افراسيانت - وعدت أوروبا أوكرانيا بأنها ستقدم لها شهريا مليارا ونصف مليار من الدولارات لتعينها على مواجهة تكاليف الحرب. لو لم تقع تلك الحرب هل كانت أوروبا تقدم ذلك المبلغ الهائل لدولة لا
تشكل تهديدا لروسيا لتعينها على مواجهة تكاليف السلام؟
انتبه الأوروبيون إلى أوكرانيا يوم صار رئيسها فولوديمير زيلينسكي يستفز روسيا ويهددها بصواريخ الناتو. أما في ما مضى فقد كان الأوكرانيون غير مرحب بهم على أراضي الاتحاد الأوروبي. يوم تحولوا إلى لاجئين صاروا خفيفين على القلب وصارت أوروبا تفتح خزائنها لبلد حطمته حرب، كان يمكن تفاديها لو أنها أجهدت نفسها قليلا في لعب دور الوسيط.
المشكلة الأوروبية تكمن في عدم الاعتراف بالفشل. لطالما رُفع شعار أموال دافعي الضرائب ضد المهاجرين. وتلك كذبة كبيرة. ها هي الأموال الأوروبية تتدفق من أجل التستر على كذبة. لقد أبكوا العالم من أجل أوكرانيا. صاروا يستجدون النقود في الشوارع من أجل أوكرانيا. وصارت المصارف تطلب من عملائها التبرع من أجل أوكرانيا. كل ذلك من أجل أن لا يتم الاعتراف بأن العقل السياسي الشعبوي الذي يحكم أوروبا فشل في حل مشكلة أرادت لها الولايات المتحدة أن لا تُحل.
أوروبا تخلت عن مصالحها لحساب طرف ثالث بعيد لن يتضرر من الحرب هو الولايات المتحدة. غير أن المؤسف أن العقل السياسي الأوروبي لم يستيقظ على وقع صدمة الحرب العبثية.
ولأن أوكرانيا تقع وسط أوروبا فلا يمكن لأوروبا أن تدير ظهرها لها. ولأن الأوروبيين انبطحوا بطريقة غير مسبوقة أمام القرار الأميركي فقد صار عليهم أن ينتظروا الحل القادم من البيت الأبيض. وهو ما يعني أن أوروبا باتت عاجزة عن حل مشكلاتها. ذلك وضع مؤسف بالنسبة إلى سكان منطقة اليورو الذين لم يعودوا يثقون بعملتهم. أما إذا كانت أوكرانيا تثق بأوروبا أم لا فذلك سؤال قد لا تكون له أهمية في مقابل ما كان ينتظره زيلينسكي من حرب كونية تزيل روسيا من الخارطة الأرضية.
لا يزال الرجل فكاهيا وهو دائم الحضور في المطبخ الأوكراني بالنسبة إلى ربات البيوت. لن يكون العذاب الأوكراني إلا جزءا من تلك التسلية اليومية التي سيحرص الرئيس على أن تستمر في ظل تضليل إعلامي أوروبي، يضحك من خلاله الأميركان على العالم وعلى أوروبا نفسها التي كشفت التجربة عن نقاط ضعفها.
يُقال إن بوتين تورط في حرب، لا يعرف كيف يخرج منها. ذلك دليل على مراهقة سياسية وعدم دراية عسكرية. ذلك يمكن أن يكون صحيحا وإن كانت المعطيات تؤكد أن بوتين لم يلجأ إلى خيار الحرب إلا مضطرا. لقد انسحبت أوروبا عن الطاولة باعتبارها وسيطا محايدا له مصلحة في أن لا تقوم حرب على أراضيها.
تخلت أوروبا عن مصالحها لحساب طرف ثالث بعيد لن يتضرر من الحرب هو الولايات المتحدة. غير أن المؤسف أن العقل السياسي الأوروبي لم يستيقظ على وقع صدمة الحرب العبثية التي أضرت باقتصاد الجزء الحيوي والخلاق من العالم وجعلت دولا كبرى مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا تخير سكانها بين الخبز والبرد في الشتاء القادم بسبب أزمتي الطاقة والحبوب وما رافقهما من تضخم لم تشهد له أوروبا مثيلا منذ عقود.
ذلك يعني أن أوروبا أساءت فهم حاجاتها ولعبت بطريقة عبثية في منطقة كان ينبغي عليها أن تكون حذرة في اللعب بعناصرها. فروسيا التي هي ليست شيوعية الآن هي الأقرب من الولايات المتحدة إلى أوروبا. روسيا في حقيقتها دولة أوروبية ذات خصوصية تاريخية. لذلك كان احتواء روسيا أوروبيا أفضل بكثير من جرها إلى حرب باردة جديدة، ستكون عبارة عن لعبة إلكترونية أميركية جديدة.
أما الاستمرار في ضخ الأموال إلى أوكرانيا من أجل تعبئتها عسكريا من غير التفكير في فتح أبواب الحوار مع الطرفين، روسيا وأوكرانيا للوصول إلى نهاية عادلة لتلك الحرب العبثية فإنه الجنون بعينه. أوروبا المجنونة هي التي صارت تتخبط في أزماتها من غير أن يعينها عقلها السياسي الضحل على أن الحل يكمن في فك الارتباط السياسي بالولايات المتحدة.