القدس - افراسيانت - اكملت سلطات الاحتلال الإسرائيلي امس، وضع أبراج المراقبة الثلاثة في باب العامود اجمل ابواب المدينة المقدسة الثمانية، في تحد واضح من قبل حكومة الاحتلال لقرارات "اليونسكو" بعدم المساس بالمدينة المقدسة المحفوظة بموجب القوانين والاعراف الدولية كمدينة عربية محتلة .
ويأتي وضع هذه الابراج العسكرية بعد قرار الحكومة الإسرائيلية في حزيران الماضي، بتوصية من وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان بأن حكومته ستعمل على تغيير الوضع بشكل كامل في منطقة باب العامود من أجل "إحباط العمليات الفردية المتصاعدة في تلك المنطقة"حسب قوله .
وفي هذا السياق ، قال وزير شؤون القدس ومحافظها المهندس عدنان الحسيني ،ان هذه الانتهاكات الإسرائيلية في غاية الخطورة، إذ تعمل حكومة الاحتلال على عسكرة المدخل الرئيس للمدينة وتحويله الى ثكنة عسكرية ترهب فيها المواطنين والتجار، لفرض امر واقع جديد في هذه المنطقة .
واضاف :"ليست المرة الاولى التي يقوم فيها الاحتلال بتغيير ملامح تاريخية وآثرية في مدينة القدس، فالعملية مستمرة والانتهاكات تتصاعد وخاصة الحفريات ، فهي ماضية منذ العام ١٩٦٧ وحتى الان في محيط المسجد الاقصى المبارك والبلدة القديمة وداخلها ومنذ هبة الاقصى التي تركزت في باب العامود ، حيث اصبح يشكل هذا الاخير هاجسا امنيا للاحتلال.
وحذر الحسيني من خطورة هذه الممارسات على الوضع الامني الهش في المدينة المقدسة التي تعاني من الممارسات الإسرائيلية المتعددة والمختلفة . وقال :"علينا ان لا ننسى المنطقة الجنوبية الغربية من المسجد الاقصى المبارك -القصور الاموية- وحتى سلوان جنوباً ومنطقة العين، وجميع هذه المناطق اصبحت تنخرها وتخترقها الانفاق وتغطيها بشكل كامل وتخترقها من خلال الحفريات التي تربط خارج المدينة المقدسة بداخله .
واكد الحسيني ان هذه الابراج العسكرية في باب العامود والحفريات التي تمتد حتى مغارة "سليمان /مغارة الكتان" ، تعرض المباني الاثرية والتاريخية القديمة التي تعلوها للخطر وقال :"ان الحفريات والانفاق من شمال المدينة في باب العامود الى جنوبها في ساحة البراق وباب المغاربة متشعبة ومتعددة لا يعرف مساراتها واعماقها وتفرعاتها غير الاحتلال، وهي تعرض الكثير من المباني القديمة والاثرية التي يعود تاريخها الى مئات السنين جميعها تتعرض للتصدع والتشققات وخطر الانهيار في اية لحظة.
تزوير التاريخ ...
واضاف وزير ومحافظ القدس المحتلة :" يواكب كل هذه الانتهاكات اعمال تزوير للتاريخ بتفاصيله المختلفة حيث يستغلونه في مواقف ومواقع مختلفة في عملية غسل عقول للسياح الذين يأتون للمدينة عبر شرح الرواية التوراتية المزعومة وتاريخ وجغرافية مكذوبة ومفتراه ."
واوضح الحسيني :"ان الاحتلال اليوم بصدد تغيير معالم اهم واشهر ابواب البلدة القديمة وهو باب العامود الذي يعتبر من أجمل ابواب المدينة الثمانية واكثرها تفصيلاً وهيبة ، من خلال وضع هذه البراج والاجسام الغريبة التي تشوه المنظر العام التاريخي وتمس بمكانته التاريخية . وتعطي انطباعا بانها ليست ابواب المدينة التاريخية المقدسة ومدينة السلام وانما بوابة حرب للجيش يحاصرها من كل اتجاه مما يؤدي الى ضياع روحانية المدينة .
انتهاكات خطيرة ...
واكد الحسني ان هذه الانتهاكات الخطير تأتي في ظل تغييب دور "اليونسكو" منذ العام ١٩٨١ حتى الان بالرغم من العديد من القرارات التي تشير الى ضرورة وقف هذه السياسات والتعديات الإسرائيلية وممارسات الاحتلال . وقال ان الاحتلال منع جميع بعثات التحري والتحقيق التابعة "لليونسكو" من الدخول او الوصول الى فلسطين والقدس المحتلة، وحتى مكتب اهذه المنظمة تم ابعادة الى رام الله بدل ان يمارس دوره وعمله في القدس المحتلة .
ودعا الحسيني المجتمع الدولي الى التحرك اذا كان يريد المحافظة على مدينة القدس إذ بلغت الامور حالة من الخطر الشديد لا يجوز السكوت عليها.
يذكر ان باب العامود، هو الباب الأكثر فخامة بين أبواب القدس من ناحية الزخارف والارتفاع الذي يصل لنحو ثمانية أمتار، وكان على مدار قرون الممر الرئيس لجميع القوافل التجارية والأفواج السياحية المتجهة للقدس، وهو باب قديم يعود بناؤه لعهد الإمبراطور الروماني روما هدريان في القرن الثاني الميلادي وكان على عمق ثمانية أمتار من الباب الحالي حينها، وفي الفترة الصليبية كان الباب يقع على عمق أربعة أمتار من الباب الموجود حاليا، وفي العهد العثماني فتحت ستة أبواب في سور القدس.
عمرو: الهدف تحقيق شلل تام في المدينة ....
من جانبه قال المختص بعمارة القدس المحاضر في جامعة بيرزيت الدكتور جمال عمرو ، ان وضع الابراج الامنية والعسكرية في باب العامود يستهدف تحقيق الشلل التام في واحد من اهم شرايين الحياة في المدينة المقدسة من الناحيتين التجارية والدينية ،فهو المدخل للأقصى والقيامة والمدخل الرئيس للاسواق التاريخية في القدس القديمة .
ومن الناحية الثانية تحقيق هدف الانتصار المعنوي للمستوطنين على المقدسيين يقول عمرو ، ويضيف :"الهدف تهجير المقدسيين وابعادهم عن البلدة القديمة، وتحقيق الامن والامان للمستوطنين للعربدة على مدار الساعة في احد أهم ابواب المدينة المقدسة ."
واضاف انهم يسعون نحو السيطرة على الباب وتشكيل الاغلبية اليهودية فيه كما حدث في بابي المغاربة والخليل، ليصبحوا هم المشهد الطاغي في المدينة امام المقدسيين وامام زوار المدينة وامام السياح الاجانب الذين يترددون على القدس .
ولفت عمرو الى ان الاحتلال يسعى بكل الوسائل لفرض رموز معمارية على المشهد العمراني التاريخي للبلدة القديمة والتي بقيت تشهد على عروبتها عبر التاريخ ليضفي عليه رموزا توراتية ومنها هذه الابراج والكاميرات وطريقة التبليط وتوزيع النخل وزرع الرموز الاحتلالية وكذلك القطار الخفيف الذي يكمل المشهد المغاير لمدينة عربية تاريخية .
وحذر عمرو من خطورة مثل هذه الابراج والتواجد العسكري المكثف في باب العامود وانعكاسات ذلك على المواطنين والتجار واصحاب المحال التجارية في الاسواق التاريخية في القدس العتيقة، وقال ان الاحتلال يخطط للسيطرة على هذه الاسواق التي لا تقدر بأي ثمن ،مشيراً الى ان التضييق وارهاب المواطنين سيؤدي الى عزوف المشترين وتكبيد التجار المزيد من الخسائر ،الامر الذي سيجبر الكثير منهم مع الوقت الى اغلاق محالهم التجارية وهجر المدينة المقدسة.
ضربة استباقية ...
واضاف ان مجمل هذه الممارسات في المدينة المقدسة ومحيطها تهدف بالاساس الى توجيه ضربة استباقية للعاصمة الفلسطينية وحسم امرها على المستويين السياسي والاقتصادي ضمن الرؤية الإسرائيلية الاميركية بشأن القدس عاصمة لإسرائيل.
جوهر الصراع ...
ولفت الى ان البلدة القديمة تشكل جوهر الصراع منذ العام ١٩٤٨ ، هذا ال "١ كم" يمثل جوهر ولب الصراع الفلسطيني -الإسرائيلي لانها تضم بين اسوارها المقدسات الإسلامية وفي مقدمتها المسجد الاقصى المبارك والمسيحية من خلال ام الكنائس كنيسة القيامة "، فضلاً عن الطبقات التاريخية الاثرية ال ١٩ التي تثبت عروبة هذه المدينة منذ خمسة آلاف عام قبل دخول أي يهودي اليها .
وشدد عمرو على اهمية الحفاظ على الوجود الفلسطيني واستمرار الحياة في هذا الباب الرئيس والمحور الاقتصادي المركزي الذي له رمزية خاصة بالوجدان الفلسطيني استمرار تدفق المقدسيين عبر باب العمود رغم المعيقات والمنغصات والتواجد العسكري المستمر من قبل الاحتلال . وقال :"لقد عودنا المقدسيون انهم يستطيعون اجتياز كل معيقات الاحتلال كما حدث في ١٤ تموز الماضي في باب الاسباط وفي واقعة ابواب كنيسة القيامة قبل اسبوعين.
ولفت الى ان البناء الحالي لباب العامود يعود للفترة العثمانية بين عامي 1537 و1539، ويعلو الباب فتحة صغيرة للحراسة وتاج دُمر في زلزال ضرب القدس عام 1927 وأعادت سلطات الاحتلال الإسرائيلي وضعه لاحقا. وسمي باب العامود بهذا الاسم لوجود عامود من الرخام الأسود ارتفاعه 14 مترا، ووضع في الساحة الداخلية للباب في الفترة الرومانية، وعن طريق هذا العامود كان يقياس بعد المسافات عن القدس، بواسطة حجارة "ملياريس"، ويعتقد أن هذا اللفظ هو أصل وحدة القياس "الميل" المستخدمة اليوم لقياس المسافات.
وقال ان لباب العامود تسميات أخرى كباب دمشق وباب نابلس، وتبلغ مساحة ساحته ومدرجاته والدكاكين المملوكية الموجودة في مدخله حوالي ثمانية دونمات ونصف الدونم، وعلى مدار قرون طويلة كان باب العامود هو الممر الرئيس لجميع القوافل التجارية والأفواج السياحية التي كانت تؤم القدس، بسبب اتساع مساحته وقربه من الأسواق وطريقه الممهدة، التي تؤدي لداخل أسوار القدس ويتفرع منها كل من الطريقين الرئيسيين للأسواق وللحيّين الإسلامي والمسيحي، وهما طريق باب خان الزيت وطريق الواد.
وعلى درجات باب العامود وفي ساحته ارتقى اكثر من ٢٠ شهيدا. وحسب الاحتلال فقد تم تنفيذ اكثر من ٣٢ عملية في منطقة باب العامود في العامين الأخيرين.
وأغلقت قوات الاحتلال باب العامود اخر مرة بشكل كامل في ١٤تموز ٢٠١٧ وحولته الى منطقة عسكرية مغلقة خلال محاولتها فرض البوابات الألكترونية على مداخل المسجد الاقصى .