووي الإيراني، الذي قد ينسحب منه ترامب رسمياً في وقت مبكر من شهر أيار المقبل . كما وأدان بومبيو، على غرار ترامب، المسلمين بعبارات قاسية، كما في عام 2013 عندما قال إن عدم ادانة القادة المسلمين الأميركيين مهاجمة مارثون بوسطن بقوة يجعلهم متواطئين محتملين في هذه الهجمات".
ومن المجدي رؤية بومبيو كجزء من مجموعة السياسيين الجمهوريين المؤثرين ذوي التوجهات السياسية اليمينية ، والتي تشمل السيناتور توم كوتون من ولاية آركنساس ، والسيناتور ماركو روبيو من ولاية فلوريدا ، والسيناتور تيد كروز من ولاية تكساس، الذي تم انتخابهم جميعاً للكونغرس في انتخابات عام 2010 النصفية بدعم من حزب الشاي اليميني المتطرف.
ويقول الكاتب الصحفي بيتر بانارت، الذي يكتب عاموداً بين فترة وأخرى في صحيفة هآرتس الإسرائيلية " عندما يتعلق الأمر بالمسلمين والإسلام ، فإن بومبيو هو وريث (جوزيف) مكارثي الذي شن الحملة ضد اليسار في خمسينات القرن الماضي، ومثله مثل حلفائه، فرانك جافني و بريجيت غابرييل ، يرى أن أكثر منظمات المسلمين البارزة في أمريكا هي جبهات لجماعة الإخوان المسلمين ، ويزعم أنها تخطط للإطاحة بحكومة الولايات المتحدة من الداخل".
وكان الرئيس ترامب قد أعلن إقالة ريكس تيلرسون من منصبه كوزير للخارجية بعد أن أعلن في التغريدة ذاتها على موقع تويتر بأنه عين مدير وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، مايك بومبيو، وزيرا جديدا للخارجية.
وأشار ترامب بوضوح إلى أن بومبيو أقرب اليه بشكل ملموس من تيلرسون، من حيث وجهات النظر في السياسة. وقال "كنا نفكر مع تيلرسون بطريقتين مختلفتين، فيما نفكر بنفس الأسلوب مع بومبيو، ونتعامل مع بعضنا بعضا بشكل جيد منذ الدقيقة الأولى".
ولفت ترامب، في بيان رسمي، إلى أنه "فخور" بتعيين بومبيو وزيرا للخارجية، وأن "خبرته في الجيش والكونغرس وإدارة وكالة الاستخبارات المركزية هيأته لتولي هذا الدور الجديد".
ودعا الرئيس الأميركي إلى المصادقة سريعا على ترشيح بومبيو وتثبيته في هذا المنصب، الأمر الذي يدخل ضمن مسؤولية مجلس الشيوخ الأميركي.
من جانبه، أكد بومبيو، في أول تعليق رسمي له على هذا التعيين، دعمه للنهج الذي يتبعه الرئيس الأمريكي الحالي في ما يخص مختلف القضايا الداخلية والخارجية، وقال: "أعرب عن شكري العميق للرئيس ترامب على سماحه لي بتولي رئاسة وكالة الاستخبارات المركزية وعلى هذه الفرصة في منصب وزير الخارجية. الولايات المتحدة أصبحت تحت قيادته أكثر أمانة، وأتطلع إلى تمثيله وتمثيل الشعب الأمريكي في العالم من أجل ازدهار أمريكا اللاحق".
ويعتبر بومبيو من مؤيدي رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو وحركة الاستيطان، ولكنه في الوقت نفسه يؤيد استمرار التنسيق الأمني بين الفلسطينيين وإسرائيل، وكان أول من عقد لقاءات في الضفة الغربية المحتلة مع مسؤوليين فلسطينيين.
إلا أن مهمته الأولى وفق العديد من المحللين ستركز على انسحاب الولايات المتحدة من الملف النووي الإيراني.