افراسيانت - الكويت - قالت أوساط خليجية مطلعة إن تحذير أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح امس من تصعيد محتمل في الأزمة مع قطر، يعكس مخاوف جدية من تصعيد متوقع خلال الفترة القادمة من جهة دول المقاطعة التي أعطت الوساطة الكويتية ما يكفي من الوقت لاختبار جدية قطر والتأكد من أن وعودها للوسيط الكويتي كانت بهدف الظهور بمظهر الحريص على الحوار وإقامة الحجة على الخصوم، لكن الوقت كشف أن قطر لا تؤمن بالحل الودي وأنها كانت تستثمر النوايا الطيبة للمسؤولين الكويتيين ليس أكثر.
وأشارت هذه الأوساط إلى أن كلام الشيخ صباح الأحمد موجه بالأساس إلى قطر لتحذيرها من أن عدم الاستجابة لوساطتها وتمسكها بعدم تقديم مبادرة جدية لتليين الموقف السعودي سيقودان إلى التصعيد، وأنها تتحمل لوحدها تبعات هذا التصعيد بما في ذلك التسبب في انفراط عقد مجلس التعاون.
ولفت أمير الكويت في خطاب ألقاه أمام البرلمان مفتتحا دورة تشريعية جديدة إلى أن الأزمة الدبلوماسية الأكبر في المنطقة منذ سنوات قد تؤدي إلى تدخلات “إقليمية ودولية” تلحق أضرارا مدمرة بأمن الخليج.
وقال الشيخ صباح الأحمد أمام البرلمان إنه “خلافا للآمال (…) الأزمة الخليجية تحمل في جنباتها احتمالات التطور، وعلينا أن نكون جميعا على وعي بمخاطر التصعيد بما يمثله من دعوة صريحة لتدخلات إقليمية ودولية لها نتائج بالغة الضرر والدمار على أمن دول الخليج وشعوبها”.
وأضاف “يجب أن يعلم الجميع بأن وساطة الكويت الواعية لاحتمالات توسع هذه الأزمة ليست مجرد وساطة تقليدية (…) هدفنا الأوحد إصلاح ذات البين وترميم البيت الخليجي والتحرك لحمايته من التصدع والانهيار”.
واعتبر أن “التاريخ وأجيال الخليج القادمة والعرب لن يغفروا لكل من يسهم ولو بكلمة واحدة في تأجيج هذا الخلاف أو يكون سببا فيه”.
ويعكس موقف أمير الكويت المتشائم بشأن انعقاد القمة الخليجية في بلده في ديسمبر المقبل عمق الأزمة بين قطر والدول المقاطعة لها. وقال مصدر خليجي إن الدول المقاطعة على رأسها السعودية، تعطي الأولوية لانضباط قطر وتوقفها عن دعم الإرهاب على المحافظة على مجلس التعاون. أما أمير الكويت فيرى أن التنازلات ضرورية للمحافظة على مجلس التعاون، وقد طلب بالفعل من أمير قطر تقديم مثل هذه التنازلات ولكن من دون نتيجة.
وفسر المصدر الخليجي الموقف القطري بعجز الشيخ تميم بن حمد عن الإقدام على أي خطوة شجاعة في غياب غطاء من والده، فضلا عن وضعه الضعيف داخل العائلة.
وقال المصدر إن أي تنازل يقدمه الشيخ تميم سيفسر داخل العائلة بأنه ضعيف وغير قادر على اتخاذ مواقف سياسية والتمسك بهذه المواقف وذلك في ظل قدرة لدى الدول المقاطعة على التمسك بموقفها من قطر إلى ما لا نهاية.
وتساءل المصدر كيف كان لأمير قطر الذهاب بعيدا في المواجهة مع الدول المقاطعة، فيما يعرف تماما أن لديها القدرة على الصمود من دون أن تلحق بها أي أضرار تذكر.
وختم المصدر بقوله إن أمير قطر لا يستطيع الاكتفاء بالاتكال على أن الشيخ صباح الأحمد حريص على بقاء مجلس التعاون الخليجي الذي تشكو دول المقاطعة بأنه بات غطاء لممارسات قطرية أبعد ما تكون عن روحية المجلس والأسباب التي أنشئ من أجلها في العام 1981.
واعتبر متابعون أن رسالة أمير الكويت واضحة في العتب على قطر كونها لم تراع وساطته وسعيه لتليين الموقف السعودي فيما كانت هي تتعمد إظهار التقرب من إيران وتمتدح دورها، وبلغ الأمر بأحد وزرائها أن وصف إيران بالدولة الشريفة في تحد واضح للزخم الإقليمي والدولي الذي ساهمت السعودية بشكل كبير في خلقه لتطويق التمدد الإيراني في قضايا المنطقة.
ويرى المتابعون أن كلمة الشيخ صباح تحمل في ثناياها تنبيها من أن استمرار الدوحة في سد طريق المصالحة، وعدم المبادرة إلى خطوات تساعد على التهدئة قد يقود الكويت إلى وقف وساطتها إلى حين توفر شروط مشجعة على استئنافها، وهذا لن يخدم قطر التي ستجد نفسها المتضرر الوحيد من التصعيد بسبب وضع اقتصادها المتراجع وتأثير المقاطعة على برامجها المستقبلية وخاصة تنظيم كأس العالم لكرة القدم 2022.
ووصف المحلل السياسي البحريني عبدالله الجنيد عدم تقديم القيادة القطرية ما يسهل من مهمة الشيخ صباح الأحمد لحلحلة هذه الأزمة بالأمر المحزن.
وقال الجنيد : “إن كلام أمير الكويت يعد إنذارا بالانسحاب من الوساطة ويشير إلى تطورات غير محمودة في هذا الملف”.
وشدّد على أن أكبر المخاوف التي تراود الشيخ صباح الأحمد إقدام دول المقاطعة لقطر على اتخاذ قرارات توافقية تطور من تقاربها السياسي وتتجاوز فيه الهيكل المعتمد من قبل دول المجلس، مما قد يفرض على الكويت ضغوطا تضاف لكلفة وساطتها في الأزمة القائمة خصوصا إن هي وضعت القيادة الكويتية بين المفاضلة بين القائم أو ما هو قادم.
ولا تبدو الدوحة مقدرة لما يمكن أن يفضي إليه سحب الكويت لوساطتها أو تعليقها، وهو ما يعني آليا تجميد التفاوض حول أزمتها واستمرار المقاطعة بشكل تصاعدي، الأمر الذي سيحوّل قطر إلى منطقة معزولة سياسيا واقتصاديا.
وتعتقد مراجع دبلوماسية خليجية أن استمرار عزلة قطر لأشهر قادمة سيضر اقتصادها بشدة، وأن المساعدات المحدودة التي تأتيها من إيران أو تركيا لن تحل مشكلتها، فلا يمكن لبلد أن يستمر على المساعدات الظرفية فيما تتعطل مختلف مشاريعه ذات الصبغة الاستراتيجية نتيجة المكابرة والهروب إلى الأمام.
وتشير إلى أن قطر واقعة تحت تأثير إشارات متناقضة لمسؤولين غربيين يطلقون تصريحات توحي بالمجاملة لكنها لا تقدم لها أي دعم، ما يجعلها في وضع صعب، لافتة إلى الغموض الذي يحيط بتصريحات وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون الذي “يبرّئ” ذمة الدوحة من إفشال الحوار ثم يغادر ويتركها في وضع معقد، معربا عن أنه لا يستطيع أن يفعل لها شيئا، وأن عليها أن تتفاوض مع خصومها للتوصل إلى حل، وهو اعتراف صريح بأن الحل لن يكون سوى داخل مجلس التعاون وليس في أي دولة غربية.
وتتوقع المراجع أن تضطر الدوحة إلى مراجعة موقفها بعد أن تتأكد من استحالة التأثير الخارجي في خلافها مع الدول الأربع، خاصة أن تيلرسون لم يخف عجز وساطته عن حلحلة الأزمة وإقناع السعودية بالحوار.