بزوايا (العراق) - افراسيانت - مع بدء المعركة لاستعادة آخر معاقل تنظيم الدولة الإسلامية في شمال العراق، عاد "فوج الموصل"، الذي غادر المدينة قبل أيام من إعلان التنظيم لـ"دولة الخلافة"، للتواجد على الجبهة وخوض معركته والدفاع عن مدينته وشرفه.
على الخط الأمامي، رص الفوج صفوفه فجراً في بلدة برطلة المسيحية حيث أنشأ قاعدته مؤخرا، واتجه شرقا واضعا "عاصمة الخلافة" نصب عينيه.
أولى الأعمال العدائية أتت من جانب الجهاديين، وبدأت قذائف الهاون تتساقط، حيث سقطت الأولى على يمين المبنى الذي يتواجد فيه قائد الفوج المقدم منتظر سالم، والثانية على يساره. أما الثالثة فأصابت المبنى.
وأصيب أحد الممرضين المتواجدين عند مدخل المبنى لاستقبال الجرحى.
وعلى الفور، سارع الضابط الذي يرتدي بزة مموهة للنزول إلى أسفل البناء. وبوجه تبدو عليه علامات القلق، اقترب من الرجل الممدد على الارض عند مدخل المبنى قيد البناء، بعدما استقرت شظية في صدره.
لم تصل الشظية إلى رئته، فأجلي على الفور، فيما تواصل سقوط القذائف بعيدا.
وعندها، بدأ الضابط بإرسال إحداثيات مواقع السيارات المفخخة. كل إرسال عبر الجهاز تقابله سحابة كبيرة من الدخان نتيجة انفجار آليات مفخخة بمادة الـ"تي أن تي" بفعل غارات طائرات التحالف التي كانت على علو مرتفع ولا ترى بالعين المجردة.
مع مواصلة التقدم، يرتسم هدف اليوم: حفرة كبيرة على مدخل بلدة بزوايا حيث تتواجد شركة بناء. يناور الفوج بمدرعاته بين العبوات الناسفة ونيران القناصة، ومع نزول الرجال على الأرض، باشروا على الفور تأمين المكان المغطاة أرضيته بالنوافذ المحطمة والزجاج المتناثر جراء إطلاق النار.
ويواصل جنود الفوج التقدم ممتشقين بنادقهم، يتنقلون بحذر وراء الجدران ويقتحمون المنازل بعد تحطيم ابوابها، وعبر جهاز اللاسلكي، يخرج صوت العقيد مصطفى العبيدي قائلا "إنهم يفرون، الدواعش يفرون إلى الموصل".
لم ينس منتظر سالم "العاشر من حزيران/يونيو 2014 عند الساعة العاشرة صباحا تماما" عندما غادر رجاله الموصل.
في ذلك اليوم، اضطر فوجه التابع لقوات مكافحة الإرهاب إلى التخلي عن قاعدة الغزلاني العسكرية على مدخل الموصل.
وأكد سالم لفرانس برس إن "رئيس الوزراء نوري المالكي حينها" قرر ذلك، مضيفا "نحن كنا على استعداد للبقاء".
لكنهم لم يكونوا إلا بضع مئات من الرجال. كل القوات الحكومية الأخرى، التي كانت في حالة من الفوضى التامة، فرت في مواجهة قوات تنظيم الدولة الاسلامية.
وفي هذا الإطار، يقول العقيد مرتضى، إن أصحاب القرار ارتأوا أن "التضحية برجالنا الأفضل تدريبا، في معركة غير متكافئة، لا تستحق العناء".
لذلك أعيد نشر تلك الوحدات في الرمادي وبيجي وتكريت، سالكين الطريق من الجنوب والشرق لطرد تنظيم الدولة الإسلامية.
واليوم، لم يعد أمامهم إلا قريتين فقط للعودة إلى الغزلاني.
بعينين لامعتين يقول العقيد مرتضى "كنا نعيش هناك، وعملنا هناك".
العقيد مرتضى، الشيعي الآتي من مدينة كربلاء المقدسة، يتذكر باعتزاز "الشهيد" أحمد، السني.
أما العقيد مصطفى، وهو سني من بغداد، فيعمل بالتنسيق مع العقيد حمزة خليل، التركماني الشيعي المتحدر من تلعفر.
يكرر المقدم سالم القول "فقط في قوات مكافحة الإرهاب تبقى الطائفية خارجا".
يعلم سالم ورجاله أنهم لن يجدوا غير الخراب، "كان لدينا ملعب، وحقل رماية، وسجن، ومهبط للمروحيات".
يشير بإصبعه إلى الكومبيوتر اللوحي محددا نتيجة الطلعة الجوية الأخيرة للتحالف الدولي فوق الغزلاني.. لم يبق شيء، مجرد رقعة واسعة من الرمال والركام.
وأوضح العقيد مرتضى أن "الجهاديين ذهبوا الى هناك بالجرافة، ودمروا كل شيء".
ولأن قوات مكافحة الإرهاب تأسست وتدربت على يد الأميركيين، فلها سمعة كبيرة في العراق وأيضا في صفوف الجهاديين.
الآن فيما تبدو الموصل في متناول اليد، بدت الروح المعنوية عالية جدا في صفوف "فوج الموصل".
وتعهد سالم بأن عودة فوجه إلى قواعده باتت قريبا، كقرب زوال التنظيم "الذي دمر صورة الإسلام في كل أنحاء العالم".